تمثل الثقافة ركيزة قاعدية مهمة أساسية، ومكونا رئيسا فاعلا ضمن استراتيجية محددة تحمل في طياتها المبادئ القاعدية للتحول الوطني الدؤوب الذي انتهجته وترتكل إليه المملكة في مسيرتها وقفزاتها الخلاقة الطموحة، عبر تسطير استراتيجيات تقدمية، وتحقيق الحلم والطموح، والرؤية الواعدة للمملكة 2030 ووثباتها نحو تحقيق مستهدفاتها، وحصد الثمار، وتحديد الهوية للثقافة السعودية، ودعم وتعضيد الأنشطة الثقافية، وهو ما وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ونحت ملامحها ودشن أركانها ورعى أركانها، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي تنطلق رؤيتها من مساهمة قطاع الثقافة بالدور المهم الفاعل المباشر في تحقيق الركائز الاستراتيجية الثلاث، والمتمثلة في بناء وطن، ومجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، وشحذ الطاقات المبشرة للمبدعين والمفكرين والأدباء والفنانين داخل حقول وأنشطة متنوعة، والارتقاء بها إلى الوجود العالمي، وشق دروب الإبداع، وإطلاق الطاقات الثقافية الخلاقة التي تشكل النهوض والتحول للمشهد الثقافي، وتسطر المناخ والبيئة التي تواكب همة المجتمع السعودي، وتدعم حلم قيادته الواعية، وهو ما يعطي الزخم ويجعلها عملية خلاقة. لتمضي الثقافة قديما بعيدا نحو تحقيق غايات وأهداف راسخة مؤمنة بتراث وهوية البلد الآمن، والاحتفاظ بالهوية، ونقل الصورة الحقيقية النضرة والصورة الذهنية للمملكة بوضوح وجلاء للآخر. استراتيجية وزارة الثقافة الداعمة للمشهد الثقافي السعودي وتشتمل "وزارة الثقافة" تحت قيادة سمو الأمير وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود على قناعة دفعت بجدول أعمال وعدة مهام، والعمل على البناء عليها وتدشين الأسس القاعدية لتحقيق أهداف ورؤية، وزيادة الحاجة إلى الأنشطة والمناحي الثقافية، والإفادة من الممكنات الثقافية والعقول الخبرات السعودية المبدعة، والإدارة بعقلية احترافية طموحة، لتعميم الثقافة على ربوع المملكة كافة، انطلاقا من تلك القناعة بأنها جزء من التحول الوطني. فالثقافة ليست ترفا أو نشاطا إنسانيا اعتياديا، بل هي طريقة معيشة وجودة حياة، وأحد أهم ممكنات جودة المجتمع، ليأتي ذلك الربط بين الثقافة وجودة حياة المجتمعية ليمنح الأمل ويبث الإيجابية والتفاؤل بغد مشرق واعد، ومشهد ثقافي وفني ثري باهر، وذلك في نهج تشاركي بمشاركة وزارة الثقافة والمجتمع في عمليه رعاية ونمو المشهد الثقافي. وشحذ المجتمع حتى تزدهر المملكة العربية السعودية بمختلف ألوان الثقافة، لتثري نمط حياة الفرد، وتسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتشجع الحوار الثقافي مع العالم، وتدشين رسالة تتمثل في تشجيع وتعزيز القطاع الثقافي السعودي بما يعكس حقيقة ماضٍ عريق زاهر، ويساهم نحو السعي لبناء مستقبل يعتز بالتراث ويفتح للعالم منافذ جديدة ومختلفة للإبداع والتعبير الثقافي، وذلك على أراضٍ صلبة راسخة داعمة محفزة، لتتماشى هذه الأهداف بدقة مع المحاور الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030. حيث نسجت وزارة الثقافة إطارا حيويا لطبيعة العمل الذي تنتهجه في دورها لدعم وإثراء الشأن الثقافي بالمملكة، عبر محددات لخصت ثلاثة أهداف رئيسة، وهي: (الثقافة كنمط حياة، الثقافة من أجل النمو الاقتصادي، الثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية). وفي هذا الإطار، تسعى وزارة الثقافة إلى تطوير الإمكانات وتعزيز الفرص والقدرات في القطاع الثقافي، من خلال بث كافة جوانب التراث الثقافي السعودي في أوصال الحياة اليومية للمواطنين، ما يجعلهم ينعمون بحياة عامرة وصحية، ليستطيع كل متابع للمشهدين الثقافي والفني تلمس هذا الحراك الثقافي الذي يتسم بالنمو والديناميكية والفاعلية. وقد حددت وزارة الثقافة هيئات مستحدثة ككيانات لتنمية القطاعات الثقافية، ومن أجل تعزيز قدرتها على أن تقود المبادرات الرائدة في مختلف مجالات القطاع الثقافي، مثل: هيئة الفنون البصرية، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة فنون العمارة والتصميم، وهيئة الموسيقى، وهيئة المكتبات، وهيئة التراث، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة الأزياء، وهيئة الأفلام، وهيئة المتاحف، وهيئة المكتبات، وهيئة فنون الطهي، وهو ما يدعم النشاط الثقافي بالدعم وبقوة الدفع والتحرك. "واحة الدرعية للفنون" الأسبقية والتفرد عالمياً بالفنون الرقمية وانعكس النشاط الفعال والتخطيط ورؤية وزارة الثقافة على مشهد فنون البصرية خاصة مجال الفن الرقمي، ودعمه وتدشين منظومته الفاعلة الإستراتيجية، فبدعم من سمو ولي العهد، دشنت "وزارة الثقافة" بالشراكة التعاونية مع "هيئة تطوير بوابة الدرعية" بمحافظة الدرعية، أول مركز عالمي تخصصي ريادي في الفنون الرقمية، في قلب محافظة الدرعية، لاستكشاف المشهد الفني في المملكة، وتحويل الدرعية إلى منصة ثقافية وسياحية كحاضنة لكل مبدعي العالم ببرامجها ومساراتها التدريبية الخاصة، وتعلي الإبداع في مجالات الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات التكنولوجية المستحدثة، عبر بيئة حيوية صممها المهندس الإيطالي الشهير "أميديو تشياتاريلا"، مجهزه بقدرات وإمكانات تقنية للبحث والتطوير والابتكار في فنون المستقبل. وهو ما أكد عليه سمو الأمير وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود أن واحة الدرعية للفنون، ستكون أول مركزٍ متخصص في الفنون الرقمية، حاضنة للمبدعين، وشاحذة للتعبير الفني، وتستثمر علوم المستقبل عبر أربع مساقات فنية فاعلة، هي: (برنامج الفنون والذكاء الاصطناعي، حيث الحوسبة الإبداعية المؤسسة على المعادلات والخوارزميات الهندسية، وبرنامج الفنون الرقمية والتصوير الفوتوغرافي وإنتاج الأفلام والفنون الصوتية، وبرنامج التصميم الجرافيكي والنمذجة ثلاثية الأبعاد والرسوم المتحركة لإعداد مصممين مبدعين، ومركز الإعلام والبحث الفني المعاصر، والذي يوفر المحيط النشط التعليمي لاستكشاف السياقات الثقافية المتطورة عالميا). ولخلق مساحات مشتركة بين