الأولمبياد السعودي بحاحة لتعديلات جوهرية جامايكا نموذج ناجح ونملك الإمكانات التي تصل بنا للذهب بما لا يدع مجالاً للشك نعيش اليوم زمناً تجاوزنا فيه مفهوم كون الرياضة عامل ترفيه وأمراً ثانوياً في حسابات الدول، بل تعد اليوم الرياضة من القوى الناعمة الفاعلة التي تستطيع الدول التعبير فيها عن نجاحها وتفوقها وبناء صورة ذهنية تعكس ثقافة الرياضة المجتمعية في دولة ما وقوة مؤسساتها في عملية التكوين وتأسيس الرياضيين في أعمار مبكرة وصناعة أبطال يمكن تقديمهم كقدوات وأناس ملهمين في هذا المجال، والمجال واسع كأمثلة في هذا الجانب لدول بدون رياضييها لم يكن العالم ليعرف عنها شيئاً ولعل أبرز مثال أولمبي هو جامايكا الجزيرة التي تبلغ مساحتها 11 ألف كم فقط ولا يتجاوز عدد سكانها 3 ملايين نسمة، لكنها قدمت للعالم يوسين بولت ويوهان بليك واسافا باول واشلي فريزر، وعديد الرياضيين الملهمين في مجالهم والذين عكسوا صورة حضارية ورياضية جيدة لهذا البلد. كيف تصنع بطلاً أولمبياً؟ أطلقت جامايكا برنامجاً مدرسياً يدعى تشامبس أو الأبطال، وجوهر هذا البرنامج هو صنع قاعدة رياضية مدرسية ممتازة يُكتشف من خلالها الأبطال ويتم تأهيلهم، ويقول عن ذلك الكاتب ريشتارد مور في كتابه الذي أصدره عن سيطرة جامايكا على سباقات السرعة «لا يمكن أن تجد يوماً رياضياً مدرسياً أفضل مما يحصل في جامايكا، التنافس قوي والأمر يعني الكثير للجميع لأن ما يقومون به هو أول خطوة نحو نجومية العالم»، ويشترط المنظمون أرقامًا محددة للرياضيين في المدارس من أجل خوض التجارب التأهيلية الوطنية التي تقام كتقليد سنوي نهاية مارس من كل سنة، حيث ترسل 120 مدرسة أفضل رياضييها للمشاركة في المنافسات التي تقام في الاستاد القومي المتسع لنحو 35 ألف متفرج وتستمر خمسة أيام ويبثها التلفزيون الوطني، ويعتبر هذا التقليد السنوي بمثابة مدرسة لتخريج الأبطال الجامايكيين الذين يتحدثون عن قيمة خوض مثل هذه الاختبارات أمام مدرجات ممتلئة في سن صغير وكيف تسهم لاحقاً في تلاشي الضغط في الدورات الأولمبية والتظاهرات العالمية. عوامل صناعة بطل أولمبي متشعبة ولكن لإرجاع الأمر لأصله تحتاج أولاً قاعدة ممارسين جيدة ثم مؤسسات قادرة على الاستثمار في هذه القاعدة بشكل صحيح لتصبح لاحقاً حالة ثقافية عامة واعتيادية كما استعرضنا في نموذج جامايكا. * نملك لبنة أساسية الرياضة السعودية تعيش أفضل عصورها بالاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة ممثلة بسمو سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، لم تعرف الرياضة عصرًا أكثر اهتماماً بالرياضة وحجم الاستثمار فيها مما نعيشه منذ منتصف العقد الماضي، وكون الدولة تهتم بالقطاع الرياضي اهتماماً منقطع النظير فهذا معطى مهم جدًا للنجاح وهو اللبنة الأساسية برأيي، وواحد من أشكال الاهتمام هو استحداث الأولمبياد السعودي الذي شهد إقامة نسختين ونستعد للنسخة الثالثة أكتوبر المقبل. لكن هناك عوامل مساعدة مفقودة تتمثل في ضعف الثقافة المجتمعية تجاه الرياضات المختلفة وهذا أمر أثر بشكل مباشر على عدة أمور حيوية أهمها الحصة المدرسية التي باتت تركز بشكل شبه دائم على كرة القدم وتهمل باقي الرياضات وأنتجت أجيالاً لا تعرف رياضة سوى كرة القدم، وهذه الأجيال تعيش في مجتمع إعلامياً أو جماهيرياً لا يتحدث سوى عن كرة القدم، هذه البيئة من الصعب أن تنتج أبطالاً أولمبيين ولتغيير المعادلة تحتاج أولاً تغيير الثقافة وتغيير نوعية الطرح وإبراز نماذج تلهم الأجيال القادمة ثم تعمل بشكل مؤسسي على الاستفادة من الرياضة المدرسية وربطها بالأولمبياد السعودي الذي يحتاج تعديلات جوهرية أهمها المسائل العمرية لأن الهدف بات فيه ربحياً أكثر من كونه صناعة أبطال، بالشكل الحالي للأولمبياد السعودي قد تكون ساهمت بتحسين الرياضة المجتمعية لكن لن تصنع أبطالاً أولمبيين إلا بتعديل قواعد المشاركة والاستفادة من تظاهرة مثلها ومن دعم الدولة السخي لهذا البرنامج وذلك من خلال تقنين الأعمار المشاركة في الألعاب التي تستهدف صنع أبطال فيها. ختاماً نملك في المملكة العربية السعودية اتساعاً جغرافياً وتنوعاً ثقافياً ثميناً، وهذا أمر يمهد لصنع أبطال في عدة رياضات مختلفة، ونملك أيضاً مرتكزاً دينياً تجاه بعض الرياضات (الفروسية - الرماية - السباحة)، ونملك موروثاً ثقافياً تجاهها حيث تعتبر هواية لشريحة ليست بسيطة من المجتمع، أضف لكل ما سبق النهضة الرياضية التي توليها الدولة تجاه هذا القطاع، تقريباً نملك أركاناً كثيرة للنجاح وبحاجة فقط لمؤسسات تمنهج كل ما سبق وتستفيد منه على أرض الواقع مع طرح إعلامي مختلف يظهر قيمة أحداث مثل الأولمبياد وقيمة أن تكون بطلاً فيها وتمثل بلدك في محافل بهذا الحجم. وزير الرياضة مع نجوم الفروسية الوفد السعودي في باريس الفارس رمزي الدهامي السباحة مشاعل العايد السباح زيد السراج ينتظره مستقبل باهر الفارس عبدالرحمن الراجحي بقلم - ماجد الشيباني