ينطلق الفن من التصاقية وتواز مع قضايا المجتمع وتطوراته، وتجسيد لقيمه وثقافته ومعتقداته، لتنطلق اللغة الفنية من إشكاليات ذلك الواقع كركيزة للإبداع والتحليق الفكري، ومدار لتجسيد رؤى الفنان لجوانب أمور حياته بايجابياتها وسلبياتها (كتطور التقنيات والتسويق والاستهلاكية والمادية). ليصبح الفن معولا وبارومتري دال على المجتمع وتطور وسائطه وحاجاته ومفاهيمه، وطرح الصالح للأفراد وشحذ القيم النوعية، ويصبح الفنان مشاركا فاعلا بتجربته الإبداعية في الأدوات المعرفية والثقافية لذلك المجتمع، في سياق التفاعلية الإيجابية بين الفنان والمتلقي والتجاوب الخلاق، بما يؤهل للأدوار الإيجابية الصيرورة بالمجتمع، وإعلاء القيمة والعادات الرشيدة ودمج الفرد في محيطه. ليتم شق روافد ترتمي لتحدي طرق التفكير الاتباعية، عبر دمج (الثقافات الشعبية والنزعة الاستهلاكية وصور المنتجات والعلامات التجارية والشعارات) في مضمون العمل الفني والاستخدام الشامل لكافة الوسائل البصرية المواكبة الثقافة الشعبية، كتوجه مفهومي وجمالية جريئة نابضة بالحياة، وتحدٍ لنخبوية وحصرية الفن في شكله وقالبه التقليدي، والانحياز لرغبة جياشة، والرجوع لمظاهر الحياة الواقعية، والاتكاء على المسائل الاجتماعية التي تلج من تبني الثقافة الشعبية كموضوع خاص. يتوازي «كفن جماهيري» وحركة فنية بصرية، استلهمت من مصادر الثقافة الشعبية، لتصوير العالم بطريقة واقعية، ونقد الأحداث اليومية، والنحو عن تصوير المشاعر الشخصية والموضوعات الخاصة، وتوظيف الوسائط المختلطة المتناوعة في العمل الواحد في مدارات (تحول مفهوم الفن في المجتمع الاستهلاكي) كنتاج للتطور التقني والتكنولوجي وحضور شبكات التواصل الاجتماعي. لتكتسي الأفكار بالبساطة الإبداعية والتأثير البصري الفياض الذي يجمع بين الفن والحياة، ونزع المواد من سياقها وعزل الكائن ودمجه مع كائنات أخرى، ليتمايز ذلك الطرح الفكري بأنه مصمم وموجه لشرائح عديدة من الجمهور يرسخ لديهم أن فكرة الفن يمكن استردافها من مصادر شتى. لاستبدال تقليدية الفن بقالب آخر يتسق وطبيعة العالم المحيط، وتوظيف أشياء ووسائط الحياة اليومية كالصحف والمجلات والكراتين وعلب المنتجات وسائر الأشياء العادية، كحجر زاوية ومرتكز رئيس لتفكير فني نابض. وبما يتسق مع الطفرات والتنامي الثقافي والاقتصادي والمجتمعي، انبثقت «أيدولوجية الاستهلاك» عبر تنامي المجتمعات وتشعب رغبات الفرد وحاجاته، وتزايد المتطلبات في العصر الحديث واتساع دائرة الاتصال والتواصل من حيث الكثافة والمدى والتنوع، وأصبح الاستهلاك المادي سمة ثقافية لفئات المجتمع، اندفع من خلالها الفن لإعادة صياغة نفسه عبر عولمة عملياته ورفض سلطة المنطق والمعرفة، كوسيلة لمحاكاة كل ما هو منضبط قاعدي، كبرتوكول، ليحتفي الفنان المعاصر بالطابع الاستهلاكي والتغيرات والتبدلات الفنية والفكرية في مشهدية الفنون، والبوح البصري بلغة الأشياء اليومية الاستهلاكية، وتعديد الوسائط وتخطي فنون النخبوية المتوارثة لصالح الثقافة الاستهلاكية كنتاج للعصر الحديث (النخبوي - الشعبي) والانحياز لرؤية الفنان