بات القراء العرب يعرفون الكاتب الفرنسي روبير سولي بعدما نقلت روايات عدة له الى العربية وصدرت في القاهرة ودمشق وبيروت وسواها. وروايته الشهيرة «الطربوش» حظيت بأكثر من ترجمة ولقيت ترحاباً نقدياً ورواجاً. وأعقبتها روايات أخرى مثل «مزاج» و «المملوكة». وأدرج كتابه «مصر ولع فرنسي» في سلسلة «مكتبة الأسرة» التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب. ولعل ما زاد من رواج اعماله المترجمة الى العربية هو الجو المصري الذي يطغى عليها والذي تدور الأحداث أو الوقائع في ظلاله. فالكاتب «الشامي» الأصل كما يسمي نفسه، الذي ولد في القاهرة عام 1946 ثم غادرها نهائياً الى فرنسا عام 1964 وكان في الثامنة عشرة، لم يستطع ان ينسى بلاده الأولى تلك ولا بلاد «الشام» التي نزح أهله منها الى مصر في جريرة ما سمّي هجرة «الشوام» الشهيرة مطلع القرن المنصرم. ظل روبير سولي اسير هذا الحنين المزدوج الى أرض عاش هو فيها وأرض سمع والديه يحكيان عنها. ومع انه اصبح فرنسياً والتحق بصحيفة «لوموند» منذ العام 1969 وما زال يعمل فيها معلّقاً يومياً ومسؤولاً عن ملحق «الكتب»، فهو لم يكتب غالباً إلا عن مصر، مصر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، مصر الكوسموبوليتية التي أغرت الشاعر كفافيس والروائي لورانس داريل والشاعر الإيطالي اونغاريتي وسواهم، مصر «الشامية» أو مصر التي فتحت أبوابها امام اهل المشرق الهاربين من الظلم العثماني. شخصيات سولي مشرقية ومصرية في الحين نفسه: ميشال بطركاني، الشاب الذي نشأ في عائلة سورية مهنتها صنع الطرابيش لم يغب عن ذاكرته البتة ذاك النهار الذي وقف فيه امام السلطان الذي زار مدرسة الآباء اليسوعيين في القاهرة، وقرأ قصيدة من «أساطير» «لافونتين وأخذته الرجفة، بازيل بطركاني بطل رواية «مزاج» يهاجر الى باريس آتياً من مصر ليعيش مع الذكريات التي لم يبق له سواها، «المملوكة» التي تفتن رجال المجتمع المصري الكوسموبوليتي وتتعلم فن التصوير وتقع في حب الكابتن إليوت الذي يغادر الى السودان مشاركاً في الحرب ضد «المهديين»... شخصيات كثيرة، مشرقية ومصرية، تعيش حالاً من الحنين الى الماضي أو تتخبط في صميم هذا الماضي الجميل الذي عرفته مصر، بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كتب روبير سولي الكثير عن مصر ولم يستطع ان يشفى من هذا «الهوى» أو «الولع» الذي يعتمل داخله. غادر هو مصر وأدار ظهره لماضيه هناك، لكن مصر لم تغادره أبداً. في بيروت التي أقام فيها فترة والتي يحبها ايضاً كمدينة مشرقية متوسطية، التقيت روبير سولي.إنها المرة الأولى التقيه فيها، لكنني أقرأه منذ أعوام وأتابع دوماً مقاله اليومي في الصفحة الأخيرة من صحيفة «لوموند» الفرنسية العريقة. عندما سألته عن عمله في «لوموند». قال لي ضاحكاً: «تصور كنت أصغر صحافي يلتحق بالجريدة عام 1969 وأصبحت الآن أكبر الصحافيين عمراً». سألت روبير سولي إن كان يجيد العربية، فقال إنه يتحدث بها مع أصدقائه المصريين فقط ويؤثر ان يجرى حواره بالفرنسية. وكنت فعلاً أود أن اسمعه يتكلم بالعربية وكيف ينطقها لكنه رفض. تناولت في رواياتك وكتاباتك الإبداعية بعامة، «مصر» حتى أنها بدت أشبه بهاجس يسكنك... ما سر كل هذا العشق المصري لديك؟ - أنا لا أنظر الى الشرق نظرة أي إنسان أو أي كاتب غربي آخر، وعشقي لمصر لا يشبه عشق المستشرق الذي يفتنه سحر الشرق بشمسه وألوانه وحكاياته... فأنا ولدت مصرياً وعشت طفولتي ومراهقتي على أرض مصر، وكنت قريباً منها الى حد أنها لم تجسّد «الحلم» بالنسبة إليّ. حبي لها لم يكن حباً أو عشقاً أبدياً لأنني ولدت فيها وعشت فيها، وعندما بلغت السابعة عشرة من عمري، قررت أن أقلب الصفحة وأدير ظهري الى الماضي وأتوجه الى فرنسا بعد فترة من المكوث في لبنان. وهكذا لم أعد أريد النظر الى الوراء مثل الكثيرين من الذين هاجروا مثلي في تلك الفترة. هل أفهم مما تقول إنك قررت التخلي عن «مصريتك»؟ - ربما... ذلك أنني أردت العودة الى البلاد التي حملت ثقافتها ولغتها وكانت تُمثل الأصول أو الجذور بالنسبة إلي، وأقصد فرنسا. وبعد وصولي إليها، أدرت ظهري عشرين عاماً لبلادي الأولى على رغم كل الذكريات التي حملتها في نفسي منها وعنها. تتوزع ذاكرتك بين مصر وفرنسا وسورية ولبنان... بل إنك عشت هذا المزيج الذي يشكل جذورك وأصولك. هل تعاني مشكلة ضياع الهوية؟ هل كنت يوماً ضحية فوضى الانتماء؟ - عائلتي جاءت من بلاد الشام واستقرت في مصر حيث عاشت طويلاً، وأنا ولدت هناك وتربيت هناك، إلا أنني كنت أحمل الثقافة الفرنسية وأعتبرها الأساس بالنسبة إلي... أما التعدد في الانتماء أو الانتماء المتعدد فسبّب لدي مشكلة التعريف بالذات وتحديد هويتها. وهذا الأمر دفعني نحو الكتابة التي ساعدتني في التعريف بنفسي أكثر. لكنني اليوم لم أعد أشعر بهذه المشكلة لأنني أعيش وأعمل في فرنسا ومتزوج من فرنسية وأولادي فرنسيون وأتحدث وأكتب بالفرنسية ومحور حياتي كله هناك. إذاً، أنت تعتبر نفسك فرنسياً؟ - أنا فرنسي مئة في المئة... لا أشعر اليوم انني أنتمي الى وطنين أو ثقافتين، لكن كتاباتي الإبداعية التي تتمحور في شكل كبير حول «مصر» جعلت بعض القراء ينظر إليّ بعين مختلفة أحياناً، على أساس أنني مصري. لكن هذا الامر لا يزعجني على الإطلاق. كما أنني، عندما كنت أزور مصر أو حتى سورية أو لبنان مثلاً، لم أكن أشعر بأي غربة، بل أجد نفسي في عالمي وعالم آبائي وأجدادي. هل تعتبر العربية لغتك الأم؟ - لا، الفرنسية هي لغتي الأم، لأنها كانت لغتنا في المنزل منذ ولدنا في مصر. كنا نتحدث بالفرنسية ونتحاور بالفرنسية ونتعلم في المدرسة بالفرنسية. إلا أننا كنا نتعلّم العربية ونمزجها أحياناً بالفرنسية خلال محاوراتنا مع الناس. لذا أعتبر أن الفرنسية هي لغتي الأم. هل تعتبر أن اللغة وطن؟ - جميل هذا الوصف، إلا أنني أفضل القول إن اللغة هي هوية. تحدث أمين معلوف مرة عن «لغة مصر الفرنسية اللذيذة» التي تعاود الظهور في أعمالك. الى أي مدى توافقه في ذلك؟ - للأسف هذا هو الأمر. هناك شيء فُقد وضاع. وهذا قد يكون الطريقة في الكلام أو اللهجة. فتزاوج الحضارات في فترة من الفترات خلق لغة فرنسية جديدة دخلت فيها لغات أخرى مثل العربية والإنكليزية. فكلمة Felicitation لم تكن تُستعمل، بل كان هناك كلمة MABROUK «مبروك»، التي تحل مكانها. وهكذا بالنسبة الى الإيطالية والإنكليزية. وكل هذا التزاوج بين المفردات كان يُشكل اللغة الفرنسية الخاصة بمصر. أما اليوم فالشباب المصري يتعلم الفرنسية كلغة اجنبية غريبة عنه تماماً... وهذا مؤسف طبعاً. ذكرت أن تعدد انتماءاتك هو الذي دفعك نحو الكتابة... كيف؟ - في عام 1980 حصل معي امر غريب هو أنني بدأت أفكر بجذور عائلتنا، وصرت أتساءل: لماذا عائلة مثل عائلتي جاءت من بلاد الشام ومن ثم استقرت في مصر وعاشت هناك طويلاً؟ كنت بحاجة لإيجاد جواب عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة. لذا بدأت بالبحث والعمل على كتابة روايتي «Le Tarboush» «الطربوش» لفهم حقيقة الأمر وحيثيات هجرة أسرتي والأسر التي عاشت تجربتنا خلال تلك الفترة ايضاً. يقال إن العائلة التي تقدمها رواية «طربوش» هي عائلتك أنت وإن حملت لقب بطركاني... صحيح؟ - الأسرة في «الطربوش» هي من نسج الخيال وإنما قد تكون عائلتي نفسها التي عاشت الظروف نفسها وعرفت الأحداث نفسها، لكونها جاءت الى مصر في أول القرن العشرين ومن ثم هاجرت الى فرنسا. ولا أخفي عليك أن الرواية التي أثارت إعجاب القرّاء الى حد كبير غيّرت الكثير من الأشياء حولي، وغيرتني، وبدلت نظرتي الى الأمور، وبالتالي حسّنت علاقتي بمصر وزادت عشقي لها. و «الطربوش» جعلتني أميل الى أن أكون روائياً تاريخياً لأنني، لكي أفهم حقيقة نفسي وآنيتي ووجودي وموقفي كان لا بد لي من أن أفهم تاريخ أهلي وأفهم أجدادي ومكانتهم. هل تتوجه في رواياتك التي تحمل دائماً مصر كثيمة أساسية لها الى المهتمين بتاريخ مصر؟ - لا أبداً، فأنا لست مؤرخاً أو كاتباً متخصصاً بالتاريخ، بل أنا أكتب للجميع وفي شكل عام، ولا أهتم بجانب معين من مصر أو بحقبة تاريخية بذاتها. إنني أهتم لكل الشؤون التي تشكل منها وجه مصر الحديث. لكن معظم رواياتك تدور في أواخر القرن التاسع عشر؟ - كتاباتي لم تنحصر كلها في القرن التاسع عشر بل تناولت هذه الحقبة وانطلقت منها حتى 1960. وقد تطرقت الى هذه الحقبة لأنها كانت حقبة الكوسموبوليتية أو النفوذ الأجنبي، وبالتالي حقبة العيش المشترك بين الأديان الثلاثة والجنسيات المختلفة، علاوة على جانب الأغلبية المصرية. وهذا الأمر أعطى برأيي هذه الفترة من تاريخ مصر الكثير من الغنى والتميز الاستثنائي الذي فتنني ودفعني للكتابة. ولكن في رواياتي المقبلة سأكتب عن مصر الراهنة أو مصر اليوم، واهتمامي بالحقبة التاريخية التي ولدت فيها وعايشتها لن يمنعني أبداً من الاهتمام بالوجه المصري الحديث مع كل ملاحظاتي عليه. فأنا سبق أن كتبت في كتابي «قاموس حب مصر» رأيي في مصر اليوم وهو رأي نقدي، ولم أتردد في إظهار المساوئ التي تُزعجني فيها كبلد ومجتمع. لكنني انتقدت بموضوعية، وبغض النظر عن عواطفي، لأن هناك أشياء أراها وأسمعها ولا أتقبلها، ولأن مصر تعنيني وأنا مهتم لأمرها ومتعلق بها. الى أي مدى دفعتك الكتابة عن أصول عائلتك وجذورك الى البحث المعمّق عن هذه العائلة وهذه الجذور؟ - لم يكن هذا ما يعنيني، ولم أكن أهتم للأفراد وإن كانت عائلتي، لأنني أردت البحث عن الجماعة... درست أحوال العائلات المشابهة في أوضاعها لأحوال عائلتي الآتية من بلاد الشام الى مصر والمهاجرة من مصر الى أوروبا. عائلة سولي هل هي فرنسية كما يوحي الأسم؟ - نحن «شوام» من بلاد الشام، ولا أملك نقطة دم أوروبية... تركت مصر إبان اعتداء الحلف الثلاثي على مصر، أليس كذلك؟ - لا، هاجرت من مصر الى فرنسا عام 1963، أي قبل الاعتداء على مصر. هل كان لبروز التيار الناصري آنذاك أثر في قرار هجرتك الى فرنسا؟ - حصل عام 1956 أمر دراماتيكي في مصر تمثّل في أزمة السويس، عندما اكتسبت بريطانيا وفرنسا حجة التدخل عسكرياً في مصر مع إسرائيل. كانت كارثة شخصية وعائلية ووطنية وغيرت الكثير من الأشياء. وبعد هذا التدخل أصبح الفرنسيون والإنكليز مهمشين في مصر وطريقة التعامل معهم اختلفت. أصبحت هويتي أو ثقافتي الفرنسية مسيّسة. وفي تلك الحقبة كان في مصر تعدد في الإثنيات والهويات، كان هناك الكثير من الأوروبيين من الأرمن واليونانيين والإيطاليين، وأيضاً الشاميين المسيحيين الذين تأثروا برد الفعل هذا وما عادوا يشعرون بالراحة كما كان في السابق جراء التضايق الذي شعروا به. وهذا ما حصل معنا نحن. ولكن للأسف أفقدت هذه الحالة، حالة تهميش الآخر في مصر، أفقدت هذا الوطن الكثير من غناه وأفقرته على الصعيد المعرفي والثقافي والاقتصادي، بعدما ساءت العلاقات بين مصر والعالم الخارجي. والكتب الموثقة التي كتبها الإنكليز عن الحقبة تؤكد أن وجودهم في مصر أوجد هوة كبيرة بينهم وبين مصر وبين مصر والغرب. بعد انقطاعك عن مصر وابتعادك منها، كيف تصف علاقتك بها اليوم؟ - علاقتي طيبة بمصر ولدي رابط يجمعني بها، وأُستقبل في مصر بحفاوة... البلد تغير وأنا تغيرت وشكل العلاقة اليوم بيني وبين مصر تغير. والنظام المصري هل تغير كثيراً عن المرحلة التي عشتها؟ - طبعاً. والأرشيف الفرنكوفوني هل اندثر؟ - لا أقول ذلك لأن ما حصل مع الفرنكوفونية هو أن اللغة الفرنسية بعد الثورة المصرية صار يُنظر إليها وكأنها من بقايا النظام الملكي القديم. ولكن في الواقع، الفرنسية كان لها وضع خاص لأن فرنسا لم تحتل مصر. كانت للغة أو الثقافة الفرنسية قيمة كبيرة، وما زاد من أهميتها أنها ثقافة ذات مكانة في مصر، على رغم أن مصر لم تُحكمها فرنسا يوماً. وللأسف كل هذا التميّز للثقافة الفرنسية حُطم وذاب جراء أزمة السويس. هل قرأت الكتّاب المصريين الفرنكوفونيين؟ - نعم طبعاً قرأت الكثيرين منهم. وأعتقد أن جوّهم يُشبه جوّي. هل تقرأ أدباء مصر اليوم؟ - نعم. ولكن بالفرنسية. عندما ألتقي بالكتّاب المصريين أُحادثهم بالعربية، لكنني أقرأهم بالفرنسية. عندما ألتقي جمال غيطاني وغيره من الكتّاب أتحاور معهم باللهجة المصرية. وأنا أقدّر الكثير من الكتّاب المصريين أمثال صنع الله إبراهيم وجمال غيطاني وإبراهيم عبدالمجيد وسواهم... ونجيب محفوظ، ماذا يعني لك؟ - نجيب محفوظ أقرأه طبعاً. لقد أسعفني الحظ خلال وجودي في مصر في مناسبة معرض الكتاب في القاهرة في التسعينات أن ألتقي نجيب محفوظ بعد أن أخذوني لزيارته، وسعدت كثيراً لملاقاته والتعرف اليه شخصياً قبل وفاته. وأنا أحب «مصرية» هذا الكاتب الذي لم يكن يبتعد البتة من بلده لأي سبب، حتى إنه لم يغادر ولم يسافر في حياته سوى مرات قليلة معدودة، ورفض السفر أيضاً بعد فوزه بجائزة نوبل لتسلّمها، فهو لا يقدر على الابتعاد من هواء مصر. والمفارقة الجميلة أن هذا الرجل كان دائماً ملتصقاً بالقاهرة وحاراتها القديمة ومقاهيها والذي كان لا يُفارق حارته التي يسكن فيها والمقهى الذي يكتب فيه. وعلى رغم وجوده في زمن كانت مصر منغلقة على ذاتها ومنطوية على نفسها، إلا أنه لم يكن يخاف أبداً من التأثيرات الخارجية، ولم يكن مع مبدأ الانطواء والانعزال عن الآخر. وهذه المعادلة الصعبة التي حققها محفوظ تُفرحني بل تُدهشني. كيف ترى موقع الأقباط اليوم في مصر؟ - سأخبرك أمراً حصل معي عندما كنت في الفندق. كنت غير قادر على الكتابة، ففتحت التلفاز وإذا بي أقع على محطة مصرية، فوجدت الممثل المصري الكبير عادل إمام، والى جانبه رجل دين مسيحي في مهرجان يدعو على ما أعتقد الى التعايش الإسلامي - المسيحي في مصر، وظل إمام على مدار ساعة أمام الجمهور المسلم والمسيحي الحاضر يتحدث عن ضرورة التعايش السلمي بين الجميع كأخوة، لأن ثمة وطناً جميلاً يجمعهم. واستطاع بخفة دمه المصرية أن يمرر رسائل يبدو المصريون اليوم في أمسّ الحاجة لأن يفهموها. وقد أحببت فيلمه «حسن ومرقص» وشعرت بأنني سعيد وفخور بهذه الصورة المضيئة لمصر، وهذه التي يجب أن تبقى عليها والتي أشعر انني أنتمي إليها. أما مصر «التقوقع» و «مقاطعة الآخر» و «الانطوائية» و «معاداة السامية» فلا أحبها ولا أنتمي إليها. هل قرأت نجيب محفوظ بالعربية؟ - أحياناً، لكنني أرتاح في القراءة بالفرنسية أكثر وفي مرات غير قليلة تظلم الترجمات النص الأصلي. ولكن قرأت أخيراً نصاً رائعاً لنجيب محفوظ وترجمة ممتازة لتوفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف»، وهي رائعة بالفرنسية لأن الترجمة نجحت في أن تنقل مصر بصورتها ولغتها وشعبها بحرفية عالية جداً. ومثلاً كتاب جمال غيطاني الأخير الصادر بالفرنسية كانت ترجمته رائعة وقريبة جداً من المناخ المصري الحقيقي. أنت من الكتّاب المترجمين بقوة الى العربية، هل اطلعت على تلك الترجمات؟ وما رأيك فيها؟ - نعم، إنني مترجم، وهناك ترجمات مقرصنة أيضاً، في بلاد الشام تمت ترجمات غير شرعية. ولكن في مصر الترجمات جيدة ومشروعة، وأحد كتبي انضم الى مكتبة الأسرة التي ترعاها السيدة الأولى سوزان مبارك، وهذا أسعدني طبعاً. ما هي اللغات التي أنصفت كتاباتك في الترجمة؟ - أحببت الترجمة الإنكليزية وكانت أمينة جداً ورائعة، وكذلك تُرجمت في كرواتيا ولا أعرف لماذا. اسم روايتك الجميلة «مزاج» «Mazag». هل قصدت بهذا العنوان «المزاج» بالمصرية؟ ولماذا هذا العنوان؟ - هو المزاج بالمصرية نعم، والفرح والنشوة، وثيمة هذا الكتاب هي سعادة العطاء، العطاء من دون مقابل، وفقط من أجل السعادة و «المزاج» كما يُقال في مصر. جذب هذا العنوان الأنظار وأثار جدلاً وطرح أسئلة على القراء وحتى على المترجمين. هذا ما حصل أيضاً مع رواية «طربوش»، وقد اتصل بي المترجم الإنكليزي قائلاً إن هذا العنوان أوجد مشكلة بالنسبة إليهم لأنه مصطلح عربي مصري فولكلوري بحت. هل يمكن القول إنك أنت «ميشال» بطل الرواية؟ - عندما قرأت والدتي الرواية تداخلت الأمور بعضها ببعض في ذاكرتها، وصارت غير قادرة على التفريق بين الواقع والخيال. الى أي مدى أنت واقعي في كتابتك؟ - أدخلت أموري الشخصية، على مستوى جذوري وعائلتي، الى البيئة الاجتماعية التي وُجدت فيها. نعم، انزلقت في التاريخ وارتأيت هذا النوع من الكتابة الروائية، وذهبت أكثر من ذلك واستخدمت «الأنا». كتبت كثيراً عن الوقائع التاريخية، خصوصاً عن فتوحات نابوليون. ولكن في النهاية الرواية عندي ليست تاريخاً مسروداً. وفي رأيي يجب أن يكون هناك فرق بين الرواية والتاريخ المسرود. أنا أُدخل شخصيات خيالية في التاريخ الواقعي، خصوصاً في «مزاج» التي غرقت كثيراً في التاريخ. ألا تجد فيك ناحية تجعلك مؤرخاً؟ - انتهيت أخيراً من تأليف كتاب تاريخي عن الحملة المصرية. وأنا لدي أكثر من مهنة، أنا صحافي في «لوموند» وروائي وتاريخي. التاريخ يُساعدني كثيراً في كتاباتي كصحافي وروائي. كتابات مختلفة إلا أنها ترتكز كلها على التاريخ. حملة نابوليون بونابرت على مصر كانت وما زالت مثاراً لجدل طويل لم ينته بعد... كيف تُفسر هذه المسألة من وجهة نظرك ككاتب فرنسي مهتم بالشأن المصري وتاريخه؟ - أقول إن هذه الحملة عبارة عن احتلال عسكري هدفها كان واضحاً ومعروفاً وهو «احتلال مصر». إذاً لحملة بونابرت هدف عسكري بحت برأيي. وهذه الحملة العسكرية جلبت معها نتائج إضافية تجلت في إعادة اكتشاف مصر. لكن القول إن بونابرت حمل معه الحضارة الى مصر من خلال حملته الشهيرة، فهذا كلام مغلوط لأن مصر كانت تتمتع أصلاً بحضارة كبيرة، وما بقي من الحملة هو اكتشاف مصر وفك بعض رموزها التاريخية. عندما أتى نابوليون الى مصر كانت البلاد تتمتع بحضارة كبيرة، إلا أنها كانت تمر في فترة ركود، جاء نابوليون وحثّها على الاستيقاظ من ركودها وأحياها وفتح الباب أمام محمد علي فحوّلها الى بلاد أكثر تطوراً وازدهاراً. ما جديدك روائياً؟ - أسعى الى إنهاء رواية جديدة أكتبها وستكون امتداداً ل «الطربوش». مملوكة. هل هي شخصية حقيقية أم انها ثمرة خيالك؟ - لا، إنها من الخيال، حتى أننا لسنا معتادين على كلمة «مملوكة»، وإنما أنا «نسوي» في أدبي إذا صح التعبير، لذا اخترت «مملوكة» شخصية رئيسة وحاملة لعنوان الرواية. ولكن يبدو أنها حقيقة من شدة الواقعية في وصفها؟ - ارتكزت كثيراً على الوثائق والكتب الخاصة بتلك الحقبة في مصر وأنجزت «مملوكة» بالكثير من الواقعية والصدق.