نستطيع أن نقرأ من كلمة الأميرة ريما كيف أن المرأة السعودية اليوم هي (الصوت) لنساء المنطقة ليس فقط بحضورها الثقيل والسياسي بل بحضورها الثقافي المتحضر، فالعبارات الدقيقة التي وردت في خطاب سموها لا تصدر إلا من شخصية باحثة ومتجذرة في نظريات المرأة والهوية، وهذا بكل وضوح يعكس أين ستصل بناتنا في المستقبل القريب.. إن من أبجديات النظريات النسوية الحديثة في السياق الغربي والتي تفسر وجود المرأة، هو ذلك الرأي الشهير بأن "الأنوثة وجود بيولوجي والمرأة صناعة مجتمعية"، وأنه يكفي بأن تعتبر الأنثى أو الذكر بأنها (امرأة) ليتم الاعتراف بها مجتمعيا أنها كذلك بغض النظر عن جسدها البيولوجي، وبعيدا عن الموقف الديني من هذه الفكرة فإنني استحضرها لغيابها عن النقاش المحموم والدولي الذي أثير حول اللاعبة الجزائرية إيمان خليف، والتي توجت بالذهب في الختام، تزامن مع سقوط مدوٍّ للشعارات التي تدعي التنوع ودعم حقوق المرأة بل انهيار الكثير من الرمزيات التي رافقت الحراك النسوي الداعم لأن يختار الإنسان أن يكون امرأة أو رجلا فأين ذهبت هذه المبادئ؟ لا أحد يعلم. هوجمت خليف بضراوة، بل تلقت لكمات غير أخلاقية قد لا يجرؤ مطلقوها على مواجهتها في الحلبة، هذه الشابة ذات الأداء الرياضي المبهر التي سددت الضربة القاضية بيدها في وجه العالم سلمت يمينك يا إيمان، فالذي يبدو لي أن الإعلام الدولي لا يزال بعيدا عن المفاهيم الإنسانية خاصة عندما ترتبط بالحضور العربي وأتساءل لو كانت إيمان ذات جنسية أخرى هل نالت كل هذا الهجوم؟ بلا شك: لا. وسلمت أميرتنا السيدة الحصيفة الرصينة صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر التي وقفت بشموخ وبصوت مسموع وفكر عقلاني وكانت الصوت الأوضح لإنصاف هذه اللاعبة التي انشغل الناس بجنسها عن تفوقها الرياضي ولأهمية الكلمة وضرورتها أوردها هنا كاملة كما جاءت في جلسة الختام للجنة الأولمبية الدولية: "أود أن أتقدم بالتهنئة إلى اللجنة المنظمة والدولة المستضيفة فرنسا وكل من ساهم في التنظيم الرائع لدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، لقد ألهمتمونا وفتحتم أعيننا على أمور عديدة، وعلي القول بأنني حظيت بشرف الانضمام لعضوية اللجنة الأولمبية الدولية، ليس ذلك فحسب لكنني أيضا في لجنة المساواة بين الجنسين والتنوع، وأنا أيضا أنثى مسلمة وامرأة عربية وكل ذلك سمات تجسد هويتي، ولهذا أيها السيدات والسادة لا يمكنني أن أبقى صامتة عما يتم تداوله إعلاميا بشأن إيمان خليف، أود اليوم أن أقول إنني أدعم من قلبي البيان المشترك وكل من عمل على وحدة الملاكمة لأولمبياد باريس 2024 والصادر في 1 أغسطس 2024، إن الحقائق هنا واضحة أن إيمان خليف هي امرأة ولدت كفتاة وعاشت طوال حياتها كأنثى، وعلى الرغم من هذه الحقائق الواردة في البيان المشترك فقد استمر تداول المعلومات المغلوطة التي تسببت بألم لا يقاس وهو ليس فقط أمر غير مقبول، بل هو أيضا أمر يفطر القلب، منذ طفولتها كابنة لعائلة محبة لها في الجزائر، إيمان عملت بجد وطوال حياتها لتصبح رياضية أولمبية، تتنافس أمام العالم. وهي رحلة كل من هم في هذه الغرفة يعرفون جيدا كم يتطلب الأمر من جهد وإصرار ومثابرة، وهذه هي طبيعة الأولمبيين فقد مثلت إيمان أفضل السمات والقدرات، وهذا ما يجعل الألعاب الأولمبية رائعة، لكن لا أحد يمتلك الحق في إنكار أنوثة إيمان وكونها