خفض الهدر والفقد في الأغذية وإدارة وترشيد الطلب تبذل المملكة جهوداً جبارة في تعزيز الزراعة المستدامة لتحقيق الأمن الغذائي من خلال البحث والابتكار في هذا المجال، وسبق وأن أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار قائلاً: «اعتمدنا تطلعات طموحة لقطاع البحث والتطوير والابتكار، لتصبح المملكة من رواد الابتكار في العالم، وسيصل الإنفاق السنوي على القطاع إلى 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2040، ليسهم القطاع في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال إضافة 60 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040، واستحداث آلاف الوظائف النوعية عالية القيمة في العلوم والتقنية والابتكار، بمشيئة الله»، ووزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي سبق وأن أكد أهمية اعتماد نهج يجمع بين ثلاثة مسارات لتحقيق الأمن الغذائي المستدام، المسار الأول: يعمل على تمكين الزيادة المستدامة في الإنتاج الزراعي على أساس الابتكار والميزة النسبية من خلال زيادة تبني التقنيات الزراعية الحديثة والنظم الزراعية ذات الكفاءة، وتحسين خدمات وأنظمة ومؤسسات الدعم الزراعي والتمويل والرقمنة، وتعزيز استدامة الموارد الطبيعية، وتطوير سبل المعيشة الزراعية الريفية لأصحاب الحيازات الصغيرة. بنى تحتية والمسار الثاني: يتضمن تطوير البنى التحتية واللوجستية والارتقاء بسلاسل إمداد مستدامة، وتطوير سياسات وتشريعات للتجارة الحرة والعادلة والشفافة بما يضمن انسياب ونفاذ السلع الغذائية بين دولنا العربية، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص، وزيادة الاستثمار الزراعي المسؤول، وتعزيز الاستهلاك المستدام والصحي للأغذية؛ في حين يعمل المسار الثالث: على تطوير حلول مبتكرة لخفض الهدر والفقد في الأغذية وإدارة وترشيد الطلب وتنبني الأنظمة الأغذية الزراعية الدائرية، وبناء احتياطيات غذائية استراتيجية مستدامة استنادًا إلى السوق ونظم الإنذار المبكر، أطلقت المملكة عدة مبادرات تنسجم مع رؤية المملكة 2030 بشأن تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والحفاظ على إمدادات الغذاء، ومواجهة تحديات التغير المناخي وندرة الموارد المائية، لتسهم بتحسين مؤشرات الأمن الغذائي، وقطعت المملكة أشواطاً كبيرة لتعزيز أمنها الغذائي، عبر إطلاق مبادرات متعددة تعنى بالأمن الغذائي، متضمنة خططاً واضحة الأهداف ومحددة المعالم، إضافةً إلى مواصلة دعم بعض السلع الرئيسة مثل: القمح، وتعزيز مشروع المخزون الاستراتيجي، ووضع خطط الاستجابة الوطنية للطوارئ في هذا المجال. نمو مستقبلي ويعد قطاع الزراعة أحد أكثر القطاعات حيوية في العالم، ويرى وكيل وزارة للزراعة م. أحمد الخمشي ازدياد أهمية هذا القطاع مع التغيرات والتحديات العالمية المتجددة، ويمس قطاع الزراعة العالم بأسره فهو القطاع المعني بتوفير الغذاء، والحفاظ على المجتمعات الريفية، وإدارة الغالبية العظمى من الأراضي الزراعية، كما يمتد إلى إدارة الثروتين الحيوانية والسمكية، وفي مملكتنا الحبيبة، يؤدي القطاع الزراعي أدواراً اقتصادية واجتماعية مهمة، حيث يسهم القطاع بما نسبته 4.3 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ويعمل به ما يقرب من 350 ألف شخص، وهو يشكل أحد الأسس للنمو المستقبلي للمملكة، وأحد أهم محاور رؤية المملكة 2030، ولهذا القطاع خصوصيته في بلادنا الغالية، حيث تؤثر الظروف البيئية القاسية وغير الملائمة، مثل: شح المياه وحرارة الطقس في عملياته ومخرجاته. إصلاحات تنظيمية وإدراكاً من حكومتنا الرشيدة لأهمية هذا القطاع القصوى في الأمنين الغذائي والمائي فقد التزمت حكومة المملكة بدعم هذا القطاع بشتى الطرق، فأجرت إصلاحات تنظيمية متعددة لخلق بيئة مستدامة تحفّز على النمو، وأعادت هيكلة القطاع بما يخدم الطموحات