يواصل الإعلام الرياضي الابتعاد عن الرؤية الرياضية الجديدة وعن دوره الأساسي كأداة تثقيف وتوجيه، حتى باتت السيطرة فيه لأصوات تلهث وراء الجدل والإثارة على حساب المهنية والمسؤولية، ما أتاح مساحة للابتذال والتعصب، وأضر بوعي الجماهير ورسالة الإعلام السامية، بل وبصورة المجتمع الرياضي برمته. ما نراه اليوم من تسطيح من بعض "الدخلاء" على الإعلام الرياضي يعكس ضعفًا في التأهيل وغياب الرقيب الذي يضع معايير واضحة للطرح الرياضي، حتى أصبح الفضاء الإعلامي الرياضي ساحة للإثارة المبتذلة المسيئة للوعي ولكل ما هو سوي، حيث يتفنن البعض في جذب الانتباه بأي وسيلة، حتى لو كانت على حساب صورته كإنسان لديه عائلة ومجتمع، ناهيك عن احترام المتلقي. ولم تعد النقاشات التي تُدار في البرامج والمساحات الرياضية تناقش القضايا بعمق واحترافية، بل غدت مسرحًا للصراخ والاتهامات والتهريج أحيانًا، وكأن الهدف ليس تطوير الرياضة أو إثراء ثقافة المشجع وتوجيه انتمائه التوجيه الصحيح، بل زيادة نسب المشاهدة وعدد المتابعين مهما بلغ حد الابتذال. ولم يتوقف تأثير هذا الانفلات الإعلامي عند حدود البرامج والمنصات الرياضية، بل تجاوزها ليصل إلى عمق الحياة اليومية، حيث أصبحت الحوارات الرياضية داخل العائلات والمجالس مشحونة بالتعصب، ولم تعد النقاشات تدور حول الأداء الرياضي أو الاستمتاع بالمنافسة، بل انزلقت إلى مسارات تتسم بالتطاول والبذاءة، متأثرة بالشحن المستمر الذي تغذيه هذه المنصات. والأسوأ أن هذا التعصب الذي تغذيه هذه المنصات وصل إلى حد أن التشكيك في نزاهة الأشخاص أو اتهامهم بالفساد بات يُعامل وكأنه رأي عابر لا يستحق المحاسبة، مما يعكس تراجعًا خطيرًا في إدراك المسؤولية القانونية والأخلاقية لدى بعض الجماهير، بل وحتى بعض ضيوفهم. إن غياب الرقابة والمسؤولية الأخلاقية لدى بعض المنصات الإعلامية أتاح المجال لتصدر "طفيليات" لا تحمل فكرًا أو رؤية، وُجدت لتقتات على الفوضى وإذكاء التعصب، والتناحر بين الجماهير، وبسببها ابتعد الكثير من العقلاء عن إعلان انتمائهم الرياضي، وبات من الحصافة أن يختار المرء الابتعاد معهم عن المشاركة في مثل هذه النقاشات أو المنصات التي تفتقر لأبسط معايير المصداقية والمهنية؛ فالنأي بالنفس واعتزال هذا المستوى من الطرح والتعصب يعكس وعي الصحفي الحقيقي واحترامه لذاته. الإعلام الرياضي اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في معاييره وضوابطه، وتبني برامج تدريبية متخصصة تستهدف تأهيل وإجازة الكفاءات الإعلامية الحقيقية، خصوصًا أصحاب القرار في هذه المنصات، بالإضافة إلى رقابة صارمة تُقيم المحتوى الإعلامي وتُحاسب على التجاوزات، كي يمارس دوره الحقيقي كأداة تثقيف وتنوير تُساهم في تطوير الرياضة وتعزيز حضورها الراقي، بدلاً من أن يكون أداة لتأجيج التعصب والتسويق المبتذل.