الجمهور ومبدعي الفن الرقمي الحديث، توفر "واحة الدرعية" أفضل الوسائل لتعليم وممارسة الفنون والتقنية الحديثة، خلال استوديوهات فنية، ومساحات عمل للفنانين، ومرافق حديثة للناشئين، وقاعات لورش العمل وفصول للتعليم والتدريب في مجالات الفنون والتقنية، ومكتبة ومتجر للفنون. ولإثراء المشهد الثقافي تقدم الواحة برامج للمشاركة العامة مع الجمهور عبر سلسلة معارض "وهاكاثون" للفنون الرقمية، والتي تهدف لتبني وتطوير تقنيات مبتكرة في الفن الرقمي والإلكتروني، لتحفيز أصحاب العقول النيرة والمفكرة، لتصبح معارض "وهاكاثون" للفنون ملتقي تنظمه "وزارة الثقافة" للفنون والذكاء الاصطناعي بمشاركة فنانين محليين ودوليين في فنون الحوسبة، مع ندوات تتعلق بالفنون الرقمية وتطبيقاتها. وزارة الثقافة ودعم إستراتيجية الفنون الرقمية تعد التكنولوجيا تعبيرا موجزا عن القدرات الذهنية للإنسان وعن رغبته اللامحدودة لإدراك واكتشاف وجوده، ونتاج لبحثه المستمر على سبل التأقلم مع محيطه الكوني، وقد عمد الفنان لتلك التقنية كأداة لبناء المنجز الفني، بهدف تغيير الرؤية للصورة والعمل الفني، لتظهر أنماط حداثية تحمل في طياتها مضامين فلسفية بصرية معاصرة، وهو ما أكده عليه الناقد "هيرمان بوهرHerman Boher" في إشاراته، لأهمية التغيير وتبدل الرؤية، والتي اعتبر أهميتها تعلو مراحل تاريخ التصوير. حيث أصبحت التقنيات الرقمية بمثابة لغة العصر، لتغير العين طريقتها في الرؤية تبعا لعلاقة الإنسان بالعالم، نحو إدخال الحاسوب، ليترجم من خلاله الفن ثقافة العصر الجاري، والاعتماد على تقنية الوسائط المتعددة Multi-media التي تختص في عرض الصوت والصورة والحركة والنص واللون، خاصة في مجال التصميم الرقمي. لقد اتسم الفن بخاصية التغير الفكري والتشكيلي المستمر، وتعدد الأساليب والاتجاهات الفنية وتبدلها خاصة في الشكل والمضمون، ليدلل بذلك الفن على مواكبته للتطور، والإلمام بالصورة وبالأشكال والإلكترونيات وذبذبات العناصر والطاقة الكهرومغناطيسية والضوء ميكانيكية لتصبح لغة العلم مادة طيعة للإبداع، وهو ما أطلق عليه "فنون ما بعد الحداثة"" Post Moddernism"، والتي أسست تلك الفنون على آليات بدلت من معالم الحياة "عصر التكنولوجيا"، لتصيغ الرؤية الفنية حسب إشارات الناقد الإيطالي " أكيله يونيتو أوليفا " في كتاباته حول "عولمة الفن " بذوبان الإبداع واتجاهه قدما نحو إطار التطور التقني الذي يحتوي كل شيء". الأطروحات الرقمية السعودية عكست رعاية واحتضان وزارة الثقافة، للفنون الرقمية، التأثير الفاعل نحو انبثاق أطروحات رقمية متفردة محلية وعالمية، مثل: "إقامة المؤتمرات وورش عمل الفنون الرقمية"، ضمن الفعاليات الثقافية المتنوعة في مناحي المملكة، مثل: ورشة الفنون الرقمية بمعرض جدة الدولي للكتاب تحت عنوان "الفنون الرقمية حاضرها ومستقبلها" التي قدمتها "هناء الشبلي"، والتي استعرضت فيها ماهية الفن الرقمي كأسلوبية تكنولوجية حاسوبية بنمط رقمي، وبرامج ذات إمكانيات وتطويعها عبر أسلوبية الفنان