امرأة، والاستمرار ببث المعلومات المضللة إنما هو محاولة لسلب كرامتها واستحقاقها، لذلك أنا أقف اليوم أمام هذه اللجنة الموقرة لأقول إن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر، فإن النساء الأولمبيات هن من النخب، حيث يتدربن ليصبحن الأفضل، وإن استمرار الحديث عن هذا الأمر فإنه يعد فشلا لنا جميعا، ولكن أعتقد أن هذا النقاش أصبح أهم من أي وقت مضى، فإذا استمرت اللاعبة الأنثى بالصمت فسيتم تفسير ذلك بأنها تقبل ما يقال عنها أو أنها ضعيفة، وإذا تحدثت فإنها ستوصف بأنها تأخذ موقفا دفاعيا، وأنا مؤمنة بأن الرياضيين يجب أن يركزوا فقط على أدائهم بدلا من تبرير وجودهم، لا رياضي يجب أن يتعرض للتنمر أو السخرية بسبب مظهرهم، أو أن يتم استغلالهم وإنجازاتهم وانتصاراتهم التي عملوا من أجلها طوال حياتهم كأسلحة ضدهم، لأن ما يهم هي الموهبة وليس المظهر، والموهبة لا تتحقق إلا من خلال التدريب والتضحية والالتزام، وهذه الألعاب الأولمبية هي الوقت المناسب للاحتفال بتنوعنا، بمشاركة الرياضيين والرياضيات من حول العالم. لكن النساء لا يظهرن أو يتحدثن أو يتصرفن بشكل موحد، فكل سيدة تمارس تميزها بطريقتها الفريدة، الرابط الوحيد بينهن هو الإصرار على الوصول إلى القمة، وعندما فازت إيمان بنزال مرحلة الربع النهائي جثت على ركبتيها وهي تبكي وبكت معها كل النساء اللاتي شعرن بالعزل أو السخرية أو تم إخبارهن بأنهن لا ينتمين سقطوا معها، وعندما نهضت لتقف مرة أخرى جميعهن نهضن معها، وإنني من هنا أقدم دعمي الكامل لكل أنثى تعرضت للنقد غير المبرر وتم جعلهن كموضوع، في الوقت الذي كان ينبغي أن يلمع نجمهن ويجنين الحصاد، لعامة الناس للإنسانية أطلب منكم التمعن فيما تعرضن له الرياضيات، وأسالوا أنفسكم ماذا لو كانت ابنتكم؟ أو قريبتكم؟ أو صديقتكم؟ إن لكلماتنا تأثيرا ولتصرفاتنا أثرا، لذا لا بد أن يسود الود والتعاطف والكرامة في كل مرة، وإلى كل فتاة تظن أنها خارجة عما هو مألوف، إذا رأيت مضربا أحمليه، إذا رأيت كرة قدم.. اركليها، إذا رأيت مضمارا اركضي بأقصى ما لديك من سرعة.. شكرا". نستطيع أن نقرأ من كلمة الأميرة ريما كيف أن المرأة السعودية اليوم هي (الصوت) لنساء المنطقة ليس فقط بحضورها الثقيل والسياسي بل بحضورها الثقافي المتحضر، فالعبارات الدقيقة التي وردت في خطاب سموها لا تصدر إلا من شخصية باحثة ومتجذرة في نظريات المرأة والهوية، وهذا بكل وضوح يعكس أين ستصل بناتنا في المستقبل القريب، كما استوقفتني عبارة جميلة حينما قالت "إن هذه الدورة فتحت أعيننا" وكأنها تشير للتطورات المتوقعة لواقع الرياضة في السعودية، أتفهم الغضب الاجتماعي الذي رافق ختام الأولمبياد وإننا تأخرنا في الإعداد لهذه المحافل الدولية لكن بالمقابل من المهم أن نستمر في الدعم والتحفيز لكل من يعمل في هذا القطاع الحيوي، وأن نكون أكثر واقعية في فهم وتحليل الخطابات المجتمعية الدولية والمحلية، وأن نعزز الحضور النسائي أكثر وأكثر في قطاع الرياضة، حيث إن هذا الوجود النسائي له لمسته المؤثرة ليس فقط في (الصورة) إنما في صميم المشهد، شكرا سمو الأميرة ريما على الحضور الأيقوني والجميل في كل مرة، وأعتقد أنك تعلمين جيدا تأثيرك الملهم والأخاذ في قلوب الفتيات الصغار قبل الكبار، من الأعماق شكرا، ودام وطننا متألقا بنسائه الراقيات المثقفات صانعات المستقبل وقلب الرؤية النابض.. دمتم بشغف.