اصبح من الواضح بعد تسعة ايام على اندلاع الحرب الاسرائيلية ضد لبنان، انه يصعب على اسرائيل ان تخرج منتصرة من هذه الحرب. اذ وصلت الحرب الى ذروتها من دون تحقيق الاهداف الاسرائيلية. فليس هناك ما يشير الى قرب انهيار حزب الله والى اصابة قيادته واجهزته السياسية والادارية والاعلامية اصابات موجعة، او الى تراجع قدرته العسكرية، ولم تظهر بوادر على كسر إرادته بما يوحي بقرب او امكان استسلامه للشروط الاسرائيلية. اذاً، على الارجح، لن يخرج حزب الله مهزوماً في هذه الحرب. ومن الصعب كذلك ان يخرج حزب الله منتصراً في هذه الحرب، فعدم تحقيق اسرائيل لاهدافها لا يعني انها لم تحقق اي شيء، فاسرائيل في هذه الحرب، حققت حتى الآن هدفاً واحداً هو اعطاء رسالة للمقاومة اللبنانية، ولكل المقاومة ضدها، مفادها ان مواجهة اسرائيل عسكريا لا تزال لعبة خطرة جداً، ومن يقدم عليها يدفع ثمناً غالياً جداً. وهذا امر يجب ان تتوقف عنده المقاومة اللبنانية، وكل مقاومة لاسرائيل، لانه يضعها امام تحدٍ مصيري يتوقف على كيفية التعامل معه، فيما اذا كانت المقاومة ستتقدم الى الامام او ستتراجع باطراد. المقاومة مطالبة بحل مسألة العمل على توفير مقومات الاستمرار والتعاظم بحيث تستطيع تكبيد خسائر أكبر لاسرائيل عند اية مواجهة قادمة كشرط لحدوث المواجهة. رغم كل ما تقدم، فإن حزب الله اذا خرج من هذه الحرب، بصيغة لا غالب ولا مغلوب، سيبقى مرفوع الرأس، ويحق له بأن يفخر بصموده ومقاومته الباسلة، وذلك يمكن ان يعطيه زخماً وقوة في الفترة القادمة تعوضانه عن الخسائر التي لحقت به في هذه الحرب، بما فيها واولها، تدمير لبنان. استطاع هذا الحزب ان يصمد حتى الآن، وان يستوعب الصدمة، ويحافظ على قدرته على المبادرة، وعلى ضرب اسرائيل في العمق، فوصلت صواريخه وتصل كل يوم الى حيفا وما بعد حيفا. واستطاع تحقيق مفاجآت اخرى مثل ضرب بارجة اسرائيلية تعتبر درة البحرية الاسرائيلية الامر الذي ابعد الزوارق الحربية عشرات الكيلومترات عن مواقعها السابقة، واستطاع تكبيد القوات البرية الاسرائيلية خسائر ملموسة في كل مرة، وفي كل محور، حاولت فيه التقدم في الاراضي اللبنانية. هذه الخسائر تدفع الجدل في داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية حول الحرب البرية الى اقصاه، الامر الذي قد يحول دون الامعان فيها. ومن دون تقدم ملموس برّأً لا يمكن ان تحقق اسرائيل اياً من اهدافها الرئيسية، فالطائرات والمدفعية والزوارق تزرع، وتحقق الارض المحروقة، والقوات البرية تحصد. من دون ان يستطيع حزب الله تكبيد اسرائيل خسائر بشرية أكبر تتناسب، ولو بنسبة 5:1، مع الخسائر البشرية اللبنانية، ومن دون ان يواصل صموده ويتحمل تكاليف اطالة الحرب مع المحافظة على مقدرته على الرد، وبما يؤدي الى مضاعفة الخسائر الاقتصادية الاسرائيلية، وتآكل قوة الردع الاسرائيلية أكثر وأكثر، لا يمكن ان ينتصر بكل معنى الكلمة. ما حققه هذا الحزب معنوياً واستراتيجياً قد يحمل معنى الانتصار إلا أن الانتصار الحقيقي لا يكمن فقط في عدم تحقيق اسرائيل لاهدافها من الحرب، وانما بقدرة المقاومة على تحقيق اهدافها باطلاق سراح الاسرى، ودحر اسرائيل من مزارع شبعا، ووقف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، والاحتفاظ بخيار المقاومة وسلاحها وقدرتها على الحركة. الى ان يتحقق كل ما تقدم فإن الاهمية الاستراتيجية لما حققه حزب الله يجب ألا تطمس ان نقطة الضعف الكبيرة التي رافقته منذ بداية الحرب، ولا تزال رغم بوادر تراجعها، ان اسرائيل تخوض هذه الحرب بقرار دولي وغطاء اقليمي، وهذا الامر لا يحدث فقط لأن العالم ظالم وخاضع للارادة الاميركية فحسب، وانما يرجع حسب معظم المراقبين الى ان عملية"الوعد الصادق"النوعية والجريئة لم تكن موفقة لجهة الحسابات، لا من حيث الزمان فهي حدثت في مرحلة هدوء وفي ظل الحوار اللبناني الذي على اجندته ملف سلاح المقاومة، وفي مرحلة تقود اسرائيل فيها قيادة جديدة يتزعمها رئيس وزراء ووزير دفاع مدنيان وهذا يحدث للمرة الاولى في اسرائيل، ما جعلهما خاضعين للمؤسسة العسكرية لاثبات انهما قويان ومستعدان للمغامرات العسكرية حتى آخر مدى. وتوقيت العملية بعد فشل المباحثات الايرانية - الدولية على الملف النووي اعطاها ابعاداً اقليمية، خصوصاً في ظل حاجة