الوطنية، وقد أسفرت هذه الإجراءات عن عدد من الإنجازات بما في ذلك الانخفاض الكبير في استخدام المياه الجوفية غير المتجددة، حيث انخفض من 19 مليار متر مكعب في عام 2015م إلى نحو 10 مليارات متر مكعب في عام 2022م، وتجاوز معدل الاكتفاء الذاتي من السعرات الحرارية 50 % في عام 2022، وهو ما يمثل قفزة كبيرة في طريق تحقيق أمننا الغذائي. هيكلة القطاع وركزت وزارة المياه والبيئة والزراعة خلال السنوات الماضية على الإصلاحات التنظيمية، وإعادة هيكلة القطاع بما يتناسب مع التطلعات المستقبلية ضمن رؤية المملكة 2030 والتي أسهمت في تطور القطاع، وستستمر بذلك -بإذن الله- لتحقيق الطموحات والمستهدفات الوطنية، وتؤمن الوزارة أن قطاع الزراعة قد أصبح أكثر استعداداً للاستفادة من الحلول المبتكرة التي تقدمها التقنيات الحديثة للمزيد من الإنتاجية والمرونة، كما تدرك الوزارة أن هذا النهج قادر -بحول الله- على تحويل التحديات القطاعية إلى فرص تساهم في الوصول إلى مستوى أعلى من الأمن الغذائي والمائي. خارطة طريق وتعمل وزارة البيئة والمياه والزراعة على خارطة طريق لتبنّي التقنيات المبتكرة في قطاع الزراعة لتؤكد التزام وزارة البيئة والمياه والزراعة بتسخير الابتكار للارتقاء بالقطاع، وذلك بتطوير رؤية استراتيجية لدمج التقنيات المتطورة في الممارسات الزراعية ووضع معايير جديدة للكفاءة والاستدامة والإنتاجية، وبينما نتطلع إلى الفترة المقبلة بكل طموح وتفاؤل، فإن خارطة الطريق هذه ستكون بمثابة دليل استرشادي لتوجيه جهود الوزارة وجميع الجهات الفاعلة في القطاع الزراعي في مجال التقنية والابتكار، ولتحدث النقلة المنشودة نحو قطاع زراعي مستدام ومزدهر. خطط واستراتيجيات وحقق الناتج الزراعي في المملكة خلال الأعوام الماضية ارتفاع في حجم القطاع بقيمة بلغت مليارات الريالات مسجلًا أعلى نمو في أكثر من خمسة أعوام، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 3 تريليونات ريال في الأعوام الماضية، وتؤكد وزارة البيئة والمياه والزراعة أن هذا النمو يأتي نتيجة لتنفيذ الوزارة لخطط واستراتيجيات وفقًا لأهداف رؤية 2030م، وفي كل عام ينخفض عجز الميزان التجاري الزراعي بسبب انخفاض الواردات الزراعية خلال الأعوام الماضية، وذلك نتيجة تبني الوزارة لخطط واستراتيجيات زراعية مرنة أسهمت في دعم المحتوى المحلي وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي، ومنها استراتيجية الأمن الغذائي، وبرنامج التنمية الريفية، بالإضافة إلى اعتمادها على الابتكار والتكنولوجيا لتحسين الإنتاجية وكفاءة استخدام الموارد الطبيعية والمدخلات الزراعية، لتعزيز النظم الزراعية والغذائية المستدامة والشاملة وتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية المملكة 2030م. برامج الدعم وهذا التطور في مساهمة القطاع الزراعي، يأتي نتيجة لبرامج الدعم التي تم توجيهها لتحفيز القطاع الزراعي للوصول إلى المستهدفات التي وضعتها الاستراتيجية الوطنية للزراعة، وطرح عدد من الفرص الاستثمارية؛ لتعزيز إنتاجية القطاع الزراعي، وتوفير المنتجات الغذائية ذات الميزة النسبية في الأسواق المحلية، وكل هذا أسهم في تحقيق المملكة نسبًا مرتفعة من الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتجات الغذائية، ومنها المنتجات الحيوانية كالحليب، وبيض المائدة، ولحوم الدواجن، والأسماك، واللحوم الحمراء، والمنتجات النباتية والمحاصيل الزراعية مثل: التمور والخضروات والفواكه. توازن صحي وحول جهود المملكة في مجال البحث والابتكار الزراعي يقول وكيل الوزارة للبحث والابتكار د. عبدالعزيز المالك: «أولت المملكة اهتماماً لافتاً بالتقنية والابتكار في شتى القطاعات الحيوية، حيث أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، عن التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في المملكة