قرارات الحرب تتطلب حكمة فائقة واستراتيجية واقعية؛ فهي ليست مجرد مواجهات عسكرية، بل اختبار لقدرة القيادات على الموازنة وتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية دون تدمير مقدرات الشعوب بالعنتريات والبطولات الفارغة، وذلك لأن المسؤولية تجاه الأمة تفرض بداهةً على القادة التفكير في مستقبل شعوبهم أولاً، والسعي إلى تجنب النزاعات التي قد تؤدي إلى تدمير الاقتصاد، والبنية التحتية، وحياة المدنيين؛ وهي البدهية المفقودة للأسف لدى قادة دول وتنظيمات تمتهن المعارك والحروب الخاسرة منذ عشرات السنين، دون أي جدوى سياسية أو عسكرية؛ فقط الآلاف من الضحايا والمزيد من الخسائر السياسية والعسكرية والاستراتيجية أيضًا. وعلى الرغم من تكرار النكسات، تواصل هذه التنظيمات تجاهل هذه الحقيقة في خضم سعيها لتثبيت شرعيتها على حساب مصالح الأمة، ولو تساءلنا عن السبب في أن هذه التنظيمات تواصل خوض حروب ومغامرات معروفة النتائج مسبقًا، فالنتيجة بلا شك أنهم مجرد وكلاء لا يملكون قرارهم، أو أنهم لا يرون أنفسهم إلا كتجار حروب تهددهم فكرة السلام والبناء؛ وتدفعهم أنانية البقاء مهما كلفهم ذلك من خسائر بشرية ومادية. ومعروف أن هذه الاستراتيجية الأنانية قد تحقق بعض المكاسب الوقتية، لكنها تحمل في طياتها نتائج كارثية تفاقم معاناة الشعوب المغلوبة على أمرها، الشعوب التي تدفع الثمن الأكبر، في ظل تجاهلهم المتعمد للبدائل الممكنة، خصوصًا تلك الدبلوماسية التي، رغم تعقيدها، أثبتت في حالة مثل القضية الفلسطينية أنها خيار أكثر حكمة وفعالية في تحقيق الأهداف الوطنية دون تدمير أو خسائر، ومثال ذلك بلا شك ما حدث بالأمس القريب عندما حصلت فلسطين على مقعد رسمي في الأممالمتحدة، نتيجة جهد دبلوماسي عربي وإسلامي كبير، وليس نتيجة صواريخ التنك والعمليات الانتحارية، حيث فازت القضية الفلسطينية نتيجة التحرك على الساحة الدولية، واستخدام القوة الناعمة في التأثير على الرأي العام الدولي، الذي يمكن أن يكون له دور أكبر في تحريك موازين القوى لصالح الشعوب المغلوبة مهما حاول النظام الدولي التغاضي أو التخاذل. لذلك، فإنه بدلاً من المغامرات العبثية، يجب أن تكون الأولوية للحفاظ على حياة المدنيين وتحقيق استقرار سياسي؛ لأن النصر في الحرب لا يقاس بعدد الصواريخ التي أُطلقت أو عدد الجنود الذين قُتلوا، بل يقاس بمدى تحقيق أهداف استراتيجية واضحة تحقق الأمن والاستقرار للشعوب، وهنا تأتي الحكمة المفقودة للأسف، والتي تتطلب من القادة اتخاذ قرارات شجاعة عندما تكون الكلفة أكبر من المكاسب. إدارة الحرب تحتاج مسؤولية عالية تجاه الشعوب، وتجنب الانزلاق إلى مواجهات خاسرة لا تحقق سوى المزيد من الخراب، ولا تفضي إلا إلى دمار أكبر ومعاناة مستمرة، والقيادة الوطنية هي تلك التي تسعى لتحقيق الاستقرار والرفاهية لشعوبها، وليست تلك التي تواصل إغراقهم في دوامة لا نهائية من الحروب العبثية.