التطورات الكبيرة المهمة التي حدثت في مجال الطب والرعاية الصحية خلال العقود الماضية، استطاعت تحقيق إنجازات غير مسبوقة في حياة المجتمعات، فقد أتاح القضاء على كثير من الأوبئة والأمراض السارية زيادة معدل عمر الإنسان بحسب ما تُظهر البيانات الواردة في أحدث تقرير صادر عن الأممالمتحدة حول سكان العالم أن الفئة العمرية فوق ال65 عاماً هي أسرع المجموعات نمواً بين سكان العالم. كما تُشير الأبحاث الأخيرة للأمم المتحدة إلى أن متوسط العمر المُتوقّع في العالم سيرتفع بمقدار خمس سنوات أخرى بحلول عام 2050. هذه أخبار جيدة للبشرية، ولكنها تمثل تحديات كبيرة، يقول عالم الطبيعة بيار جول رينارد: «لا يتعلق الأمر بعمرك فحسب، بل بصحّتك خلال تقدّمك في العمر». فنحن نجحنا في إطالة فترات حياتنا، لكننا نشهد من جهة أخرى ارتفاعاً في نسبة الأمراض، مما يؤدّى إلى تراجع صحتنا، وبالتالي عدم قدرتنا على الاستمتاع بحياة طويلة. فيجب ألّا يقتصر تركيزنا على إطالة عمر الإنسان فحسب، بل على تحسين عمره الصحّي، أي الجزء الذي يعيشه الفرد بشكلٍ جيد ومُنتِج وخالٍ من الأمراض خلال حياته. على هذا الأساس نشأ وتطور علم الشيخوخة الذي يبحث كل جوانب هذه المرحلة لتمكين الإنسان من عبورها بأقل المتاعب تطبيقاً لمفهوم جودة الحياة، لكن تحقيق هذا الهدف ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض، فذلك يتطلب جهوداً كثيفة واستثمارات ضخمة في الأبحاث العلمية وخططاً واستراتيجيات صحية فعالة وتكاملاً بين القطاعات الصحية ومراكز الأبحاث في العالم. والحقيقة أن المملكة بتطورها في مجال الصحة خلال العقود الماضية أصبحت مؤهلة لمشاركة بقية الدول المتقدمة في وضع السياسات والاقتصادات الصحية والبحث العلمي الذي يواكب الاحتياجات والمشاكل الصحية التي أصبحت بارزة؛ ومنها طب الشيخوخة لتمكينهم من تحقيق أفضل مستوى من جودة الحياة. ولهذا الغرض عقدت في الرياض مؤخراً أعمال قمة «خارطة الطريق العالمية لإطالة العمر الصحي» التي استضافتها المملكة، بحضور وزير الحرس الوطني ورئيس اللجنة التنفيذية لمؤسسة «هيفولوشن» الخيرية الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، إضافة إلى علماء وخبراء ومتخصصين من مختلف دول العالم، بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية الأمريكية للطب (NAM) ومركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (KAIMRC) ومجلس الصحة لدول مجلس التعاون (GHC)، وقد عقدت القمة للمرة الأولى في واشنطن، ثم انتقلت في نسختها الثانية إلى سنغافورة، لتتوجه بعدها إلى المملكة العربية السعودية نظراً للأولوية التي توليها قيادة المملكة للصحة. وتعد قمة «خارطة الطريق العالمية لإطالة العمر الصحي» الحدث الأول من نوعه الذي يعقد بهذا الحجم والنطاق في منطقة الخليج، وطرح خلالها كيفية تنفيذ التغييرات المصاحبة للتقدم بالعمر بصحة أفضل، كما ناقشت طول العمر الصحي في الخليج، وكيفية إعادة التفكير في أنظمة الرعاية الصحية لطول العمر الصحي، إضافة الى طول العمر في السياق الحضري، وتسريع نشر حلول طول العمر الصحي، وعدد من المواضيع للعمل على رسم استراتيجيات خارطة طريق لدول مجلس التعاون الخليجي والعالم لعمر صحي أطول. وفي هذا السياق أكد وكيل وزارة الصحة السعودي للخدمات العلاجية أن المملكة تشهد تحولاً في الجانب الصحي لكبار السن، تماشياً مع برنامج جودة الحياة، مضيفاً بأن التعامل مع الشيخوخة يتزايد على مستوى بناء القدرات، والاستثمار في التأهيل والرعاية الصحية، والمشاركة المجتمعية، وتطوير السياسات الصحية للوقاية الاستباقية من أمراض الشيخوخة ما يؤدي الى إطالة العمر الصحي للإنسان. نحن هنا نتحدث عن تطورات ومفاهيم واستراتيجيات وأبحاث واقتصاديات في مجال مهم فرض نفسه هو طب الشيخوخة، فهذه الشريحة من حقها، وتستطيع الآن أن تتمتع بنمط حياة أفضل بكثير مما كانت عليه، وهذا عنصر مهم من عناصر مفهوم جودة الحياة.