لا نزال مع الصحافي والدبلوماسي البريطاني جورج بيلينكن أثناء قدومه ضمن وفد دبلوماسي رفيع وصل للرياض عام 1947م قادما من الطائف مرورا بجدة وقبلها جمهورية مصر العربية ووصفه لمأدبة العشاء الكبيرة التي أقامها جلالة الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- كما وصفها في الحلقة الماضية والتي أعقبها بوصف طقوس ما بعد العشاء في قوله: كنت ممتنا في البداية إنهم ساعدوني على فهم الطقوس المتعلقة بغسل اليدين بعد الأكل فقد تقدم عدد من الخدم نحو الملك يحمل كل واحد منهم إبريقاً فضيا وطاسة وقطعة صابون معطرة ومنشفة جديدة.. تمضمض الملك وغسل يديه ووجهه وفعلت الشيء نفسه حتى قال: يمكن للذين يريدون التظاهر بإعجابهم بأساليب اللياقة الاعتبارية لحضارة عظيمة أن يقلدوا هذه العادة والشيء الوحيد الذي أود أن أضيفه إلى هذه العادة هو توفير فرش أسنان متواضعة يمكن التخلص منها بعد الاستعمال بعد ذلك وحسب وصف بيلينكن فقد تقدم الملك الضيوف إلى مجلس مجاور حيث جلس على مقعد طويل على يسار جلالة الملك وجلس قبالتهم أقارب الملك وأنجاله الوسيمين كما قال وجلس المترجم الشاب عبدالعزيز على الأرض متربعا قبالة الملك. نظر الملك خلسة إلى صباب القهوة فغادر حالاً وعاد مع مجموعة من زملائه الذين تقدموا برشاقة وصمت فوق السجاد الفاخر وبادروا بتعطير الضيوف بماء الورد بعد ذلك أحضروا بخور العود الفاخر في المباخر وراقب الضيف البريطاني مضيفه وقلده حينما مد يديه المعطرتين بماء الورد وجففهما فوق دخان البخور المتصاعد من المبخرة ثم أحضرت بعدها القهوة وقدمت في فناجين صغيرة كانت قهوة مرة خالية من السكر والحليب وقدم الشاي بدون حليب في كؤوس صغيرة تشبه قناني المربى الصغيرة كما وصفها والتي كانت موجودة في إنجلترا ثم اختفت قبل حرب هتلر وعندما أبدا أوروبي آخر هو السير كيين إعجابه بعطر ماء الورد طلب الملك في الحال من أحد أنجاله الصغار أن يذهب ويحضر بعض زجاجات العطر التي ستكون تذكارا يحملها الضيوف معهم بمناسبة زيارتهم للرياض ولأن بيلينكن كما يقول لم يتحدث أو يشارك في نقاش العطر ولم يعلق على ملحوظات الملك المترجمة المتعلقة بالاستعمالات الخاصة للعطر كما قال لم يحصل على زجاجة عطر إلا أن حافظ وهبة والذي كان متنبها لذلك وعده بأنه سوف يعوضه قائلا: لدي الكثير من العطور سأقدم لك بعضا منها وهنا علق بيلينكن قائلا: وما زلت في سنه 1949 بعد سنتين انتظر وفاءه بوعده. يعود بعد ذلك إلى وصف بقية جلسة ما بعد العشاء قائلا: سألت المترجم عبدالعزيز حينما صارت الأحاديث أقل جدية عن النصيحة أو الحكمة التي يحرص الملك أن يقدمها لأنجاله الصغار وكانت إجابة الملك سريعة وبدون تردد: أنصحهم بالزواج في سن 15 سنة لأن ذلك حماية لهم وفيه فائدة لهم. مؤكدا أن الملك وحاشيته استمتعوا جميعا بالجلسة وبالتعليقات والملحوظات المتعلقة بالزواج وتعدد الزوجات حينما التفت ابن سعود كما يقول فجأة إلى الشيخ حافظ وسأله كم عدد زوجات الملك سليمان فأجاب خريج الازهر إجابة أبهجت الجميع حين قال ألف زوجه. يذكر بعد ذلك بأنهم ودعوا جلالة الملك بعد أن تلقى الضيوف الذين سيغادرون المملكة صباح الغد هداياهم الملكية وقد سار بعض الضيوف ومن ضمنهم الكاتب مع ولي العهد الملك سعود -رحمه الله- إلى دكة مفتوحة لمشاهدة عدد من الأفلام إلا أن آلة العرض ولحسن الحظ كما يقول لم تعمل فاستمتعوا بدلا من ذلك بالأحاديث والقهوة والشاي وكان ممتنا لهذه الفرصة التي تعلم خلالها الكثير من تاريخ هذا البلد. عاد أخيرا إلى قصر الضيافة في البديعة وصعد إلى السطح.. كانت قطرات المطر السحرية المحببة تتساقط شعرا معها بالنعاس قبل منتصف الليل ونزل مسرعا إلى غرفة نومه غير أن النوم كان عصيا فقد اجتمع عليه كما قال نبح الكلاب مع أزيز آلات الري المزعجة. قصر المربع قصر البديعة المقر الصيفي للملك عبدالعزيز سعود المطيري