يوم غير مسبوق ذلك الذي حدث في واشنطن، قدم دونالد ترمب من منتجعه في فلوريدا كإعصار اجتاح العاصمة وحوّل طقسها الصقيعي إلى سخونة عالية منذ الصباح حتى خلد إلى النوم متأخراً في جناحه بالبيت الأبيض، نام هو لكن العالم لم ينم أو يهدأ بعد كل الذي فعله في يومه الأول. يوم بألف يوم من أيام الرؤساء السابقين أو أكثر، لم تشهد أمريكا مثله منذ جورج واشنطن إلى جو بايدن، وبذلك يكون دونالد ترمب قد أكد تصريحاته السابقة بأن أمريكا ستشهد تغييرات جذرية ابتداءً من يومه الأول، بل إنه بدأ الاجتياح قبل دخوله البيت الأبيض. بمجرد انتهائه من أداء القسم ووقوفه على المنصة لإلقاء خطاب التنصيب بدأ بدلق السخرية والتهكم والنقد اللاذع لسلفه وفترته بينما هو جالس إلى جانبه، لم يجامله أو حتى يرأف بانكساره، ولم يشبع من الشماتة بنائبته وهزيمتها المذلة أمامه. جاء مدججاً بعدد من المناصرين الذين يملكون أكبر الثروات على كوكب الأرض؛ أربعة منهم فقط تقارب ثروتهم الترليون دولار، كي يقول ضمنياً للإدارة السابقة وللأمريكيين والعالم إنه وقت قوة المال والاقتصاد، الأساس الذي سيقوم عليه شعاره لنجعل أمريكا عظيمة. منذ اللحظات الأولى ليوم التنصيب ثم بعد دخوله البيت الأبيض، بدأت مذبحة إلغاء عشرات الإجراءات التنفيذية التي وقعت عليها إدارة بايدن، وتوقيع عشرات الأوامر التنفيذية الجديدة التي شملت كثيراً من الشؤون. الهجرة، الحدود، المناصب الفدرالية، التعليم، الصحة، الضرائب والأسعار، النفط والطاقة، إعفاءات وتعيينات، رفع السرية عن بعض الملفات، الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ، وفي مؤتمره الصحفي لم تبقَ بقعة في العالم لم يعرج عليها، أو قضية لم يتناولها؛ الصين والحرب التجارية، روسيا وأكرانيا، الاتحاد الأوروبي، الناتو، قناة بنما، غزة والشرق الأوسط، إيران وأتباعها، تطبيق تك توك، الفضاء وكوكب المريخ، التحول الجنسي، حرية التعبير والمساواة تحت القوانين الدستورية، كان يتحدث وقلمه لم يتوقف عن التوقيع على الأوامر في مشهد تتجسد فيه كل مكونات شخصيته. ليس هناك من شك أننا مقبلون على أربع سنوات فارقة ومختلفة ومثيرة في الإدارة الأمريكية، ستتغير معها أشياء كثيرة في الداخل الأمريكي وفي العالم، وغاية الأمل أن يكون ترمب الجديد رجل سلام عالمي كما وعد.