تعي الشاعرة زينب غاصب مقتضيات تحديث النص الشعري، وهي صاحبة نموذج في القصيدة المحلية استحق اهتمام البحث الأكاديمي. أصدرت ديوانها الأول «للأعراس وجهها القمري» (عام 2000)، وشاركت في الكثير من الأمسيات الشعرية والأنشطة الثقافية. ونالت حقوق المرأة وقضايا المجتمع المساحة الأكبر من كتاباتها الصحافية. الشاعرة غاصب عضو نادي جدة الأدبي. شعرها يحفل برؤية متجددة ومواكبة للتحولات. «الحياة» التقتها فكان هذا الحوار: النص الحديث وعي وموقف ومخيلة فنية، كيف ترين علاقة المبدعة بقضيتها، خصوصاً ان لك تجربة صحافية طويلة تستمد مادتها غالباً من قضايا المرأة؟ - القضية هي الأساس في تطوير العملية الإبداعية، خصوصاً إذا كان النص المنصب عليها موغلاً في جوانبها، من حيث استحضار المرئيات الواقعية، ثم طرحها بشكل فني ممتزج، بالفلسفة الفكرية الخاصة بالكاتب، موظفاً فيها أدواته الثقافية واللغوية في ذات النص، للاحتمال والحوار ومن ثم توقع النتائج التي ستكون بمثابة الوصفة الناجحة، لزوايا القضية المستمدة من حاضر المجتمع. الكتابة الصحافية عن قضايا المجتمع والمرأة والطفل من أهم الأسس في تطوير المجتمع ومواكبة التغيرات الثقافية العربية والعالمية، حدّثينا عن ذلك من خلال تجربتك الصحافية؟ - بالتأكيد للكتابة الصحافية دورها الكبير في تطوير فكر المجتمع، الذي ربما يكون مشوهاً أو مشوشاً بمفاهيم خاطئة حول الكثير من المبادئ التي تخص المرأة من منطلق حقوقها المهضومة، بفعل العادات والتقاليد، وليست من مبادئ الدين والتناقض الواضح بين الشرع الذي أعطاها كل الحقوق، والمجتمع الذي سلبها إياها بسلطة الذكر القابض عليها بالقمع، والأذى، للسيطرة عليها وإدخالها في قفص الممنوع تقليداً، والمباح شرعاً، أما الأطفال فهم تبعاً لقضايا الأسرة، الخاضعة أيضاً للسلطة إياها، ومن ثم جاء العنف مؤكداً ومدعماً هذه السلطة الخاضعة لنظرية القوة الذكورية، والكتابة الصحافية عموماً لا تحل المشكلة أو القضية بين يوم وليلة، ولكنها تساهم في حراك التغيير والانفتاح المجتمعي، والتأثير في الرأي العام الذي نجح كثيراً في إحداث تفاعل مع الرأي والرأي الآخر نوعاً ما، لإيجاد آليات جديدة لتجاوز الفجوة المجتمعية لتكون على طاولات الحوار العام. المبدع المغامر غالباً ما يقف ضد المعيارية والثبات في كتابة النص الأدبي، كيف ترين ذلك في تجربتك الشعرية؟ - لابد من المغامرة، فالنص الثابت هو نص ميت بلا شك، طالما بقي في قفص الانغلاق، خصوصاً النص الشعري، ومن هنا كان النص الشعري مفتوحاً لا ينحصر في زاوية الموضوعات القديمة المنصبة على العشق والفراق، أو الموضوعات التقليدية، وإنما لابد أن أخضعه لسيطرتي ورؤيتي، فأدخلت فيه كل قضايا المرأة وعلاقتها بالرجل، والمجتمع، وقضاياها المعلقة على شماعة العقم الأدبي، وحتى العاطفة وظفتها لخدمة القضية، لتتضح في فكر المتلقي وتصب في ذاته الكثير من الأسئلة والأجوبة، العالقة على جدار الفكر. قصيدة النثر أحياناً تحمل طاقة شعرية لا نجدها في قصيدة التفعيلة أو القصيدة العمودية، ولكنك في احد حواراتك صرحتي بأنك لا تؤمنين بها، ألا ترين أن رأيك يناقض فرضية الإحاطة بالعالم شعرياً؟ وكيف ترين قضية التجريب لبث تيار جديد من الأصوات الشعرية؟ - هنالك فرق بين الإيمان والإحاطة، وأنا قلت إني أحترم القصيدة النثرية من كتابها المبدعين فيها، وبما إني احترمها فبلا شك أني أقرأها، إلا أن النثر يبقى نثراً، قراءة، وهوية، وإلا (لماذا أسموها بالقصيدة النثرية) فأنا مثلاً أحياناً أدخل النثر في قصائدي لخدمة النص في بعض جوانبه، ولكنني أضعه بين الأقواس للتمييز، والقصيدة النثرية عموماً ليست كلها بمعيار واحد، فهنالك القصيدة النثرية المكتملة الأركان، من حيث اختزال الصورة والمعنى في أبدع تقنياته، وهنالك من يكتب خواطر وثرثرات لا ترتقي حتى إلى مستوى النثر العادي، ويصرون على أنها قصائد نثرية، حتى أصبح الميدان مفتوحاً لكل من أراد أن ينتسب للشعر، وعموماً أنا أكتب نصوصاً نثرية سترينها قريباً إن شاء الله في كتاب جديد، ولكنني سأكتب عليه «نصوصاً نثرية». فترة الثمانينات شهدت صراعاً بين التيار الحداثي والتيار التقليدي، وظهورك كان في آخر الثمانينات الميلادية، ما أثر هذه الأجواء في تجربتك الشعرية؟ - تلك الفترة كانت مرحلة خصبة في حياتي، استفدت منها بإثراء ثقافتي الشعرية كمبتدئة، عن طريق القراءات الشعرية لكبار الشعراء والشاعرات، والاستفادة من تجارب الآخرين، ولكنني لم أدخل في الصراع بين التيارين، وفضلت نشر نصوصي وتركت الحكم للمتلقين، إلا أنني لم أسلم من غبار الهجوم التقليدي، الذي كان ومازال يحارب كل ما هو جديد، ويعود ذلك لعدم فهمهم للحداثة كمصطلح، واعتقادهم بأنها أيديولوجية أكثر منها تجديداً في الشعر والأدب، مع أن الشعر بصفة خاصة ومنذ عصوره الأولى وهو يخضع للتجديد في شكله ومضمونه، كما أن تلك الفترة كان الظهور الإعلامي فيها قليلاً، وكانت الصفحات الثقافية فيها، تبعاً لهوى المشرفين عليها، ومع ذلك استطعت وبالكثير من الإصرار والصبر الوصول إلى القارئ. نعيش عصراً أدبياً يتجاوز قيود الجنس الأدبي والكثير من الروائيين كانت تجاربهم السردية امتداداً لتجارب شعرية سابقة، كيف ترين العلاقة بين الشعر والرواية ؟ - ربما الجنس الأدبي أحياناً يقود الشخص ليكتشف نفسه فيه، فالذين بدأوا بالشعر وانتهوا بالرواية، فهم روائيون ظلوا طريقهم إلى الشعر مثل الروائية أحلام مستغانمي، التي بدأت شاعرة وانتهت روائية، ولذالك نجد أسلوبها الروائي قريباً من الشعر، والعكس إذ نجد شعراء أبدعوا في القصة بجانب الشعر، مثل الدكتور غازي القصيبي، أما العلاقة بين الشعر والرواية فهي وثيقة إذ هنالك من الروائيين من يسرد بنفس الشعر، حتى يبتعد أحياناً عن آلية الرواية ولكن الفضاء الروائي أوسع من فضاء الشعر، إذ يستطيع القاص أن يتعرض لكل القضايا الاجتماعية بحرية تامة، خصوصاً بعد الانفتاح الإعلامي وكسر(تابو) الممنوع، أما الشعر فهو أقل فضاء في التعرض لكل المواضيع، لأنه يلتزم بقوانين وقواعد، يسهل تخطيها في الرواية. كونك كاتبة معايشة لتحولات الواقع الثقافية،الاجتماعية والإنسانية وشاعرة تمتلك اللغة الفنية، هل ستفكرين يوماً في كتابة رواية، خصوصاً أنها تتيح مساحة أوسع للتعبير عن قلق المبدع تجاه هذه القضايا والتحولات؟ - لا أعتقد أنني سأكتب رواية، ربما أكتب سيرة ذاتية. فالرواية الآن، أصبحت صيغة لتمرير الفكر، إذ تجدين في الرواية فكر الأشخاص وفلسفاتهم الخاصة بعيداً عن روح الرواية الجميلة التي تشد القارئ، وتجعله يعيش أحداثها بشغف وتلذذ، كروايات نجيب محفوظ أو ماركيز أو ديستوفسكي، ثم أن الرواية فقدت أهم مميزاتها، وهو دمج الخيال بالواقع، لم أعد أقرأ رواية تشدني حتى النهاية، بل أن معظمها أصبح مدعاة للملل، وتوظيفاً مقرفاً للجنس، في غير محله للترويج للرواية. يقول عبدالله الغذامي في كتابه «المرأة واللغة» لكي تتأنث اللغة لا يكفي أن تكون الكاتبة امرأة، وهناك نساء كتبن بلغة الرجل وكن ضيفات أنيقات على صالون اللغة؟ - بروز الذات الأنثوية من أهم ما يميز نصوص المرأة كيف ترين تجربة النقد النسوي، وهل أخذ شعر المرأة السعودية نصيبه من القراءة الموضوعية بواسطة هذا المنهج النقدي وهنالك رجال كتبوا بلغة المرأة وصوتها مثل الشاعر الكبير نزار قباني حديثاً والشاعر العربي عمر بن أبي ربيعة قديماً، إذ كان يتغزل على لسان معشوقاته بنفسه، ثم أن غزل الرجل للمرأة مذكراً، كلهم يقولون في غزلهم سواء شعراً أم نثراً يا حبيبي، فإذا كان الرجل يقول هذا للمرأة، فماذا تقول له هي: أتقول له: يا حبيبتي وعموماً ربما هذا المنطق مصدره الجانب السلطوي من الذكورة الطاغية في المجتمع، التي جعلت بعض النساء يتقمصن لغة الرجل الذي كتب هو بلسان المرأة في كثير من القضايا، كنوع من المضادة للمواجهة في عملية الإقصاء، والمرأة بطبيعتها لغتها أنثوية، فهل اللغة العربية مصنفة ذكورياً وأنثوياً، بقدر ما هي أداة للتعبير والتواصل بين الذاتين. هنالك فرق بين لغة الضعف والتوسل ولغة العقل والعاطفة والشعور واللغة وليدة الصدق عند الجنسين، ثم أن الشمس اسم مذكر فهل يستطيع أحد أن ينكر أنوثة الشمس. والأرض والسماء أسماء مؤنثة، وعليها يحيا الرجال والنساء، كما الشمس تماماً. أما بالنسبة إلى النقد النسوي فمع الأسف فقد انشغل بنقد الرواية التي برزت فيها الذات الأنثوية بشكل كبير، أكثر من الشعر فلذا لم يأخذ شعر المرأة نصيبه من البحث عن هذه الذات، ربما لأن الرواية أوسع فضاء من الشعر، أو هنالك عجز في الرؤية النقدية للشعر. خطاب المرأة وخطاب الرجل هل هما في حالة انسجام أم تحد؟ - لا أعتقد أن هنالك تحدياً، فالأدب لا يجنس، ليكون أداة للتحدي، والكل يطرح إنتاجاً إما ناجحاً وإما فاشلاً، والقضايا مشتركة بين الطرفين، تشكل هماً أدبياً واحداً نابعاً من صميم الحياة والواقع، وكما هما مكملان لبعضهما في الحياة، فهما أيضا مكملان لبعضهما في الأدب، وفي النهاية يكون الحكم للمتلقي. الكتابة تجربة متجددة من تراكمات معرفية وإنسانية، وللكتابة فلسفة معينة عند كل مبدع، ماذا تعني لك الكتابة؟ - الكتابة هي الإكسير الذي يفتح شرايين الفكر، ويجدد الطاقة الإبداعية للكاتب، وهي كذلك بالنسبة إلي، خصوصاً وأنا أعتبر نفسي هاوية، أستمتع بهوايتي وأصور فيها أحوالي، وتناقضاتي، واحتمالاتي، واندهاشاتي، وأحداث حياتي، المنصهرة في محيط التعبير الإنساني، الذي هو سمة البشر في حفظ توازنهم وحفظ تجاربهم لتأكيد وجودهم، ومن ثم الاستمرارية بإثراء الثقافة عن طريق الاطلاع المفتوح على جميع التجارب لجميع الشعوب الإنسانية، شعراً ونثراً. مشاريع كتابية قادمة ؟ - هنالك الكثير من المشاريع الكتابية في طور الإعداد، وهي عبارة عن ديوان شعري، وآخر نثري، وربما أجمع مقالاتي في كتاب، وكتابات أخرى لن أعلن هويتها حتى تكون جاهزة للطرح.