سطَّر شُعراء النبط صوراً حية لحياة المجتمع السعودي عبر التاريخ الشفهي في معاناته ومسرَّاته وممارساته اليومية وفي أفراحه وأتراحه وقيل – الشعر ديوان العرب – فوَثَّق الشِّعر الهوية السعودية في نظام الحياة وسيرة مجتمعاتها حسب موقعها الجغرافي في المملكة قديما ما أظهر الثراء الثقافي المتنوع العريق ونقَّاه من الشوائب الغريبة عن مجتمعاتنا السعودية في فنونها وأدبها. ومما حفظه الشعر صور المعاناة في السفر أو الترحال أو السكن بشكل منفرد في ظل ظروف انعدام الأمان وتَوارِد الخطر عليهم يتوجَّسونه من كل صوب؛ ومن صور التعبير عن ظروف حياتهم تلك التي تصاحب فنونهم الشعبية والتي يحكون فيها الحالة النفسية في مواجهة الخطر وكيفية التعامل مع الموقف؛ ومن الصور الجميلة في كلمات تؤدى مع أداء لحن الرفيحي: غابت الشمس وأنا قاعدٍ في مكاني لا مهرجْ يهرجني ولا ذيبْ رِيتْه بس ذيب الخَلا لَجْ العُوَا ثُمَّ جاني قلت يا ذيب ما ترحم ضعيفٍ وليته قال ما احدٍ رحمني يوم كلٍ ولاَني يوم قسمة نصيبي في حلالك لقيته ليس كما الذئب في معاناة سكّان الصحراء لمشاركتهم الرزق رغم النخوة التي تجري في دماء وأخلاق سكّان الصحراء لأنهم يحترمون هذه المشاركة؛ وفي قصة مشهورة بمعشي الذيب وهي مضرب للمثل في الرفق بالحيوان إذ ضاف – مكازي بن دغيم الشمري- الذئب حين اشتكى الجوع بعوائه فقدم له ذبيحة أسكتت جوعه فقلوب سكّان الصحراء لمْ تخلو يوما من الرحمة والتراحم حتى مع الحيوانات السباع؛ وهناك علاقة وطيدة بين إنسان الصحراء والذئب رغم العداوة التي خلقها شُحّ الرزق وقلة مصادره. الشاعر صويلح بن عتيق العرادي يحكي لحظاته مع الذئب وما دار بينهما من نوايا عندما اجتمع حوله ذئاب بعد عواء أحدهم في ظروف أصابت الوحوش بجسارة على البشر بسبب القحط الذي تضرر منه الخلق جعل الانسان يزيد بحرصه على مصادر رزقه فضيق على الوحوش: يا ذيب أشوفك لي تحدْ المخاليب تبي تعشَّاني وأنا أبا أتعشَّاكْ الكل منَّا ما درى وش ورى الغيب العلم عند اللي مديرٍ للافلاكْ مالي زهاب ولا لقيت المعازيب غيِر أنت باليني عسى الرب يبلاك ناديت ربعك من علو المراقيب جمعت ليَّه وربي كفاناك جمعت كل مشوَّكات المناويب جمعت ليَّه وشرّك تبلواك والأجل عند مرتب الرزق ترتيب ليا انتهى عمرك دَنَتْ لك منَايَاك وفي صورة للشاعر جزاء بن مثنى الجهني يعتذر فيها لذئب قَصَده ليأكل الشاة التي لا يملك الشاعر غيرها؛ في زمن اشتكي فيه الناس القحط والجوع؛ وتصدّى الشاعر للذئب حتى ابتعد عنه؛ ثمَّ شَعر بالحزن والحياء فليس من عادته أن يرد قاصدا له حتى ولو كان حيوان وتتجلى الصورة في البيت الأول.. يا ذيب أنا شاتي معيي عليها لا تلومني يا ذيب لو كان عييت لو شفتها وراي عيني عليها حرام عليك أكْلك لها لو تهَقْويت دوِّر العشا يا ذيب لا تحتريها لا تعدّك إلّا كود ناظرْتْها أقويت عيبٍ علي إنْ كان رحتْ فيها وإلّا انت ما هو عيب لو كان ذليت أخاف ما أُعطى عنز لعطيتك أيها وانته لا جنّبْت عنها تعشِّيت أنا أكره الدْرقات وانتبه تبيها لا انته بحال اللي يقولون لا اخطيت يكمل الشاعر خطابه للذئب ويعترف بأنَّ الذئب ند له والانتصار متبادل بينهما؛ وبأن الذئب شجاع بمعنى أنَّ فرص العشاء للذئب أوفر من فرص عشاء الشاعر لأنه لا يملك غير هذه الشاة التي يحتلبها؛ بينما يستطيع الذئب أن يجد ما يأكله ويسد جوعه مٍنْ مَنْ ذكرهم بالأبيات. كم عدوة يا ذيب ذللت فيها وكم عدوة ذيب فيها أنت ذليت لا شك شاة المحترص ما تجيها تأكل من المهمال ومن السحاريت وشاة الردي إكْلها ترى ما عليها إكْل شاة واحدٍ تخْلعه كل ما عويت وشاتي خطير اتهيبها لو تبيها إن كان تقنع ما تشكويت وفي صورة تعبر عن نهاية الأحداث التي جرت بين الشاعر والذئب يهدد الشاعر الذئب بالابتعاد عن شاته التي لا يملك غيرها – وإذهن - أي انتبه واحترص. الأربع اللي جيت تمشي عليها إذهن حديهن كان ما عني أنحيت. ملاحظة: الدَرْقات بمعنى محاولة الخطف بحين غرّة. وإدْرَق: بمعنى اختبأ من الخوف. ذللت: أي أخَفْت. ذليت: أي خِفْت. تحتريها: تنتظرها. تخْلعه: أي ترعبه. غابت الشمس وأنا قاعدٍ في مكاني يا ذيب أشوفك لي تحدْ المخاليب