وفكرته، ليروض الفنان عبر هذه البرامج تشكيلات لا نهائية، وأطروحات رقمية فنية تمزج الرؤية التخيلية مع قدرات التقنية للحاسب. كما يظهر دعم الوزارة للمعارض والفاعليات الرقمية، من خلال عدة معارض أهمها المعرض الجماعي العربي الرقمي بعنوان "إشكاليات إنسان" تحت رعاية وزارة الثقافة والإعلام عام 2009م لمجموعة الفن الرقمي، ومشاركة منال الرويشد، وهناء الشبلي، وفوزية المطيري، وهدى الرويس، وعائشة الحارثي، و"معرض وسم للفنون الرقمية". وفي المملكة انبثقت عدد من المواهب الفنية، وبزوغ قائمة من الموهوبين الرقميين الذين تمكنوا من التحول نحو منعطفات مغايرة، وإحداث تحول وتغير جذري، وتدشين جسور التواصل بين الهوية والمعاصرة، وإحداث الوهج في الأسلوبية وأسلوبية التنفيذ، ومنهم الفنانة "هناء الشبلي" الفنانة، والمحركة الثقافية الواعدة، والتي صنفت ضمن جيل الرواد المسؤولين عن تدشين الفن الرقمي كقالب فني، ينحو عن التقليدية، لتعمد الفنانة إلى تصدير رؤى ترتكل لتقنيات التكنولوجيا التي تعلي العاطفة، وتشحذ فعل الشعور، وتعزز التجاوب التفاعلي لدي المتلقي لرسائل قوية مدعومة بطاقة اللون وشداته المتنوعة من خلال تكنولوجيا التفكير. وكذلك أطروحات الفنان "خالد الأمير" بمضمونها الفكري الذي موقع الفنان خارج إطار التقليدية وتجاوز التراتيب السائدة المتعارف عليها في الساحة الفنية، وتقديم نفسه فناناً ومصمماً ومبدعاً في الفن الرقمي، حيث تمازجت الوسائط المختلفة لديه، لطرح مفاهيم مستحدثة وإشكاليات خاصة بالتحولات العصرية، ليدمج الفنان مفهوم التوليف والمزاوجة، وتخطي فكرة القيمة الثابتة للتفاعل لكسر الحواجز بين الفنون، ليخرج الفنان من قوقعة التصوير والنحت إلى تنوعات تقنية ومفاهيمية في طرق واستخدام وسائط مستحدثة في أطروحاتهم الفنية، نحو الانشغال المستمر من ذلك الفنان في التنقيب كشف النقاب عن أفضل المعاني. وكان للشغف المستمر لدي الفنان والمصمم قماش بن علي آل قماش نحو توظيف الحداثي، والوسائط التكنولوجية لتعضيد الفكرة، والتحليق بفعل الخيال الإبداعي، وترجمة التخطيطات والمشاعر ممزوجة بالتكنولوجيا، ليطل الفنان بذلك إلى عوالم بصرية خاصة تعززها القيم الجمالية والتعبيرية، فارتكل إلى برامج حاسوبية، لتصير أجهزة الحاسوب أداة تعبيره، وتطرح نوعا متمايزا من الاتصال والتواصل، وطرح واقع مرئي متفرد ذي مفردات تعبيرية أثيرية تدعم البنائية الفنية الجديدة، ليستبدل الورق، والقلم، والفرشاة، والألوان إلى القلم الضوئي، وشاشة اللمس، والبرامج الإلكترونية الخاصة، لتصير الشاشة بديلا للتقنيات التقليدية لديه. * الأستاذ بقسم الفنون البصرية المساعد- جامعة أم القرى واحة الدرعية للفنون التخصصية في الفنون الرقمية واحة الدرعية للفنون التخصصية في الفنون الرقمية عمل رقمي للفنان قماش آل قماش، ترجمة مشاعر وتخطيطات عمل رقمي للفنانة هناء الشبلي، عواطف بتقنيات رقمية عمل رقمي للفنانة هناء الشبلي، عواطف بتقنيات رقمية عمل رقمي للفنان خالد الأمير، دمج وسائط لطرح مفاهيم مستحدثة