حين وصول الوفد الدبلوماسي الذي يرافقه الرحالة والصحافي الإنجليزي جورج بيلينكن لمدينة الطائف سنة 1947م توجهوا إلى ديوان نائب جلالة الملك عبدالعزيز بالحجاز الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز، وفي البداية استقبلوا في أحد مجالس الاستقبال الواسعة ذي الديكورات الرائعة والمطلية جدرانه باللون الأخضر والمفروش بسجاد فاخر ومقاعد محاذية للجدران مقصبة ومطرزة بخيوط حريرية وكان حشوها قطنيا سميكا بأغطية حريرية تنساب حتى تلامس السجاد الأعجمي الفاخر، وكانت أصوات السعوديين الهامسة كما وصفها قد أضفت على المناسبة جللا حينما رحبوا ببعضهم ثم رحبوا بالضيوف وزاد المناسبة وقارا مشي الخدم على رؤوس أقدامهم إضافة إلى الأوامر الهادئة التي يوجهها المسؤولون في الديوان الملكي للخدم والتشاور حول برنامج الضيوف وفي هذه الأثناء سمعوا رنين هاتف الأريكسون الأنيق الذي رد عليه الشيخ إبراهيم السليمان يدعوهم إلى مجلس الأمير فيصل بن عبدالعزيز، حيث نقلتهم السيارات الفخمة الجديدة ولحظة وصولهم استقبلهم ضباط الحرس بالتحية واصطف الجنود ببنادقهم وثيابهم العربية الأنيقة، كما وصفها ضمن كتابه يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض (أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز) بينما انتصب رجال الحاشية الملكية على الجانبين ووقف الأمير فيصل في صدر المجلس مرحبا ومبتسما أثناء مصافحته للزوار كان وجهه اليقظ حسب بيلينكن والمفعم بالحيوية مدببا بشكل واضح أراد أن يشعرهم بالارتياح. وكان الأثاث في المجلس شبيها بأثاث قصر الضيافة إلا أن الجدران هنا يعلوها سجاد معلق فاخر وفي أثناء تبادل الأحاديث الودية وقف رجلان في نهاية المجلس قابضين على سيفين فضيين فريدين مغمدة في جوارب فضية ووقف خلفهما رجال بملامح جذابة قاماتهم طويلة ونحيلة يرتدون غترا وعقلا مقصبة شبيهة بما يلبسه الأمير وكان الأمير فيصل يعتمر عقالا مقصبا يتكون من أربع دوائر ذهبية ويختلف عن عقال أخيه منصور وزير الدفاع السعودي والبالغ من العمر 28 عاما والذي كان عقاله يتكون من دائرتين مذهبتين. بعد مراسم القهوة التقليدية التي شربوها ووصف فناجيلها بأنها صغيرة دون مقابض وحجمها بوصة ونصف ولا يزيد مقدار القهوة المسكوبة فيها على ملعقة شاي. أشار الأمير إلى الباب الوحيد المؤدي إلى حديقة مضاءة بمصابيح لا حصر لها معلقة على الأشجار والممر الصخري الذي تحفه ورود وأزهار من مختلف الأنواع، وكان الأمير منشرحا، ومشى كما قال برشاقة معهودة من السعوديين ذوي القامات الطويلة، وتجلت في تلك اللحظة أخلاق الكبار المنحدرين من عائلات عريقة. حينما نادى الأمير فيصل على الشيخ حافظ وهبة قائلاً -باحترام وتقدير: تفضل يا والدي وأخبرهم أين يجلسون، فاستجاب الشيخ الذي درّس الأمير فيصل منذ عشرين أو اثنين وعشرين سنة سياسة الحكم وقام بتوزيع الحاضرين البالغ عددهم أحد عشر شخصا على المقاعد. كانت الطاولة مغطاة بقماش حريري منسوج يدويا. وعليه تم نقش الشعار الملكي باللون الأخضر. وكانت الأشجار المزروعة بعناية بالغة تشكل دائرة مكتملة في هذه الواحة الواقعة على ارتفاع آلاف الأقدام. كما كانت الخدمة تليق بالمقام الملكي. وقد قام على خدمتهم كما يقول سفرجية معممون لا يلبسون أحذية، ووقف خلف الأمير حارسان بخنجريهما المغمدين وقد قام هذان الحارسان بمهمة لم يتدربوا عليها من قبل ولم تكن في الحسبان خلال الوجبة المكونة من ثمانية أنواع من الأطعمة هي الشوربة واللحوم المتنوعة والخضار والأرز والنقانق والحلاوة الرائعة الممزوجة بالقشدة والفواكه فأثناء الأكل حطت خنفساء طائرة ضخمة سوداء بقرب أحد الضيوف ثم زحفت واستقرت أمام صحن خبز الأمير. عندئذ قفز أحد الحارسين وحاول أن يمسك بها. إلا أنها طارت بعيدا نحو الأشجار. (يتبع).. الخويا الأمير منصور بن عبدالعزيز حافظ وهبة سعود المطيري