شاركت السباع والضواري سكان الجزيرة العربية حياتهم فكانت تشبع في غناهم، وتجوع في فقرهم، وفي الموروث الكثير من قصص العداء بين السباع والإنسان، وكان سكان الجزيرة العربية شديدي الحرص في أمرين أقلقت مضاجعهم، وهما: الحنشل من البشر، والسباع من الحيوان، فكلاهما يتحينان فرصة غفلة البشر لنهب وسلب ممتلكاتهم لذريعة سد جوعهما. ومثلما كانت المعارك تنشب بين البشر أنفسهم، فقد كانت تنشب أيضاً بين الإنسان والضواري، بسبب الجوع، ومن أجل خطف شاة أو عنز، خصوصاً إذا اشتد الجوع على الضواري وفقدت سيطرتها على أحاسيسها. والذئب أشد من ناصب سكان الجزيرة العداء، ورضاه الإنسان نداً له لصفاته الجسدية والذهنية، ولما يحمله من قوة وذكاء ومراوغة وحكمة، جعلت سكان الجزيرة يخاطبونه كخصم عندما يحيط بهم خطره، خصوصاً أنهم يعرفون أن كفة الانتصار تميل للذئب في حال حدوث معركة بينهما وكان الإنسان أعزلاً، ولأن الذئب يعرف متى يهاجم فريسته، وحكايات الموروث الشعبي مليئة بقصص المعارك بين الذئب وابن آدم، ومنها ما وضحته قصيدة الشاعر صويلح بن عتيق العرادي في معركته مع قطيع من الذئاب: يا ذيب أشوفك لي تحدْ المخاليب تبي تعشاني وأنا ابا اتعشاك الكل منا ما درى وش ورى الغيب والعلم عند اللي مدبرٍ للأفلاك مالي زهاب ولا لقيت المعازيب غير أنت باليني عسى الرب يبلاك ناديت ربعك من علو المراقيب جمعتهم ليّه وربي كفاناك جمعت كل مشوّكات المناويب جمعتهم ليّه وشرّك تبلواك والأجل عند مرتب الرزق ترتيب ليا انتهى عمرك دنت لك مناياك وسبب القصيدة السابقة أن منطقة تبوك مرت قديماً بقحط وجوع وفقر استمر فترة طويلة، حتى أصاب الوحوش جسارة وجرأة على مهاجمة الإبل والأغنام وحتى الإنسان ولا تستثني أحداً، وحصل أن الشاعر صويلح سمع صوت عواء ذئب وهو يبحث عن إبله عند المغيب، ثم رأى قطيعاً من الذئاب تتبعه وهو يمشي حتى وصل لمكان اسمه (الدثنة)، فصعد على صخرة ليتفادى خطر الذئاب، لكن الذئاب تكاثرت وأحاطت به من كل ناحية تود افتراسه، فأيقن أنه في خطر، فأخذ يرمي عليها الحجارة ويصرخ بصوت عال، ولكن دون جدوى وهي تتكاثر حوله، ثم تقدم أكبر الذئاب نحوه، وكان صويلح يحمل سيفاً، وعندما اقترب ضرب الذئب ضربة قوية أسقطته جريحاً وصار ينزف، فشمت الذئاب رائحة الدم وتجمعت حوله والتهت بأكله حتى لو كان ذئباً، فانسل صويلح من فوق الصخرة والتجأ إلى مكان آمن، وكتبت له النجاة من مخالب الذئاب. وللشاعر جزاء الميلبي قصة مع الذئب، حين سمع وهو يرعى أغنامه صوت عواء ذئب ولم يعره اهتمامه، وفجأة ظهر له يراوغه ويحاول خطف الشاة، فرمى جزاء الحجارة وهو يصرخ حتى تغلب عليه وابتعد الذئب عنه، فشعر جزاء الميلبي بحرج لأنه لم يتعود على الشح لمن ينصاه حتى لو كان ذئب، فأخذ يعتذر ويبرر طرده له: يا ذيب أنا شاتي معيي عليها ولا تلومني يا ذيب لو كان عييت لو شفتها وراي عيني عليها حرْمٍ عليك أكلك لها لو تقويت دور العشا يا ذيب لا تحتريها لا تعدْك إلا كود ناظرتها أقويت عيبا علي إن كان روحت فيها وإلا أنت ما هو عيب لو كان ذليت أخاف ما أعطي عنز لعطيتك ايها وانته إليا جنبت عنها تعشيت أنا أكره الدرقات وانته تبيها ولا انته بحال اللي يقولون لا اخطيت كم عدوة يا ذيب ذللت فيها وكم عدوة يا ذيب فيها أنت ذليت لا شك شاة المحترص ما تجيها تأكل من المهمال ثم السحاريت وشاة الردي كلها ترى ما عليها وكل شاة واحد تخلعه كل ما عويت وشاتي خطير اتهيبها لو تبيها إن كان ما تقنع بعد ما تشكويت الأربع اللي جيت تمشي عليها إذهن حديهن كان ما عني أنحيت في البيت السادس، الدرْقات: جمع درْقة وتعني التغافل، يدّرقني أي يتغافلني. في البيت التاسع يقصد ب(كل) أي أكل من الأكل، في البيت الأخير (إذهن): أي احرص وتنبه. يا ذيب أشوفك لي تحدْ المخاليب