للعقدين المقبلين، والتي تستند إلى أولويات رئيسة منها استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية؛ وذلك لحرص المملكة على توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان من الماء والغذاء بشكل مستدام من خلال تطوير تقنيات صديقة للبيئة لتوفير المياه وتحليتها، وتقنيات حديثة ومستدامة لإنتاج الغذاء وزيادة المساحات الخضراء، وتنبع الحاجة الملحة لتبني التقنية والابتكار في القطاع الزراعي في المملكة من ضرورة خلق توازن صحي بين زيادة الإنتاج الغذائي الضروري لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي المقابلة النمو الاقتصادي المطرد، وخفض عجز الميزان التجاري الزراعي، مع ضمان استدامة الموارد المائية الشحيحة على المدى الطويل وعدم الإضرار بالبيئة المحلية». خطة مؤسسية وأوضح د. المالك أنه استشعاراً من المملكة لأهمية تبني التقنية والابتكار، استحدثت وزارة البيئة والمياه والزراعة وكالة للبحث والابتكار ضمن هيكلها التنظيمي لتفعيل دور الوزارة ضمن الإطار المؤسسي ونموذج الحوكمة الوطني لقطاع البحث والتطوير والابتكار، وقامت بتطوير خطة مؤسسية تنفيذية للبحث والابتكار لجعل منظومة البيئة والمياه والزراعة أكثر المنظومات استعداداً وقدرة على احتضان التقنيات والممارسات المبتكرة وتطويرها، وأحد أهم مكونات هذه الخطة -والذي هي محور تقريرنا هذا- هو نطاق التركيز الاستراتيجي الموجه نحو تبني الحلول التقنية المبتكرة ذات الأولوية لسد الاحتياجات في القطاع الزراعي، والذي سيشكل بوصلة للتدخلات والمبادرات المؤسسية لضمان التوجيه الأمثل للجهود والموارد. تحليل الطلب وذكر د. المالك أنه اتبعت وزارة البيئة والمياه والزراعة منهجية مصممة بدقة لتحليل الطلب وحصر الإمدادات المتوفرة من الحلول الابتكارية الأكثر أهمية للقطاع الزراعي، والتي يجدر التركيز عليها على المدى القصير والمتوسط، وفصلت مراحل تبنيها ونشرها على نطاق واسع في خارطة طريق لتبني التقنيات المبتكرة في القطاع الزراعي بالمملكة، واعتمدت تلك المنهجية على عدد من المعايير، منها؛ الأثر المتوقع لنشر التقنية وقدرتها على معالجة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي وسهولة تبنيها، مع التركيز على التقنيات الأكثر نضجاً وجاهزيتها للنشر على نطاق واسع في القطاع بعد تجريبها وتكييفها بما يتناسب مع الظروف المحلية، مبيناً أنه طورت هذه الخارطة بالتكامل والتعاون والدعم من مختلف أصحاب المصلحة، وبما يتوافق مع الاستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بقطاعات البيئة والمياه والزراعة وقطاع البحث والتطوير والابتكار، وقد ساهم في هذه العملية العشرات من صانعي السياسات والخبراء المختصين في الابتكار الزراعي. فرص واعدة وأكد د. المالك على أن الغرض من نشر هذا التقرير هو اطلاع جميع الجهات الفاعلة في منظومة الزراعة من شركات رائدة وناشئة، ومراكز بحث وتطوير، ومنظمات غير ربحية، بالتوجه الاستراتيجي للوزارة في هذا القطاع لمساعدتهم في اتخاذ قراراتهم، وتطوير خططهم وسياساتهم الخاصة، مستنيرين بالفرص الواعدة الواردة لتضمين التقنية والابتكار في عملياتهم ومنظوماتهم، مما سيكون له أكبر الأثر -بإذن الله- في الارتقاء بالمنظومة الزراعية الوطنية، مشيراً إلى أن الدول أولت اهتمامًا كبيراً بتنمية قدراتها التقنية والابتكارية، حيث إنها عامل تمكين رئيس للنمو الاقتصادي المستدام، كما أنها تساعد على زيادة تنافسية مختلف القطاعات الاقتصادية وإنتاجيتها، وقد توفر حلولاً ناجعة للعديد من التحديات الملحة. يؤدي القطاع الزراعي أدواراً اقتصادية واجتماعية مهمة م. أحمد الخمشي د. عبدالعزيز المالك تعزيز الاستهلاك المستدام والصحي للأغذية دعم المحتوى المحلي وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي تشغيل التقنيات الحديثة في مجال الزراعة المحمية