المسرح نافذة خلاقة تلتقي فوق خشبته الأشياء والحكايات والتناقضات، تشتعل فوقه الصراعات، وينبجس الوعي، وتتشكل الرؤى، وبه تصنع الأمم الواعية الغد، قد تكون هذه العبارة التقريرية مدخلاً ملائماً للولوج إلى عمق العرض المسرحي «للنساء فقط» الذي افتتح ليالي الباحة المسرحية بعرضها الأول بتنظيم أمانة الباحة بالشراكة مع فنون وثقافة الباحة وبإشراف الفنان «عمر الغامدي». العنوان عتبة القراءة الأولى جاء وكأنه يقرر أن النساء هم الأكثر تعلقاً بها ما يجعل الاحتدام شائكاً من اللحظة الأولى للعرض. ومنذ المشهد الأول يقحم الممثل عبدالله آل حيان (سلطان) المتلقين في الحدث بمكالمته الهاتفية مع صديقه التي تدور المكالمة حول تجهيز مقر البث المباشر فيما الأب «محمد الزهراني» يفتقد لزوجته «ريم الغامدي» المشغولة عن تجهيز إفطاره باتصال خارجي يدغدغ أحلامها بالمزيد من الشهرة والثراء لتترك أمر تدبير شؤون زوجها والمنزل للعاملة المنزلية (بسمة صلاح). تحتدم المشكلات -داخل هذا المنزل المنكوب بهوس التقنية - بشكل متسارع؛ فالابن (بندر) غارق في عالم الموضة، والأم الاتكالية هاجسها الأوحد المودل من أجل ظهور على مقاس «الفانز» بل ويصل بها الهوس إلى درجة أنها «أون لاين» على مدار الساعة، حديثها موجه ل»متابعيني اللي وحشوني». وهي ومستعدة أن ترسل عنوانها أين هي، وحين تشكيل السفرة وترتيبها لا تسمح لأسرتها أن يقتربوا من مائدة الطعام قبل أن تقوم بتصويرها وإرسالها متفاخرة أمامهم بما ارتدوه من ملابس وما على سفرتهم من طعام. هذا الحال المائل يربك حياة الزوج المنزعج من وضع أسرته المهترئ، يرفض هذا الواقع، لكن رفضه لا يتجاوز التأكيد على كذب ستريكات زوجته وأبنائها، حيلته الوحيدة: يولول في أرجاء البيت محاولاً فضح واقع البيت بذكر الحقيقة؛ حيث اسم زوجته ما كان إلا «عيدة» قبل استبداله ب»ريم» من أجل المتابعين، والسفرة يتم تأمين أطباقها عبر الأسر المنتجة. أما سلطان فيفكر في السفر إلى مدينة لا يجيد نطق اسمها تقليداً للأصدقاء، و»بندر» لا يشغله أكثر من جديد الكاجوال وما تهب به رياح الموضة، يشتكي الزوج أن منزله وخصوصياته باتت مشاعاً للكل، لا تجدي النصائح والتوجيهات في ظل تغلغل ثقافة كهذه وتمكنها منهم فيضطر لركوب «موجة البثوث « بحثاً عن مزيد من «التكبيس» كما هو حال كل أفراد الأسرة، لكن هذا التصرف من الأب ترفضه الأسرة وتجد فيه عواراً وعبثاً وإساءة لاسمها المشهور، الجميع يشعر بالخجل من الوالد، حينها ينقلب الأب على أسرته بأن الخجل أصابه قبلهم. زاد خجل الأسرة من ابن العم عويد الذي جاء من القرية وفي عالمه حكاية وحيدة بطلها أغنامه شاة نفقت وأخرى ولدت فخلع عليها اسم عمه من فرط محبته لعمّه، والشاة في حالة ساخرة تبرز الهوة الشاسعة بين الاهتمامات. إمكانات المسرح الضعيفة خذلت كثيراً المخرج سلطان عبدالرحمن في مواءمة تأثيث الفضاء مع الحالة النفسية للشخصيات وما تبدو عليه من قلق وتوتّر واضطراب وحيرة وتعب، وغاب المؤثر الضوئي المناسب الذي يصعد بالحدث إلى حالة العزلة والجمود والانغلاق والتفكك الذي وُضعت فيه الشخصيات، ومع ذلك نجح نجوم العرض في خلق حالة تواصل مع الجمهور الذين اكتظت بهم قاعة العرض من مختلف الأعمار فيما كانت المؤثرات الصوتية الموظفة بشكل مثالي قادرة على فرض حالة من الإيقاع العالي طوال مدة العرض الذي استمر زهاء الساعة. القدرات الأدائية للممثلين كان لها دور كبير في صناعة وجبة مسرحية لذيذة كانت أشبه بالصرخة في وجه التفاهة. قراءة - ناصر بن محمد العُمري