هل الوعي مهمة نمارسها أو هو مفهوم متأصل فينا؟ هذا السؤال الفلسفي ينفسحُ بنا نحو آفاق واسعة للوقوف مع الذات نحو رؤى متبصرة وواعية تتجلى فيها حالات العمى والبصيرة (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) الأنعام 104، تحسم هذه الآية الكريمة الحل وبكل بقوة، فالوعي مفهوم يجب أن نمارسه كل يوم في حياتنا وهذه الممارسة تتعدى إلى استدعاء الحالات التي تحدد مستوى الوعي فبالنظر إلى ما هو مجهول عنك تحاول أن تطيل النظر وتتوسع في الرؤية وتتفحص الأشياء حتى تتجلى لك المعارف، ثم ينعكس هذا النظر الواسع إلى وعي أدركته في لحظة ما ومن ثم يعد ذلك إضافة في حياتك من خلال المستقبلات المعرفية بفضل خاصية الفطنة التي تضيف إلى وعيك وإحاطتك بالأشياء تجاه هذا العالم، وحينما نراقب الأشياء في حياتنا اليومية وان كانت هامشية عند البعض فان من خلال تلك الأبعاد تتشكل ملامح مختلفة فإذا ما تفاعلنا معها بوعي وفطنة حقيقة كنا ضمن ركب الوعي واستحق الإنسان على هذا التبصر كلمة واعٍ، فالإنسان بالضرورة يواجه تحديات كثيرة قد يكون من أهمها وأبرزها حالات الصد المعرفي من طرف المتلقي نفسه، فعندما نهمل الأشياء من حولنا دون أن نقيم معها مداولات وحوار واعيا وإمعان للنظر في الأشياء وما خلف الأشياء فإننا نكون حتما في دائرة العمى جراء غبش رؤيتنا لكل ما يحيط بنا في مسرح الحياة، وعند ذلك لا يستحق الإنسان كلمة واعِ ولا يمكن أن يتقدم في عملية تراكمية للمعرفة فتجده يمر بالأشياء والموجودات دون أن يسجل حضورها المعرفي وتظل ساكنة ورتيبة في مكانها، وبالتالي فان الشخص لا يتدرج في معارفه وخبراته ليصل إلى حالات الوعي، إذاً نستطيع أن نقول إن هناك بعدين وهما حالتا القبول والرفض، وهذان العاملان هما من سيضعك ضمن دائرة الوعي واللاوعي، فالنفس مجبولة على التقدم والوعي والمعرفة عندما ندفعها ونحثها، وما يجعلها قاصرة عن الاكتشاف وحالات التطلع هو السلوك الممارس والمنتهج حين نثبطها، وحينما نمارس مع أنفسنا هذا الإغلاق وهذا الصد المعرفي حتما يضع الإنسان نفسه في حالة من الذبول والضمور والاضمحلال والتلاشي، ومن ثم يصل إلى حالة قصوى من استلاب الوعي والولوج في مسارب القطيع الضيقة التي لا تقود إلا إلى التيه والانصراف عن منافذ الوعي وتجليات المعارف التي تحيط بنا، من منا نظر إلى ذلك المكان المهمل المنزوي بعد أن أصبح المكان الأسطورة وعرشا للعناكب المتوهجة بالحركة والحياة المبهجة كلنا لا نلتفت إليه مع انه عالما مليئا بالحيوية ومفعما بالنشاط وغليظا في القوة ودقيق في التشابك وإعجاز في الخلق، ولعلها دعوة لتحويل النظر إلى مشروع معرفي لرؤية ما يحيط بنا في مسرح الوجود. وإلى لقاء