إن المثل الشعبي أقرب إلى الفن من الحكمة لأنه أكثر حرية وطلاقة وأقل التزاما وألصق بالحياة، وهو كالفن ذاته.. نتيجة تجربة ومعاناة، وكثيراً ما يولد حاراً ينبض بالحياة أثناء التجربة نفسها أو في ختامها، أما الحكمة فكثير أما تأتي نتيجة تأمل بارد في برج عاجي أو نتيجة معادلات عقلية ومنطقية والمثل مجاله أوسع من الحكمة فهو يحمل في ثناياه المحكمة وقد يكون مجرد آهة على الطريق يرددها بعد قائلها من يواجه ظروفاً متشابهة وقد يكون مجرد تشبيه محكم وتصوير دقيق لصيق بالفن، يستعملها الآخرون في موضع فيصيب المحل، والأمثال الشعبية في نجدها تعكس حياة أجدادنا الدينية والاجتماعية والثقافية وتستطيع من خلالها أن تستخلص صوراً مجملة لتلك الحياة والذي يتطلب بحثاً دقيقاً وطويلاً.. وفي هذا المقال المتواضع سوف نعيد ونتطرق للمعاناة في حياة أجدادنا من خلال أمثالهم الشعبية بما يحتمله مقالٍ سريع، فلقد عاش أجدادنا قبل اكتشاف النفط حياة صعبة حقاً ومليئة بالمعاناة والتحدي وشظف العيش فهم يعيشون في أرض لا نهر فيها ولا بحر، تعتمد حياتهم في الحصول على الماء للشرب والزراعة على المطر الذي يأتي أو لا يأتي، وكانت الزراعة هي عملهم الأساسي وفي طقس سيئ جداً فهو نموذج للمناخ الصحراوي الحار صيفاً البارد شتاء والشحيح في أمطاره ونباته و(الكد) وهو العمل الشاق وقد كانت الزراعة عملاً شاقاً حقاً لأنها تتم باليد حتى حفر البئر في الصفا.. ولكن يعيش الإنسان هنا مجرد إمساك الرمق. يجب أن يكد في الصيف والشتاء ومن بعض الأمثال حول هذه المهنة الشاقة (قبل يا عمي كِد كِد) قال هذا المثل مملوك رمى نفسه من أعلى البئر ليتخلص من هذا العذاب المقيم لأن (الفلاحة) «ما يجي رزقها براحة» فالعلاج (يد في الصوح ويد في الرشاء) فإذا تعب في إخراج الماء فقد يذهب كل هذا سدى لأن الزرع الذي ودّع ما ينفعه الماء، وما أكثر آفات الزرع قد تجعله يودع فإذا لم يودع فهناك أهوال قبل أن يتحول إلى قمح، (لولا العقارب كان كلٍ زَرَع)، وحتى بعد أن يستوي الزرع على عوده ويُحصَد فقد تأخذه العاصفة في غمضة عين، (لا تقل حب لين توكي الغرارة) فلا يصل الفلاح إلى هذه المرحلة وهي ربط الكيس على القمح إلا بعد أن تطلع روحه حقاً. عزق الأرض البيوت داخل المزارع إبراهيم الجبر