يصبح الأمر أسهل عندما تدرك أنك لست هنا لتبقى سعيداً، وصحيحاً، ومتصلاً بأصدقائك وعائلتك وزملائك، لمئة سنة قادمة، كلنا نريد أن نتمسك بالحياة لمُدة أطول، وفي ذلك دَفعة للبشرية جميعها، وهذا هو الطريق إلى صحةٍ أفضل، وسعادة، ورفاهية، وإلى حياةٍ طويلةٍ كريمة.. في نوفمبر 2016، تنبَّأ الفيزيائي "ستيفن هوكينج" بأن الزمن المتبقي لحياة الإنسان على الأرض يقل عن ألف عام، إذ تضيق المساحات على الأرض وبدأت تنفد تدريجياً. والمُعضلة الحقيقية لا تتمثَّل في تعداد السكان، بل في الاستهلاك والإهدار، لأننا نستهلك أكثر من القيمة التي نعيدها إلى الطبيعة. في كتاب (طُول العُمر.. لماذا نَشِيخ وكيف نحتفظ بشبابنا؟) للمؤلفان ديفيد سينكلير وماثيو لابلانت، يتحدثان بطريقة مختلفة عن طول العمر والبقاء أطول، وفيه يشيران إلى إجراء العلماء كثيراً من الأبحاث بشأن إنذارات الأعوام المئة، ما يستوفي شرح وجهات نظرهم المخيفة عن الواقع البيئي حين لا نعود قادرين على التصدِّي إلى التغيُّرات الكبيرة في درجة حرارة العالم التي تنذر بكارثة على البشرية بأكملها، يدمِّر التغيُّر المناخي الطعام في العالم، وقد حدَّدت بعض الأبحاث واحدةً من كلِّ سِتِّ فصائل مُعرَّضة للانقراض، وأودت الحرارة بحياةِ الشُّعب المُرجانية في محيطاتنا، وإلى جانب ذلك يزيد خطر ذوبان القطبين وارتفاع مستوى المُسطحات المائية، والأعاصير والفيضانات والجفاف، ويفقد الكثيرون حياتهم نتيجة تغيُّرات الطبيعة. وعودة للتاريخ، بعدما بدأت الفصائل بالانقراض قبل 74,000 عام وحتى عام 1900، نما التعداد السُكَّاني بمعدلات صغيرة سنوياً، وبحلول عام 1930، لم يكُن مُعدل ارتفاع تعدادنا يزيد على 1 % سنوياً، وبحلول 1970، بعد تحسين إنتاجية الطعام عالمياً، ارتفعت النسبة إلى 2 %، هذه النسبة لا تبدو كبيرة، لكنها ارتفعت سريعاً، فقد احتجنا إلى 120 سنة ليرتفع تعداد سُكَّان العالم من مليار إلى مليارين، وبمجرد الوصول إلى تلك النسبة عام 1927، تطلَّب الأمر 33 عاماً لإضافة مليار آخر، ثم 14 عاماً لإضافة آخر. وقد حدَّد علماء السكان في الأمم المُتحدة أن التعداد العالمي للسُكَّان سينمو وصولاً إلى 11 مليار نسمة عام 2100، ثمَّ سيتوقف النمو ويعود إلى التقهقر، ويؤكد ذلك أن معظم الناس سيعيشون أطول، ولكن لا يزال متوسط انتهاء حياتهم في الثمانينيات. ويميل مُعظم الناس إلى المبالغة في تقدير العلاقة بين الموت والنمو السُكَّاني، ولكن لن يقود إطالة حياة الناس إلى التكدُّس السُكَّاني، إذ إننا لو استطعنا منع جميع حالات الوفاة حول العالم، فلن يزيد إلا ما يقرب من 150,000 شخص يومياً، ما يعني 55 مليوناً في السنة، ما يشكل أقل من 1 %، وهذه الزيادة لا تبرِّر مقاومة فكرة إبطاء التقدم في العمر، قد يستمر تعداد السُكَّان في النمو، ولكن بشكل أبطأ وأقل انفجاراً مما شهدناه في القرن المُنقضي. في الصين، اعتقد خُمس سُكَّان العالم أن حياة أولئك الأصغر سناً ستكون أفضل من حياتهم، فقد أُجري استطلاع الرأي نفسه في الدول الأوروبية، وفضَّل الجميع إطالة الحياة لفترة إضافية قصيرة، نتيجة عادات زيادة الاستهلاك، وتقليل مُعدلات المواليد، وانخفاض مُعدَّلات الفقر، وتوافر المياه النظيفة والكهرباء والطعام الصحي والمأوى، والرعاية الطبية الفائقة. ستتوقَّف الأبحاث الطبية إن لم يتوافر المال اللازم لتمويلها، وفي المقابل هذه بعض التساؤلات حول الأمراض التي تتم دراستها حيث تحصد أمراض القلب 1.7 مليار دولار، إذ تصيب 11.7 % من تعداد السُكَّان في العالم، ويحصد السرطان 6.3 مليارات دولار، لأنه يصيب 8.7 % من السكان في العالم، ويُهدر مرض ألزهايمر 3 مليارات دولار بإصابة 3 % على الأكثر، كما تؤثر السمنة في حياة 30 % من السُكَّان، وتقلِّل مدى العمر بأكثر من عقدٍ من الزمن. وفي أميركا نجدها أنفقت قليلاً من المال لاكتشاف طبيعة التقدم في العمر، بينما تستثمر في الأبحاث والأمراض الأخرى، وتعد الشيخوخة فيها مرضاً يقتل نحو 90 % من البشر، ومع ذلك لا يُعترف بالشيخوخة كمرض في أيٍّ من دول العالم، إلى جانب أن اهتمام العالم بتقنيات الإطالة الحيوية لن يحل كل المشكلات المُتعلقة بالمساواة في الدخل، ولكنها تشكِّل بداية جيدة. يُعد البقاء نشيطاً ومتأملاً مفتاح إطالة العمر في أستراليا (حيث وُجد أن كثيرين ممَّن تجاوزوا مئة عام)، يعرفون أهمية التجوال وسط الغابات بعيداً عن تشابكات الحضارة، وهذا يختلف عن التنزه والمشي لمسافات طويلة، إذ يلجأ الناس إلى التنزه، غالباً لممارسة الرياضة، والسلام النفسي، والتمتع بالرشاقة والجمال، وقضاء بعض الوقت مع أحبَّتهم. ختامًا يرى الكتاب، أننا كلنا نريد أن نعيش أطول، ولكن هناك كثير من العوامل المتقاطعة مع أهدافنا الرامية إلى إطالة أعمارنا، من الممكن أن تصدمك حافلةٌ غداً، بعد كل ذلك العناء، ولكن يصبح الأمر أسهل عندما تدرك أنك لست هنا لتبقى سعيداً، وصحيحاً، ومتصلاً بأصدقائك وعائلتك وزملائك، لمئة سنة قادمة، كلنا نريد أن نتمسك بالحياة لمُدة أطول، وفي ذلك دَفعة للبشرية جميعها، وهذا هو الطريق إلى صحةٍ أفضل، وسعادة، ورفاهية، وإلى حياةٍ طويلةٍ كريمة.