يا له من كتاب هائل، كل الكتب التي رأيتها تجمع بين النص والتشكيل كانت كتبا رائعة، ويا له من يوم هائل ليس استثناء، الكتاب الذي يحمل فن أحمد الملا الشعري وريم سمير البيات البصري كتاب يملؤك، يثري حواسك، ويحملك على أن تتملى فيه مرات ومرات، تستطعم الكلمات وكأنك تدورها في لسانك لتشعر بحلاوتها، في ذات الوقت الذي تدور في رأسك موسيقى تجلبها لك الرسمات المليئة بالرموز والحليات، يا له من كتاب هائل. لم أعد أمسك كتبا ورقية لأقرأ، أحتفظ بها من باب النوستالجيا فقط، لكن الاستثناء هو الكتب الفنية، هي التي ما زلت أقتنيها وأشعر حين أقلبها بين يدي أنني أحضر معرضا فنيا، ما بالك حين يجتمع مع الفن البصري، قصائد شاعر مرهف كأحمد الملا، ولأن أحمد أشياء كثيرة جدا على جميع الأصعدة دعونا نتحدث في هذه المقالة عن شعره وكلماته، هو الذي من بين كل الألقاب يريد أن يعرف بالشاعر. وأنا أقرأ قصائده هنا شعرت أنه يريد أن يضع خبرته، فلسفته، رؤيته، ذكرياته، حياته، خلاصة كل شيء في هذا الكتاب، ربما لذلك بدأ الكتاب بالاحتفاء بالحياة، في وردة الرقص. وهو كأنما يصف شعره حين يقول، على الرقة أن تسيل كالموج، وأيضا يصف معاناته مع الشعر ويقارن بينه وبين الشعراء، كل ذلك بالشعر والكلمات والغرق فيها، وهل هو يصف خلاصة تجربته في الحياة وهو يصف الفراشة، ربما، لكن، ليس عليك أن تفسر كل ما تقرأ وأنت تقرأ الشعر، جزء كبير من سحر الشعر هو غموضه وتأويلك الحر له، بما يتناسب مع شعورك وما تمر به من حالات أثناء القراءة. ليس عليك أن تكون متشائما حين تقرأ "لم يسبق لليأس أن وعد ولم يف، تلك شيمة الأمل. يمكنك فقط أن تهز رأسك بالموافقة حين تسترجع كل مواقفك السابقة مع الأمل. يهدي قصيدة إلى لاعب كرة دنماركي، ومن خلال الكرة يقدم الشعر والفلسفة. يؤمن الملا بالتجربة، بعيش الحياة، بالشك، بالوقوع في الخطأ، لا تصب هدفك أبدا، انطلق نحوه، فقط، هذه هي وصيته، الصواب موت، الوصول موت. هذا ما يقوله، أو ربما هذا ما وصلني. تمضي القصائد هكذا، تأخذك من يدك في رحلة ممتعة، وتتجول معها وأنت تشاهد الرسمات المذهلة لريم سمير البيات، التي لا يمكن اعتبارها رسوما توضيحية، فهي تملك عالمها الخاص، عالمها الذي يتحاور مع القصيدة، يلقي عليها سحرها، كأنها تتجاذب أطراف الحديث مع الكلمات، ثم تدع أثرها، وتتركك أنت تلملم كل العبير الذي يضوع في الأرجاء. ما قلته نقطة في بحر الكتاب، عليكم الباقي..