أكتب عن أنا موسكاتيللي المترجمة الإيطالية التي التقيتها في روما عبر صديق مشترك، من اللحظة الأولى شدتني روحها المرحة، بعد أن أجبت عن بعض الأسئلة في الأمسية التي أقامها مهرجان فيلم المتوسط في روما لكتاب بدايات الذي ترجم فيه البروفيسور ألدو نيقوسيا بدايات 22 رواية عربية، عرفني على أنا التي اقتربت مني مبتسمة وهي تقول بالعامية المصرية "أنتي كلامك مفهوم جداً، إزاي أنا فهمت كل اللي قلتيه؟"، أجبتها لأن اللهجة الحجازية قريبة من المصرية. أنا موسكاتيللي سيدة إيطالية ولدت في بورسعيد، والداها أيضاً ولدوا في بورسعيد، كانت من الجالية الإيطالية التي عاشت هناك ضمن العديد من الجنسيات المختلفة التي كانت تعيش هناك. رأيت الحنين والحب في نظراتها وعباراتها وهي تتحدث عن بورسعيد. غادرت بورسعيد وهي في التاسعة من عمرها، تعلمت كيف تكتب وتقرأ العربية منذ الطفولة، كان أبوها حريصاً على ذلك، لم يكن يخطر على باله أنهم سيغادروا مصر في يوم من الأيام. والد أنا، إيتوري موسكاتيللي كان بطل مقاومة في بورسعيد، أولاً وربما شعرت بتلاقي أرواح مع أنا لأن أباها كان حارس كرة قدم كوالدي، كان والدها يلعب للنادي المصري ببورسعيد في الأربعينات، ثم ترك الكرة وأصبح مصوراً فوتوغرافياً، لعب موسكاتيللي دوراً مهماً أثناء العدوان على بورسعيد، لأنه بسبب ملامحه الأوروبية كان قادراً على التجول والتقاط الصور في الأماكن المحظورة على المصريين، كان عين المصريين بروحه المصرية رغم جنسيته الإيطالية، هذه الروح التي انتقلت إلى ابنته أنّا، التي بالرغم من مرور السنين مازالت تحلم بالعودة إلى بورسعيد. "يا خبر أبيض، يا خبر أسود، يا كل الأخبار" بخفة دمها الهائلة أطلقت أنا هذه العبارة وهي تتحدث عن شخصية نعرفها سوياً، سجلت العبارة فيديوهاً بالصدفة، وفرجتها على أصدقائي وأهلي وأصبحنا نكررها في كل مكان. درست اللغة العربية وآدابها في جامعة روما كلية الآداب. تعمل كمترجمة في وزارة الداخلية وأيضاً تدرس اللغة العربية، ولحرصها على تدريس اللغة العربية بالشكل الصحيح تقول: لابد أن تدرس الثقافة الإسلامية مع اللغة كي يفهم الإيطالي حين يقرأ ماذا تعني الكلمات حين يقرؤها لأنها مرتبطة بالبيئة والثقافة. أنا تعتبر نفسها محظوظة لأنها عاشت تجربة فريدة لم يعشها أطفال الأجيال الجديدة، تشعر بالانتماء لمدينتها مسقط رأسها، وتفتخر بأنها ولدت وتربت فيها. ظلت أنّا موسكاتيللي تتردد هي وعائلتها على مصر حتى أواخر الثمانينات، لديها حنين جارف لبورسعيد، تغيرت كثيراً تقول: لكنها ستعود بعد التقاعد، لتعيش على ضفاف البحر، وتستعيد ذكريات المدينة الكوزموبوليتانية السعيدة. أنا أيضاً محظوظة لأني التقيت أنا موسكاتيللي، وأرجو أن ألتقيها في بورسعيد قريباً.