أجزم أن النظر من أضيق الزوايا هو من يقصر بنا عن الوصول إلى حالة الاستيعاب سواء كان ذلك لرؤيتنا للأشياء أو حتى للخطاب الموجه أو مضمون أي رسالة أخرى، والسبب يعود في ذلك إلى حالة التيبس والصد المعرفي لمعرفة الأشياء واستيعابها ورؤيتها على حقيقتها وبكل أبعادها، وهذا الحجب هو ما يجعل المسافة تزداد طولًا وعرضًا وتعمّق حالة من الضبابية والإعتام بيننا وبين المعارف، وهذا للأسف لا يجعلنا ننتقل إلى فضاء المعرفة، وبالتأكيد هذا ما يتعارض مع مفهوم واسع النظر وحالات التأمل لرصد كل المعارف المحيطة بنا وكذا لا يتفق ومنطق العقل الواعي وكذا منظور الإنسان الحكيم، وكل هذا مندرج في إطار إقصاء الذات وإقصاء للبصيرة وبالتالي الولوج في متاهات من العمى وإلغاء الذات عن كل مفاهيم الوعي ومبادئ (أفلا يتدبرون)، فالعطاء والإنجاز والتقدم والنجاح جميعها تشكل قيمة في منجزاتها، ولا يمكن كل ذلك يتحقق إلا بواسع من الوعي والمعرفة والتطلع برؤى حكيمة وواعية. إن المسافة الصادة للمعرفة تفصل بين الأشياء والعقل، مما يجعل تلك المسافة تحول بيننا وبين كل المعارف على واسع اختلافها كالحقيقة والزيف، والحق والباطل، والشر والخير، وغيرها مما نتعرض له في مسارات حياتنا اليومية، الأمر الذي يقع خطؤنا في تفسير المعاني والرؤى والأشياء التي تحيط بنا بنظرتنا الضيقة دون أن نوسع دائرة المعرفة بمزيدٍ من النظر الواعي، كيف لنا أن نسهم بالمعرفة ونحن لا نكاد نكف في غلق كل طريق للوصول إليها بطريقة سلوكنا وتصرفنا فلا نسمح بدخول أي معلومة إلى دائرة احتكام العقل لعل ما يرد إليه يبصر النور سبلاً نافذًا للمعرفة نتجاوز به حواجز الصد المعرفي وبفعله نضع المسافة المظلمة والتي في واقعها تحجب كل الوجود كفكر أعمى لا يرى المعرفة ولا ما هو حولها من هذا الوجود الواسع والفسيح الذي يجعل من حضوره قواسم مشتركة تتجه بنا نحو متواليات الوعي والمعرفة مع الذات والآخر،، وعندما ندرج في جنبات الحياة ونرى حالات من الصد المعرفي والتحول عن شرارات الوعي وقبس المعرفة، فإن ذلك يعكس واقعًا نفسيًّا مؤلمًا على المستوى الشخصي قبل المجتمع، وحينما نتقدم نحو الوعي بخطوة أو نتراجع عنه خطوة تتكشف لك حالات القوة والضعف عند الشخص وتتضح الفروق الفردية في الوعي وحالات الاستيعاب فكم نحن محتاجون لطمس معالم هذه المسافة الفاصلة التي قد نراها صغيرة جدًا وحتى واهنة فتتضخم بفعل حالات الصد المعرفي والانغلاق المحكم نحو كل الرؤى والمعارف وعندها نشوه كل الجوانب المشرقة التي يجب أن يكون عليها الإنسان. وإلى لقاء.