بشكل أساسي مكين. ليلج عبر طرق الاسترسال وتعميق الفكرة والمفهوم، تناوع المنتجات والسلع الاستهلاكية ما بين (العلامات التجارية - الإعلانات الصاخبة - الباركود الأحادي وثنائي الأبعاد - التسويق - الاستيكرات - صور من الحياة اليومية - منتجات متاجر الأغذية الكبرى - صور الصحف والمجلات) وينزلق المدار إلى تسليع الفن كإرث إلهامي، وفرع من فروع الموجودات تولد مفاهيم تتأرجح ما بين (الثقافة الشعبية، وبين التفكير الفلسفي، وتغذية التيار التقدمي في الفن). فيصل الخديدي وشجرة الحياة كعتبة أولى وتصور مكين حيوي، شحذ الفنان «فيصل الخديدي» في فلسفة ونهج ضمني من إغراءات النزعة الاستهلاكية، والتوقع والانتظار لهبات وعطايا الأشياء الطبيعية، وأن تقدم لنا ما هو فوق طبيعتها، والحلم بشجرة الحياة التي تقدم وتعطي وتزهر وتثمر بكل شيء من ثمار العصر ومعطياته الممكنة والمستحيلة. فثمار العصر في فلسفتها وكما يراها «فيصل الخديدي» تنطلق من عقيدة التسليع التي تنفذ ببراثينها للسيطرة على الطبيعة وإرغامها بكافة السبل لعجلة الاستهلاك والسعي الحثيث لصنع شجرة الحياة. حيث تخيل «شجرة المانجو» الكائنة بالجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت الطائف) وكأنها تعرضت للتسليع وتحولت لشجرة الحياة التي تنبت وتثمر وفق رؤية وحاجة المستهلك، فأصبحت ثمارها مواكبة لتطلعات العصر وفلسفته ورغبات الجمهور وميوله الإدراكية والتجارية، وأن هذه الشجرة أصبحت جاهزة للتسويق والاستهلاك. فغطى الفنان ثمار المانجو بماركات تسويقية وتجارية وعبوات منتجات متنوعة، واكتسى جذع الشجرة بالعبارات والنصوص السردية التي تدلل على الاستهلاكية وسطوة المنتجات على الحياة المعاصرة، فاستخدم عبارات متنوعة دالة مثل (قابل للتصدير - حلال - تاريخ الصلاحية - قابل للكسر - شعارات الدفع بالبطاقة البنكية - غير ذلك) تدليل فكري على سيطرة التسليع والتسويق والاستهلاكية على الوقت الراهن، وصبغ الطبيعة بغير سماتها وإخراجها من نسقها المعتاد المتعارف عليه، والاندفاع نحو الرغبات والنزعات الاستهلاكية. لتحتفي المعاصرة بالشكل الجمالي وبيئة العمل وحضوره، الذي يؤطر تضافر عناصره البصرية من صور وإشارات دلالية ورموز متسقة في تفاعل مع حركة المجتمع والإرث والتاريخ، وقدرة على التعامل مع الجمهور وإلغاء القطيعة، وتعديد المتغيرات القيمية للفن البصري كانزياح معياري مواكب للمتغيرات العالمية المتسارعة، وتقدم العصر والترويض الثقافي المعلوماتية. ويصبح العمل الفني لدي «الخديدي» مركبا إبداعيا ذا كفاءه تأثيرية، وممر لتوصيل الوجهات الفكرية والجمالية لتعضيد الترابط والانجذاب بين الجمهور والرسائل البصرية ما بين (المتلقي والوسيط والتنظيمات الفكرية والمفاهيم البصرية) وفق وسائط (الخطوط، الألوان، الكتل، المساحات، الحركة، الصوت، وأخرى) بمنهجية تشحذ الرسالة والهدف وتتلمس وجدانية المتلقي ليصبح ذلك خطابا عند الفنان ومنتج اجتماعي قابل للتداول الثقافي والتسويق. *الأستاذ بكلية التربية الفنية المساعد-جامعة حلوان تحول مفهوم الفن في المجتمع الاستهلاكي كنتاج للتطور التقني