الشمسُ تعرفني الصباحيّ الذي ترك الحكاية للظلامِ.. ونام في ليل الظنون! يقال إن الكائنات الصباحية أكثر الكائنات حبّاً للحياة، وأقدرها تماهيًا مع طبيعة الكون، لهذا ربما كان اكتشاف الكهرباء التي ثارت في وجه الظلام كصورة نمطية لها أول الأمر حيث استعارت من الشمس حضوراً ضوئياً آخر في الليل، أكثر الاكتشافات تأثيراً في حياتنا على الأرض.. لا بأس عني وعما أدركته أخيراً فقد مضى عليّ أكثر من عقد ونصف آخيتُ فيه الصباح، بعد أن قضيت عمرًا ساهرًا ليله.. فلا يجيئني حينها إلا كفقّاعة ضوء تنفجر في عينيّ لتدميَ الصحو فيهما..! كنتُ حينها أدّعي أنني من قبيلة الشعراء الذين لا تشرق شمسهم قبل أن يموتوا، لكنّ كما يبدو أن الشعر ذاته آخى الصباح فيّ أخيراً واستثمرنا معاً كوننا مازلنا أحياء أنا وشعري حين يتلبّسني فأعود فيه إلى عصفور قروي قديم، أو لعلّني بلغتُ من العمر معه ما لا أستطيع فيه مجدّداً التمرّد على الشمس فامتثلتُ لها حينما أدركت أنها تقلّب المجرّات والمواقيت بين أصابعها.. هكذا بتّ كائنًا صباحيّاً كما يسميني أصدقائي الجدد.. حيث أدركت أن الإنسان بطبعه ابن الضوء.. وأن جدي الثاني على الأقل لم يسمع يومًا عن الكهرباء.. فاختار النهار من أوله ليسعى في ذمّة الشمس ثم ورّثني إياه حيث تولّيت أمره في النصف الثاني من عمري، هكذا لا أرى إلا أنني ابن النهار الذي يربكه الليل بغموضه، ذلك الذي رافق الوقت من أوّله فحمّله أحلام ساعته ومهامها معاً.. لا أعرف حقّاً كيف أستعيد به طفولتي القروية، لكنني أدرك يقينًا أن للوقت استدعاءه وللطقوس المتشابهة تداعياتها، فالحنين إلى قريتي الأولى يتجلّى في الصباح من خلال انفعال غصن مع الشمس في وردة حديقتي، حتى رائحته لا تكون إلا عرق النخلةِ على جبين أبي.. وحتى إن جاء على شكل أغنية تكتفي بأذنيّ في الطريق إلى عملي.. ثم لا أصغي للأبواق الشاتمة، ولا حتى لأصوات المستظرفين في إذاعات الصباح، هكذا أرى فيه بدايات كل شيء وأي شيء من آخر أحلامي.. حتى أول طفولتي..! الصباحيون يحاولون أو حتى يتوهمون أن يدركوا الوقت (السيف) الذي يقطعك إن تباطأت أو تكاسلت أو تعثّرت في خطواتك مع الضوء، هو نبل الوقت عند الفلاح، وسلّة الأحلام عند الذاهبين لأعمالهم، وخلاص الشعراء من كوابيس وحشتهم الليلية، إنه طفولة الوقت حين نحلم يوماً باستعادة طفولتنا كلما امتد بنا العمر... فاصلة: ومن أنتِ قال لي الليلُ قلتُ ومن أنتَ قال أنا الليلُ قلتُ.. وتلك هي الشمس فاذهبْ وإلّا تعقّبك الصبحُ في راحتيها.. مضى عابسًا.. وانتهيتُ إليك!