تفشت ظاهرة التعصب الرياضي حتى غدت سلاحا لإقصاء آراء الآخرين والاعتداء عليهم لفظيا وجسديا، بشكل ينذر بقتل الروح الرياضية وتقبل الآخر، وحدت بالمفهوم الرياضي بعيدا عن الترفيه والتسلية وتقبل الأمور بمرونة ليحل مكانها الشحن والبغضاء والكره والعنصرية.. وأجمع عدد من المختصين على تحمل الإعلام النصيب الأكبر من المسؤولية نظرا لبثها بعض الآراء التعصبية من خلال بعض النقاد الذين لا يرتقون لمستوى النقد الهادف، محملين جزءا من المسؤولية لاتحاد كرة القدم لضعف العقوبات التي تفرض في مثل هذه الحالات للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت سمة مشجعي كرة القدم، مطالبين بزيادة الوعي الثقافي بين الجماهير وأهمية التعريف بمفهوم الرياضة.. في البداية ذكر عبدالله الزهراني أن سبب هذه الظاهرة بعض الإعلاميين حين يمدح فريقه بشكل كبير ويشكك ويجهض إنجازات الأندية الأخرى، بدلا من التوعية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة والسيئة التي انتشرت بشكل ملحوظ بين الجماهير، مبينا أن البعض يحاول تقليد أقربائه وأصدقائه حينما يرى التعصب في هؤلاء الأشخاص، كما أن بعض الآباء يزرعون هذا التعصب في نفوس أبنائهم بإجبارهم على تشجيع النادي الذي يفضلونه أو شتم الأندية المنافسة ونبذ لاعبها بألفاظ سيئة وعنصرية، ناصحا كل مشجع بعدم التعصب والانحياز التام لفريقه في كل شيء حيث هذه الرياضة تقوم على الروح الرياضية سواء في الهزيمة أو الانتصار، لأن التعصب يصل في الأخير إلى المشادات في الكلام وتنتهي بالتشابك بين الطرفين. كما وجه عبدالرحمن المالكي أصابع الاتهام للإعلام الرياضي في تفشي التعصب بشكل ملحوظ بتضخيمه للأمور بدلا من تداركها والالتفات للقضايا المهمة والكبيرة، حيث نجد البعض يضخم أمورا صغيرة تنتج في النهاية التعصب والكره بين الجماهير السعودية، وعندما يرى الشخص التعصب من بعض الجماهير في المدرجات يحاول تقليدهم وتزداد حماسته لاستفزاز الجماهير الأخرى كما يستفزونه، ولو ننظر بحكمة للتعصب الرياضي نجد أنه هدر للوقت والصحة بما لا يعود للشخص أي منفعة تجعله يقوم بذلك. وأوضح سلطان حسن أن ظاهرة التعصب تقود إلى تفكك المجتمع وتجعل المتعصب يعامل الآخرين وفق مقولة (إن لم تكن معي فأنت ضدي)، فالمجتمع يرفض هذه الظاهرة الخطيرة عليهم وعلى شبابهم ولا مانع من التنافس الذي لا يتخلله التعصب والكره والحقد بين الأشخاص، وأقترح لنتفادى التعصب الرياضي دمج الخصوم وجعلها مجرد لعبة قائمة على الأخلاق الحميدة والروح الرياضية على أرض الملعب وخارجه، وإعطاء اللاعبين والجماهير ندوات توعوية عن هذه الظاهرة السيئة، حيث نرى ازدياد هذه الظاهرة يوما بعد يوم وأسبابها تعود للمبالغة في الانتماء والنقاش الحاد بين الجماهير والانتقاص من الفرق الأخرى، متأملا من الإعلام توعية المجتمع بجميع فئاته قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه. وبين عمر الجعيد أن التعصب الرياضي ظاهرة سيئة وتعتبر من الظواهر الدخيلة على المجتمع حيث تمثل