وضعت رؤية المملكة 2030 على رأس أولوياتها الاهتمام بالإمدادات الغذائية وتوفير السلع الرئيسة وتعزيز المخزون الاستراتيجي للمملكة من أجل ضمان الأمن الغذائي. ولهذا تم إنشاء هيئة عامة للأمن الغذائي، التي بادرت بوضع استراتيجية، هي الآن تحت التحديث -كما يفيد موقعها الإلكتروني-. لقد تطور اهتمام المملكة بالأمن الغذائي منذ إنشاء المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق وحتى الهيئة العامة للأمن الغذائي بشكل كبير، وأصبح توجه المملكة منصب ليس فقط على توفير السلع الغذائية الأساسية كالقمح من خلال الاستيراد، وإنما أيضاً عبر إنتاجها محلياً. وهذا تطلب التنسيق مع وزارة الزراعة -التي أصبح اسمها الآن وزارة البيئة والمياه والزراعة- وذلك لإعطاء دفع للقطاع الزراعي في المملكة، حيث أنشئ لهذا الغرض صندوق التنمية الزراعية الذي احتفل العام الماضي بمرور 60 عاما على بدء عمله. وأصبحت القروض التي يقدمها هذا الصندوق أهم محرك لتطور الزراعة في المملكة. ففي عام 2022م وحده وصل حجم القروض الزراعية إلى نحو سبعة مليارات ريال. ولذلك فليس مستغرباً أن ترتفع نسبة تمويل الاستثمارات الزراعية، في الخمسة أعوام الماضية فقط، بحوالي 1000 %. إن بلدنا الآن يقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، حيث تجاوزنا النسبة المطلوبة للاكتفاء في الألبان والحليب، التي أصبحنا نصدرها للخارج وبالدرجة الأولى إلى أسواق دول مجلس التعاون. أما الدواجن فقد حققنا اكتفاءً ذاتيا تصل نسبته إلى 70 %، واللحوم الحمراء 57 %، والأسماك 60 %، ووصلت صادراتنا من المنتجات الغذائية إلى أكثر من 17 مليار ريال خلال عام 2022، ومن المتوقع وصولها إلى ما يزيد على 40 مليار ريال بحلول عام 2035. طبعاً مشكلتنا الرئيسة مع الزراعة هي الماء. فشح المياه تحد من إنتاج كل ما نحتاجه لأمننا الغذائي محلياً، ولهذا فهناك تشابه بيننا وبين اليابان مع الفارق، ف 60 % من مساحة اليابان هي عبارة عن مناطق جبلية غير ملائمة للزراعة. ولذلك لا يمكنها ضمان الأمن الغذائي لهذا البلد، الذي مؤشر الاكتفاء الذاتي فيه هو من أدنى المعدلات بين الاقتصادات الكبرى، فاليابان تعتمد على الواردات في تلبية العديد من احتياجاتها الغذائية مثل الأرز بنسبة 98 %، والفواكه 30 %، والخضروات 76 %، والقمح 15 %، ولحم البقر 10 %. ولهذا لجأت اليابان للزراعة الذكية للتعويض عن نقص الأراضي الصالحة للزراعة، وأصبحت تستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع لزيادة إنتاجيتها من المحاصيل. ولذلك تستحق تجربة اليابان الزراعية الاهتمام من قبلنا، حتى نتمكن من رفع إنتاجية كل كيلومتر زراعي مربع من أراضينا عدة مرات، فهذا من شأنه أن يعوضنا عن شح المياه، الذي يحد من استخدامنا الواسع للأراضي الزراعة.