الولاياتالمتحدة الاميركية لنصر في لبنان يعوض عن خسارتها المحتملة في العراق، ولتوجيه رسالة لايران وسورية عبر ضرب حزب الله حليفهما على الساحة اللبنانية، ولا من حيث المكان لأن موقع عملية"الوعد الصادق"خارج الخط الازرق، في مرحلة اعتبر العالم ان اسرائيل انسحبت من لبنان، وما تبقى هو مجرد تفاصيل قابلة للحل عبر التفاوض ما لا يعطي المقاومة مشروعية لاستمرار عملياتها العسكرية. لو سلمنا جدلاً بأن حزب الله اخطأ في توقيت عملية"الوعد الصادق"، وفي اختيار مكانها، وبأن السعي الى اخراج ثلاثة اسرى على اهميتهم وقيمة ذلك السياسية والاخلاقية لا يبرر تدمير لبنان، ولو سلمنا جدلاً بأن حزب الله يخوض الحرب بالوكالة لا بالاصالة، وذلك لحرف الانظار عن التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري خدمة لسورية، ولحرف الانظار بذلك عن الملف النووي الايراني، فهذا لا يبرر لاسرائيل ومن يدعمها، ولا يعطيهم الحق لشن حرب شاملة على لبنان، كان وقودها الاساسي من المدنيين اللبنانيين والبنية التحتية اللبنانية، فأكثر من 110 من الشهداء الذين بلغوا حتى كتابة هذه السطور أكثر من 330 شهيدا هم من الاطفال، وغالبية الضحايا الساحقة من المدنيين. لقد اعترفت تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل بأن هذه الحرب ليست مجرد رد على حادثة وانما محاولة لمعالجة التهديد الذي يمثله حزب الله على اسرائيل. اذاً هي"حرب وقائية"معدة ومخطط لها سلفاً، وما عملية حزب الله سوى ذريعة لا أكثر. رغم ذلك على المقاومة في لبنان وفلسطين ان تضع مقاومتها في مشروع متكامل وضمن تصور استراتيجي يجعل المقاومة خاضعة من حيث الزمان والمكان والشكل للأهداف السياسية والمصلحة الوطنية. فالمقاومة ليست مجرد عمل وطني وانما هي عمل سياسي بوسائل عنيفة، وعمل يجب ان يكون مدروساً علمياً، بحيث لا ينفع أن نقول إن العملية نفذت عندما اصبح ممكناً تنفيذها من ناحية تقنية، لانها امكن تنفيذها في هذا الوقت بغض النظر عن الظروف والابعاد والمضاعفات، فالمقاومة مطالبة بعدم اعطاء ذرائع لاسرائيل، واختيار التوقيت المناسب والهدف المناسب والمكان المناسب. وحتى لا نظلم حزب الله، والمقاومة نشير الى ان هناك ما يكفي من الدلائل ما يرجح ان المقاومة لم تكن تتوقع ان ترد اسرائيل على عملية تهدف لاطلاق سراح الاسرى بحرب شاملة. فالمقاومة استهدفت موقعاً عسكرياً. وتوقعت ان يأتي الرد عسكرياً، ويكون أكبر من العملية مرة او مرتين لا ان يأتي حرباً لتدمير لبنان. خطأ التقدير يحمل المقاومة جزءاً بسيطاً من المسؤولية. اما المسؤولية الاساسية فتتحملها اسرائيل. وخطأ التقدير نابع على ما يبدو من توقع ان انشغال اسرائيل في حرب ضد الفلسطينيين لن يجعلها تسارع الى فتح جبهة ثانية، وغرق الولاياتالمتحدة الاميركية في المستنقع العراقي، لا يدفعها لتشجيع اسرائيل على شن حرب على لبنان. ولكن الخطأ قد وقع، وغلطة الشاطر بألف كما يقال. أكرر ان خطأ الحسابات لا يحمل مسؤولية هذه الحرب لحزب الله وحده، بل ان اسرائيل تتحمل المسؤولية الاكبر لأنها لا تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية. ولا تزال تحتفظ بالاسرى اللبنانيين، بل انها خرقت الحدود البرية والبحرية والجوية اللبنانية أكثر من 2400 مرة منذ هزيمتها وانسحابها من لبنان في ايار مايو عام 2000. كما ان اسرائيل تحاول التخريب في لبنان عبر اقامة شبكات العملاء التي ضبط بعضها واعترف افرادها باغتيالات وتخطيط لاغتيالات تنفيذاً لأوامر اسرائيلية. فليس من العبث إبقاء مزارع شبعا محتلة وإبقاء ثلاثة اسرى لبنانيين في الاسر. هذه النقاط كانت بمثابة مسمار جحا الذي تستخدمه اسرائيل لابقاء الجبهة اللبنانية مشتعلة وقابلة للاشتعال. تأسيساً على ما سبق، على العرب ان يتحملوا المسؤولية بمشروع عربي يحفظ الحقوق والمصالح العربية، ويدافع عنها في لبنان وفلسطين والعراق وفي أي بلد عربي ويكون قادراً على سد الفراغ في الشرق الاوسط، والذي تحاول ايران ان تملأه، حتى لا تخضع المنطقة برمتها للهيمنة الاميركية - الاسرائيلية. فلا يمكن وقف مساعي ايران لأخذ حصة كبيرة من المنطقة إلا بمثل هذا المشروع. أما السياسات الاميركية والاسرائيلية فهي اصل الداء والبلاء ولا يمكن الركون اليها. * كاتب ومحلل سياسي فلسطيني، رام الله.