بعد قراءتي لكتاب «عتبات النص الروائي في الجزيرة العربية» للدكتورة حصة المفرح، والصادر عن كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية بجامعة اليمامة؛ توقفت طويلاً عند أحد أهم الكتب والذي استشهد بجزئيات من محتواه كُتّاب ومحاضرون ومهتمون على مختلف تخصصاتهم العلمية والأدبية والاجتماعية بجميع تفريعاتها ومساراتها من شريعة وتاريخ وطب وجغرافيا ولغة وتربية واقتصاد وسياسة وعلم نفس وعلم اجتماع وغيرها، ووجدت أن هذه المقدمة قد تكون أطول وأشهر عتبة لنص مكتوب. مقدمة ابن خلدون تعطينا النموذج الذي قد يكون الأكبر عن إحدى أهم العتبات، فالمقدمة عتبة من عتبات النص التي نَعبر من خلالها إلى العمل وتمهد لنا الطريق والتهيئة الفكرية لما سيصادفنا داخل بيت الكتاب، وهذه المقدمة، التي أصبحت أهم من الكتاب رغم أهمية الكتاب، حظيت بدراسات وتحليل منهجي وعناية أكاديمية ربما لم يسبق لها مثيل. مقدمة ابن خلدون وضعها عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي لتكون مقدمة لعمله الضخم (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) في العام 1377م. ليس موضوعنا كتاب ابن خلدون، ولكن هذا الكتاب منحنا فرصة ذهبية للوقوف عند أهمية عتبات العمل المكتوب التي أشارت الدكتورة المفرح إلى أنواعها وأدوارها في فهم محتوى أي كتاب وإحالاته ورمزياته المستترة أو المضمرة أو الظاهرة، المصورة أو المكتوبة، وبروزها تحت عناصر واضحة مثل: اسم الكاتب ودار النشر أو تواريها خلف رمزية ودلالات عامة وخاصة. على أننا نحتاج أن نكون نابهين عند استخراج العتبات ومن ثم استنطاق دلالاتها فالمبالغة في تفسير العتبات أو قراءة مضامينها في سياق فلسفي بعيد عن العمل وبموجب تأطير سابق لا يعطينا قراءة مبررة ومقبولة ومقنعة عن العتبة المدروسة، فعلى سبيل المثال عتبة الغلاف التي تعتبر من أهم العتبات، ولكن من خلال فحص واقع الطباعة والنشر نجد أن هذه العتبة قد تصبح عتبة لا قيمة لها في مجمل الكتاب أياً كان نوعه، فبعض دور النشر تعرض على الكاتب مجموعة من الأغلفة وهو بدوره يختار أحدها بعد أن خرج من حالته الوجدانية والتقمصية لمحتوى الكتاب الذي أعده وقد تكون الرواية هي أهم نوع يحتاج هذه العتبة، ولكن من واقع ما قد يحدث من آلية في اختيار الغلاف تفقد هذه العتبة أي قيمة لها. تسري طريقة التعامل مع عتبة الغلاف على بقية العتبات، فالهدف ليس قراءة أي عتبة تظهر لنا لو لم تكن تحمل دلالة ومعنى له مصوغ ومبرر وشواهد تحليلية، وإنما الهدف الحصول على كل ما من شأنه أن يجعلنا نقرأ النص قراءة فاحصة عميقة لصيقة بما أراده الكاتب وصرح به أو أضمره سواء بقصد الكاتب أو عن غير قصد من خلال تشرب النص لروح كاتبه وثقافته ومشاعره، والخلفية التي تحرك روح الكتابة في نفسه.