الشخص المتعصب لفريقه بصورة سيئة وغير حضارية، ويجب علينا بجميع الطرق أن نتفادى هذه العلة ونسير نحو الإيجابية بطريقة تشجيعنا للفرق، متمنيا من جميع المشجعين الابتعاد عن التعصب والتحلي بالعقلانية لأن المشجع يمثل فريقه ولا يريد أي مشجع أن يمثل فريقه بالصورة السيئة المنافية للأخلاق الرياضية. وقال ساري جمعان: التعصب الرياضي ظاهرة سيئة في الكرة السعودية وعلى الجماهير توعية المتعصبين منهم، كما للإعلام دور مهم في تثقيف الأشخاص المتعصبين عن طريق توزيع النشرات في المباريات التي توعي الجمهور وتبعدهم عن طريق التعصب، كما يجب على مشجعي كرة القدم السعودية الابتعاد عن التعصب والسير على مبدأ كرة القدم وهي زرع المحبة والألفة بين اللاعبين والجماهير. وبين فهد الزهراني أن التعصب انتشر بشكل كبير بين المجتمع السعودي وأخذ منحنى خطيرا لدرجة افتعال المشاكل بين الأقارب والأصدقاء بسبب كرة القدم، وطالب المشجعين بالابتعاد عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تسبب البغض والشحناء ونشر العداوة بين الأشخاص ويجب المبادرة إلى العمل الجاد للحد من مظاهر التعصب الرياضي. وقال صفوان فهيد «من أمن العقوبة أساء الأدب والتعصب الرياضي هو الإفراط في إظهار حب الشخص للنادي أو شدة الانتماء له في نقاط محددة، كتضليل نتيجة أو لعدم احترام الآراء المعاكسة لناديه، وهو وصل في الآونة الأخيرة إلى مراحله المستعصية ومنها التمييز العرقي أو التشكيك في أمانة مسؤول رياضي»، وتابع «بعض البرامج الرياضية تستعين بنقاد رياضيين معروفين وذي خبرة كروية من داخل الملعب، لكن وبشكل واضح نجد الإهانات والأخطاء اللفظية والنفاق غير المبرر فقط لمصلحة ناد معين، وهذا أخطر أنواع التعصب الذي يذهب تأثيره للمشاهد». وقال مدرب فريق كرة القدم للناشئين يامن عطار: الحديث عن التعصب الرياضي يطول خاصة في اللعبة الشعبية الأولى وهي كرة القدم، وعندما نتحدث عن المشكلة يجب أن نبدأ الحديث عنها من جذورها وهي أعمدة المشكلة وهي في نفس الوقت الأعمدة الرئيسية في كرة القدم السعودية، وهم إدارة الاتحاد والأندية والجمهور والإعلام وقبل أن نبدأ الحديث عنهم سنعرف معنى التعصب، وهو شيء مستحسن ومطلوب في أي لعبة رياضية وخاصة كرة القدم، المساند المتعصب هو الذي يحضر لمشاهدة مباريات فريقه ويشتري جميع متعلقات النادي وهو من الأسباب الرئيسية لربح أي ناد، ونفهم من كل ما سبق أن المساند يعشق ناديه بجنون ومستعد أن يدفع من وقته ومن ماله من أجل هذا النادي، ويتم التفريق بين المشجع والمساند بأن الأخير يزيد من ربح النادي أما المشجع يكتفي بمشاهدة الفريق عبر الشاشات المرئية، أما التعصب السلبي فهو أن تكره النادي المنافس أكثر من حبك لفريقك وهذا ما نريد أن نتجنبه في مجتمعنا»، ويرى العطار أن ما يؤجج هذه الظاهرة هي تصرفات المسؤولين من هذه الرياضة، ونبدأ بإدراة الاتحاد التي تصدر القوانين ولا يتم تطبيقها وإذا طبقت تطبق بشكل رخو تشجع من عوقب أن يفعل ما فعل مرة أخرى، والآخرون يسعون لفعل نفس الخطأ وأحيانا من باب التفاخر وإذا كانت لجنة الانضباط تريد تطبيق عقوبة على رئيس ناد لا تفكر بعقوبة مالية، فهي أسهل شيء بالنسبة لرئيس النادي فتتم معاقبة النادي ككل مثل خصم النقاط وغيرها من العقوبات القاسية التي تتم بشكل تدريجي، أما بالنسبة للجمهور إذا تلفظ بقول أو فعل أقسى عقاب للجمهور أن لا يحضر مباريات فريقه لمدة خمس مباريات أو أكثر ثم يأتي بعدها خصم النقاط، ولن يحترم أحد الإدارة إلا إذا طبقت القوانين وعلى الكل وبشكل صارم وحاسم، أما بالنسبة للإعلام الرياضي فمشكلته أنه يتكلم عن ما يحدث خارج الملعب أكثر من الحديث على ما يحدث داخله، والعلة في ذلك لأنهم لا يمتلكون محللين لهم دراية عن لعبة كرة القدم ولكن يعرفون ما يحدث داخل النادي من أحاديث جانبية التي لا تفيد إلا بعض الفضوليين من المشجعين، ولكن إذا أردت بعض الإثارة في برنامجك الحواري فممكن أن أتفهمه لكن لا يكون هذا هو جوهر البرنامج، في كل البرامج العالمية الحديث عن ما يحدث داخل الملعب أكثر وبعدها أخبار انتقالات اللاعبين وبشكل مقنن وبعض الإثارة التي لا أفضلها لكن للأسف فهي محبوبة بالنسبة لبعض الجماهير، وإذا أردت متابعة أخبار نجوم كرة القدم بشكل موسع وما يحدث في حياتهم الخاصة فهناك الصحافة الورقية والإلكترونية والصفراء تغطي ذلك لأن الفرق بينهما كبير، كون البرامج التلفزيونية تدخل البيوت وعندما يتحول مقدمو البرامج والمحللون إلى مشجعين في تصرفاتهم وعلى الهواء مباشرة ماذا تريد من المشجع أن يفعل؟ إذن من يغذي مشاعر الجمهور من الإعلام سلبية ومن رئيس النادي عندما يخذل النادي والجمهور بقراراته الخاطئة ثم يضع اللوم في حديثه على الفرق المنافسة والإعلام وأحيانا جمهوره إذا لزم الأمر، وتابع «القرارات الرخوة من الاتحاد السعودي هي من الأسباب الرئيسية لتغذية التعصب، كلنا مشاركون في زرع التعصب في مجتمعنا والجمهور ليس إلا متلق لكل تصرفات المسؤولون عن هذه الرياضة». ويرى المستشار والمعالج النفسي الأكلينكي الدكتور وليد الزهراني أن التعصب الرياضي هو الإفراط والمبالغة في حب لاعب أو فريق معين في لعبة معينة بصورة تتغلب فيها العاطفة على العقل، بسبب قلة الوعي الرياضي وعدم الإلمام الكافي بالمعاني الحقيقية للتنافس الرياضي الشريف وعدم تقبل الهزيمة أو الخسارة، والأنانية والتي لاتقبل استقبال النقد أو الاستماع لوجهات نظر الآخرين، التأثر السريع بالإعلام غير الهادف من خلال أعمدة الكتاب المتعصبين، وبين الزهراني طرق الوقاية من هذا الداء هي تحكيم العقل عند الإقدام على أي تصرف، معرفة المعاني الحقيقية للتنافس الرياضي الشريف وأن الرياضة ربح وخسارة، والإيمان الكامل بأن الرياضة وسيلة لإسعاد الناس وليس لزرع الأحقاد بينهم، بالإضافة إلى الإدراك أن الرياضة وسيلة لتكوين العلاقات المتينة بين الرياضيين مما يحقق الأهداف النبيلة للتنافس الرياضي الشريف، كما يجب أن يعرف الشخص المتعصب لفريق أو لاعب معين أن هناك أمورا في الحياة أهم من الرياضة لابد أن يضعها في عين الاعتبار.