أمير عثماني يروي ل "الوسط" ذكريات التهجير والمنفى، من سقوط الامبراطورية الى الاقامات المتعثرة في مدن اوروبا الى الاستقرار في احدى ضواحي لندن، حكايات وتواريخ حية حدثنا عنها عمر فتحي سامي او "البيك زاده" ملوحاً بيده حيث في اصبعه خاتم جده السلطان عبدالمجيد ابرز حكام العالم في القرن التاسع عشر، وعلى الخاتم قرأنا الطغراء المشهورة. "البيك زاده" واحد من قلة تذكر مجداً غارباً، وهو في هذا اللقاء يروي ذكريات العائلة والطفولة والشتات ومعاني انهيار الامبراطورية العثمانية، جالساً تحت صور سلاطين آل عثمان وقصورهم وقصيدة رثاء بخط حامد الآمدي. وفي ما يلي حديث "البيك زاده": * نبدأ بالتعرف على الولادة والأهل. - ولدت في سراي بالطاليمان في اسطنبول عام 1909م، وقد اصبحت السراي مستشفى، بعد ترحيلنا. والدي هو عبدالرحمن سامي بن نجيب باشا ابن سامي باشا بن الشيخ نجيب، ووالدتي: بيه وستة "PEY VESTE" دولت خان، ووالد والدتي من شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل اوكرانيا حالياً، وروسيا سابقاً. * ما درجة قرابتك لآل عثمان؟ - ان ام والدي هي: مديحة سلطان، بنت السلطان عبدالمجيد - و أرانا خاتم السلطان عبدالمجيد في اصبعه وقد وصله بالوراثة، وعليه طغراء السلطان - ولمديحة سلطان، أربعة اخوة من السلاطين هم: مراد الخامس 21/9/1840 - 29/2/1918 ومحمد رشاد الخامس 3/11/1844 - 3/7/1918 ومحمد وحيدالدين السادس 2/2/1861 - 15/5/1926. وابن عمها من الخلفاء هو عبدالمجيد الثاني 29/5/1868 - 23/8/1944. السفينتان الالمانيتان * ذكريات الطفولة؟ - ابعد ذكريات الطفولة، مشهد السفينتين الحربيتين الألمانيتين، عندما عبرتا مضيق البوسفور، الى البحر الاسود، وهما ترفعان العلم العثماني، ثم قصفتا احد الموانئ الروسية فأعلنت روسيا الحرب على الدولة العلية العثمانية، وخدع قادة الجيش، وورطوا البلاد ظانين ان المانيا ارسلت لهم هدية، ولم يدركوا الخدعة الا بعد فوات الاوان: ينازي باشا 1873 - 1912، والثلاثي المتآمر أنور باشا 1882 - 1922، طلعت باشا 1872 - 1921، جمال باشا 1872 - 1922، قادة الاتحاد والترقي. كاد والدي يجن من هول الخدعة، فاجتمع مع السلطان رشاد وطلب منه الخروج من الحرب. فرد السلطان: ان انور باشا ذهب الى المانيا وشاهد قواتها الضاربة، وهو متأكد ان الجيش الالماني سيربح الحرب. وكانت النتيجة عكس ما توقع انور باشا، فخسرت الدولة العلية الحرب، وصدق ظن والدي. تلك الحادثة من اقدم الذكريات. * أين تعلمت وكيف كانت دراستك؟ - بدأت دراستي في السراي حيث كنا نسكن، وخصصت غرفة كمكتب منزلي، وقام على تعليمنا انا واخوتي علماء افاضل، واقتصرت الدروس على مبادئ اللغة ثم القرآن الكريم تلاوة وتفسيراً، ثم الحديث النبوي، ثم العقائد الدينية على الشيخ توفيق افندي، وعندما بلغت الحادية عشرة التحقت بمدرسة "غلطة سراي" في اسطنبول، حيث تعلمت مبادئ الاسلام والعقائد الدينية، وتلاوة القرآن وعلوم الشيخ توفيق افندي ايضاً، والتاريخ والجغرافية نظيف بك، واللغة الفرنسية السير بيركلس، باعتبار اللغة الفرنسية لغة الثقافة في العالم، وكنا نتعلم اللغة العربية واللغة الفارسية اضافة الى اللغة العثمانية، نهض وأحضر صورة تذكارية لطلاب جمعية الكشاف، في مدرسة "غلطة سراي" تضم صورته مع رفاقه. * اخوتك؟ - اكبر اخوتي: محمد بهاء الدين، ولد سنة 1903م، وما زال حياً يقيم في لندن، وهو عازب لم يتزوج. وأحمد ركن الدين، ولد سنة 1905م، وتوفي في لندن سنة 1978م. وقد توفي عازباً. ومصطفى صاحب، ولد سنة 1906م وتوفي في لندن سنة 1982م. وقد توفي عازباً ايضاً. وخديجة كولستو، ولدت سنة 1908م. وفاطمة كاموران، ولدت سنة 1912م في اسطنبول وما زالت تعيش في لندن، ولم تتزوج. ولي اخ من والدي اسمه محمود، وأمه: ديل نيكار، جركسية، ولد محمود في جنوى في ايطاليا سنة 1925م وهو يعيش الآن قرب رادينج في انكلترا، وزوجته ايرلندية، وله منها اولاد هم: مصطفى متزوج ومقيم في انكلترا، اكرم عمره حوالي 31 سنة وهو عازب، وملك عمرها حوالي 30 سنة وهي عازبة. * وضعيتك بين العائلة؟ - انا الخامس بين اخوتي، وقد تزوجت في 5 آذار مارس 1939 من السيدة فرانس ماري اندريه سو وهي فرنسية من مدينة مانتون وانجبنا ابنة واحدة اسمها، ليلى مديحة، ولدت سنة 1955، وتزوجت اخيراً رجلاً انكليزياً مسلماً، وانجبا ولداً اسمه: اورخان سامي، وعمره الآن اربعة اشهر، وهم يقيمون في مارلو في انكلترا. لقد علّمت ابنتي حتى انهت الدراسة الجامعية في الأدب الفرنسي، في جامعة برمنغهام، وهي تتقن الانكليزية والألمانية اضافة الى الفرنسية، لقد شجعتها على تعلم اللغات، كنت آمل ان تخدم بلادنا الحبيبة، كنت آمل ان نعود الى بلدنا اسطنبول. لكننا بقينا هنا. وطالت ايام الغياب من دون امل بالعودة. وحالنا كحال المهجرين المسلمين وما اكثرهم. * وماذا تعرف عن جدك نجيب باشا؟ - لقد توفي جدي حينما كان عمر والدي ثلاث سنوات. ولد سنة 1271ه/ 1855م وتزوج في 19 جمادى الثانية سنة 1296ه - /8/6/1879م، وتوفي في رمضان سنة 1302ه/ تموز 1885م. * وهل تزوجت مديحة سلطان بعد وفاة جدك؟ - نعم لقد تزوجت، مع الأسف !!! لقد كانت شابة من مواليد 30/7/1856م، وتزوجت من فريد باشا في 30/4/1886م. * كيف تم زواجها؟ - قرر اخوها السلطان عبدالحميد الثاني ان يزوجها، وأرسل لها خبراً مفاده، ان عليها ان تتزوج فلا رهبانية في الاسلام، والشريعة تقضي بزواجها، وأرسل اليها صورتين، من صور طالبي يدها، ولها حق الاختيار، فاختارت فريد باشا، لأنه صديق زوجها نجيب باشا وزميله اثناء الدراسة في جامعة السوربون في فرنسا. حضر العريس صفر اليدين، يتأبط حقيبة لا غير، ودخل السراي، وأصبح الباشا باشا. كانت مديحة سلطان قوية الشخصية، وعالية الثقافة، وكانت تتقن العزف على البيانو. وقد بذّر فريد باشا ما لا يحصى من اموال جدتي، باع المجوهرات، وصرف المال على رحلاته السياحية الى اوروبا. لقد دمر العائلة مادياً. انني اكره ذلك الرجل الدخيل المسرف. كما ان والدي - رحمه الله - كان يكره فريد باشا، بسبب سلوكه المخالف لسلوك الاسرة. آخر السلاطين * ماذا عن ايام الهجرة والتهجير؟ - تنهد عمر فتحي سامي، ثم اطرق لحظة - كمن يحاول استرجاع ما مضى - ثم قال: نعم!!! انها ذكرى محزنة، واستعادتها محزنة ايضاً، لقد غادرت جدتي وزوجها ووالدي اسطنبول من ميناء "سركجي" الى مدينة مانتو "MANTON" الفرنسية ثم التحقنا بالوالد. كان ذلك في 22 ايلول سبتمبر سنة 1922م من اسطنبول الى مالطا الى نابولي الى مانتون، وقضينا ثمانية اشهر، ثم رحلنا الى مدينة "قابداي" "CAP D"AIL". وفي سنة 1923م توفي فريد باشا، فغادرنا فرنسا الى مدينة سان ريمو الايطالية، لنلتحق بالسلطان محمد وحيد الدين محمد السادس الذي هجّر من اسطنبول، واقمنا مع السلطان في "فيلا نوبل" "NOPEL". حينذاك سافر السلطان وحيدالدين الى مالطا، ومنها الى مكةالمكرمة، التقى الشريف حسين الذي طلب من السلطان ان يبايعه بالخلافة باعتباره خليفة المسلمين، فرفض السلطان الخليفة محمد وحيد الدين ذلك، وقرر التوجه الى مصر ضمن اطار جهوده المبذولة بغية الحفاظ على الخلافة الاسلامية. موقف الملك فؤاد لم يكن افضل من موقف الشريف حسين، اذ منع الملك فؤاد الخليفة محمد وحيدالدين من دخول مصر، فتوجه الخليفة مضطراً الى ايطاليا، حيث ابدى الملك الايطالي: فيكتور عمانويل الثالث 1869 - 1947 استعداده لاستقبال الخليفة والسماح له بالاقامة في ايطاليا، وقد استقبله بالفعل استقبالاً رائعاً، وشاهدت بنفسي ملك ايطاليا اكثر من مرة، وأذكر قوله للخليفة: "انا عندي خمسة قصور، يمكنكم ان تقيموا في اي قصر تشاؤون من دون مقابل". شكره الخليفة محمد وحيدالدين على حسن صنيعه، واستأجر فيلا نوبل في سان ريمو. حينما كنا في فيلا نوبل نلعب البلياردو انا وأرطغرل ابن السلطان محمد وحيدالدين دوّى في الطابق العلوي صوت مسدس، صعدنا على السلالم، وفوجئنا: لقد انتحر الدكتور رشاد باشا - الطبيب الخاص للسلطان محمد وحيدالدين مدة عشرين سنة - انتحر الدكتور رشاد باشا، وترك رسالتين احداهما خاصة بأسرته، والثانية للسلطان، كتب فيها: "سلطاننا وخليفتنا العزيز، سامحني، لقد اخطأت حينما اقنعتك بالحضور الى هنا، لقد خدعوني، لذا قررت الانتحار، لأضع حداً لحياة احد المخدوعين. خادمكم رشاد". تسليم اسطنبول الى اليونان؟ ان السلطان محمد وحيدالدين هو الذي ارسل مصطفى كمال الى الأناضول، وزوده بالمال والسلاح، وحاول الالتحاق به مرتين، ومنعه الانكليز من مغادرة اسطنبول الى الاناضول، لأن ذلك يحبط خططهم الرامية الى تجريد الخلافة من كل وسائل الاستمرار. وهددوه بتسليم اسطنبول الى الجيش اليوناني اذا ما التحق بالأناضول. جمعنا والدي قبل معركة سقاريا بمدة شهر ونصف، وقال: غداً سنذهب مع السلطان الى الحرب في الساعة السادسة صباحاً ان شاء الله. ولكن ذلك لم يحصل، ففي الساعة الرابعة صباحاً، داهمنا قائد الاسطول الانكليزي سير هوارس رامبولد "RUMBOLD" فاعتقل والدي واقتاده الى قصر يلدز، ليتولى الترجمة بين السلطان وقائد الاسطول، وموجز ما قال قائد الاسطول: ان لديه معلومات عن نية السلطان التوجه الى الاناضول لاعلان الجهاد ضد الاعداء، ووجه قائد الاسطول تهديداً للسلطان قائلاً: اذا ذهب السلطان الى الاناضول، فان الاسطول الانكليزي سيغادر اسطنبول ويسلمها الى اليونان مع ما يمكن من البلاد العثمانية، وشدد الانكليز الرقابة على السلطان، وأفراد الحاشية. كان السلطان يظن ان انتصار القوات في الاناضول بقيادة مصطفى كمال، هو انتصار للخلافة العثمانية. ولكن الرياح جرت على غير رغبة البحارة. لقد خلع السلطان وحيدالدين في /11/ رجب/ 1341ه 1/11/1922م، واجبر على الهجرة في /27/ رجب /1341ه 17/11/1922م. وألغيت السلطنة، وبويع عبدالمجيد الثاني بن السلطان عبدالعزيز، بالخلافة من دون السلطنة، ثم الغيت الخلافة نهائياً في /26/ رجب/ 1342ه /3/3/1924م، وهكذا طويت اعلام الخلافة العثمانية الاسلامية، ونشرت رايات العلمانية، ثم الغيت الحروف العربية وحلّ محلها الحرف اللاتيني سنة 1928. بقينا في فيلا نوبل، وانتقل السلطان محمد وحيدالدين الى "فيلا مانيوليا" وفيها توفي في 3 ذي القعدة 1344ه /15/1926م، فحزنا عليه كثيراً، اذ كان لنا بمثابة الأب، وكنا نخاطبه: داي بابا: الخال الوالد. لقد كان يرعانا، وآلمنا ما عاناه من الفقر، حيث افلس، واستدان، ولما توفي، منعت الشرطة دفنه قبل تسديد ديونه، وبقي التابوت محجوزاً مدة خمسة عشر يوماً، حتى حضرت ابنته صبيحة سلطان من سويسرا، وسددت ديونه هي وزوجها فاروق ابن الخليفة عبدالمجيد الثاني، وقد باعت ما لديها من مصاغ وباعت حلق اذنيها ايضاً لتسديد ديون والدها، وبعد ذلك سمح بنقل التابوت الى سورية، حيث دفن في مقبرة آل عثمان في جوار التكية السليمية. غادرنا فرنسا الى ايطاليا للاجتماع بالسلطان محمد وحيدالدين، لكننا أصبنا بالاحباط بعد وفاته - رحمه الله - فعدنا الى فرنسا سنة 1345ه/ 1927م فأقمنا في مدينة مانتون MANTON، ثم غادرناها الى قابداي. وفي سنة 1355ه/ 1936م رحلنا الى مدينة كان الفرنسية، ولما بدأت الحرب سنة 1940م، قررنا الالتحاق بالجيش التركي ولكن قرارنا جوبه بالرفض من قبل الجمهورية التركية. عندما خسرت فرنسا الحرب، خاف والدي ان نجنّد ضد تركيا فقرر السفر الى انكلترا. وركبنا احدى السفن، واستمرت رحلتنا 14 يوماً، قضينا منها سبعة ايام من دون طعام، وقد توفيت زوجة ابي المرحومة، ديل نيكار، ام اخي محمود المولود سنة 1343ه/ 1925م، من شدة الجوع، فقذفها البحارة في البحر، وانخرطنا في بكاء جماعي وتابعت السفينة طريقها حتى ارست في ميناء ليفربول "LIVERPOOL" ثم حضرنا الى لندن. تمر السنون، ومع مرورها تطوى صحف وتنشر صحف اخرى، تطوى صحف حياة ابناء اسرتنا الغرباء، بعيداً عن تراب الوطن، انها مأساة التهجير. * أقمتم فترة طويلة في فرنسا، هل تذكر بعض الحوادث التي عانتها الاسرة في المنفى الفرنسي؟ - توفيت مديحة سلطان في مدينة مانتون الفرنسية، سنة 1347ه / 1928م، ودفنت في مدينة نيس بجانب زوجها فريد باشا المتوفى سنة 1923م. لقد قتلها الحزن، كانت متأثرة بما آلت اليه احوال الأسرة العثمانية، وكم كان يحزنها ما عانوه من الجوع والفقر والتشرد. مع الأمير الروسي قرر صاحب المنزل الذي كنا نسكنه في فرنسا ان يرمينا في الشارع لعجزنا عن تسديد الايجار. توترت اعصابنا، ضجر والدي فخرج الى شاطئ البحر، وبينما هو منغمس في همومه دنا منه رجل روسي ابيض اسمه الأمير ولكونسكي كان رئيس الدوما - البرلمان - في روسيا، وتعرف عليه، وسأله عن احواله، فأخبره والدي بما آلت اليه احوالنا، من تهجير وفقر وتهديد بالطرد من المنزل!!! قاطعه الأمير الروسي وقال: نحن لا ننسى اغاثتكم ايانا حينما طردنا الشيوعيون ولجأنا الى اسطنبول، لقد آويتمونا في منازلكم، والآن حان وقت رد الجميل، انني اقيم في باريس، وعندي منزل فارغ هو شاليه دي روزييه. فَهَلُمّ واسكن به من دون ايجار، وكان ذلك، فسكنا في ذلك المنزل مجاناً اربع سنوات. ثم استأجرنا منزلاً آخر، وبعد ستة اشهر عجزنا عن دفع الايجار، وأنذرنا صاحبه قائلاً: اما الدفع او الخروج. مازحْنا والدي، وقلنا له: اذهب الى الشاطئ لعلك تجد من يحل المشكلة. كانت حالتنا مأسوية حتى اختلط الضحك بالبكاء. وضجر الوالد، فخرج الى الشاطئ وراح يسرح بصره عبر مياه البحر الذي حملنا وقذفنا الى جحيم الغربة. فجأة اقترب منه رجل، وسلم عليه وقدم نفسه قائلاً: انا سليم زاده محسن بيك، من آذربيجان، اما عرفتني؟ اجاب والدي، نعم. فقال: انا مدين لآل عثمان الذين ساعدونا حينما هجّرنا الروس، ولا ينسى المعروف الا اولاد الحرام، ثم قال: هل من خدمة اقدمها لكم؟ فأخبره الوالد بالحال، فقال: انا عندي منزلان، فهلم معي، ثم سلمه المفتاح، وانتقلنا الى المنزل، وبقينا فيه سنة وتسعة اشهر، ثم رحلنا الى انكلترا. * ما سبب اقامتكم في اوروبا، وتفضيلكم اياها على البلاد الاسلامية؟ - نحن لم نفضل اوروبا - في اي وقت - على البلاد الاسلامية فنحن مسلمون والحمد لله، لقد قضيت سنوات طويلة في هذه البلاد، والحمد لله لم اشرب الخمر، ولم آكل لحم الخنزير. مدّ يده الى جيبه وأخرج الطاقية البيضاء، والمسبحة، وقال: الحمد لله اقيم الصلاة اينما حللت، نحن مسلمون، وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي امتنا، المسلمون اهلنا، لم نستطع الاقامة في بلادهم، لقد كانت تخضع لسيطرة المحتلين، كان والدي يقول لنا: ارض الاسلام هي وطننا ولا بد من العودة!! لقد مات والدي رحمه الله خارج ارض الاسلام. لقد هجرونا، منحوا كل اسرة ألفي ليرة تركية، لقد مات الكثير من آل عثمان جوعاً في طرقات التشرد في بلغاريا، ورومانيا. وغيرها. لقد فقدنا الوطن والجنسية، وفقد احفادنا اللغة التركية ايضاً. * متى حصلت على الجنسية التركية؟ - صدر قانون يقضي منحنا الجنسية التركية سنة 1974 م ويحظر علينا القابنا الحقيقية، فتوجهت الى تركيا للحصول على الجنسية ولكن من دون جدوى، وبعد جهود كثيرة، منحت الجنسية التركية سنة 1986م. * اية جنسية كنت تحمل قبل ذلك؟ الفرنسية ام البريطانية؟ - نحن لم نطلب اية جنسية غير جنسيتنا، ولا يوجد في اسرتنا من يحمل جنسية اوروبية. * كيف كنت تتنقل؟ - كنت احمل وثيقة سفر وعندما استعدت الجنسية التركية فقدت كنيتي، سألوني ان اختار كنية جديدة فاخترت اسم القصر الذي ولدت فيه فأصبحت كنيتي: "بالطاليمانلي" نسبة الى "بالطا ليمان سراي" وبقي اسمي: عمر فتحي سامي. * هل هناك جمعية تجمع ابناء الاسرة العثمانية؟ - لا، مع الاسف، وأواصر الاتصال ضعيفة. يجتمع بعض ابناء الاسرة في مناسبات الزواج، والطهور، والوفاة. وأنا ازور تركيا سنوياً، وأنزل في الفندق، والتقي بالاقارب، ولا اقيم في بيوتهم، احوالهم محزنة، فقراء، أبادلهم التحية، وأعود الى الفندق حزيناً، ثم اعود ادراجي الى انكلترا وأنا اشد حزناً لما أراه من المصير المأسوي. بعض الناس يحاول استغلالنا سياسياً، لكننا نرفض ذلك الابتزاز، فالاحتفاظ بالكرامة مع الحرمان افضل من الرفاه مع الذل. ليست لنا مطامع سياسية. نحن لا نفكر بالتفرقة بين عربي وأعجمي، رابطتنا هي الاسلام، والانتماء الى الاسلام هو القاسم المشترك بيننا، لقد دافع آل عثمان عن العرب، ولولاهم لكان مصير شمال افريقيا كمصير الاندلس. * هل زرت بلداناً عربية؟ - نعم لقد زرت المملكة العربية السعودية سنة 1978م، وأقمت فيها شهراً واحداً، واطلعت على النشاط الرياضي فيها. فأنا الآن اكبر لاعبي السكواتش سناً في انكلترا، ومتخرج من ارقى معاهد الرياضة في فرنسا وانكلترا، ولدي شهادات تفيد انني من افضل المدربين، فقد قضيت 23 سنة في وايتغفت سكول كمدرب للرياضة ومدرس للغة الفرنسية، وقد تقاعدت منذ 20 سنة. كما زرت تونس ثلاث مرات صيفاً، في السنوات 1988م و1989م و1990م. * من بقي من ابناء الاسرة العثمانية؟ - يوجد الآن 27 شاه زاده ابناء سلاطين وحوالي خمسة رجال من ابناء بنات السلاطين سلطان زاده ما عدا الاطفال الصغار. * ومنهم سلالة السلطان عبدالحميد الثاني؟ - محمد سليم بن السلطان عبدالحميد الثاني، وأمه "بدرالفلك" ولد في 19 ذي الحجة 1288 ه 15/2/1872م عاش لفترة في لبنان 1924 - 1937 ويعيش الآن في سورية في مدينة حلب. كان ابنه عبدالكريم زميلي في المدرسة حينما كنا في اسطنبول. وله من زوجته نعمت ولد اسمه هارون ولد عام 1930 وحصل على الجنسية التركية، ويعيش في اسطنبول، هو وأولاده. * وهل خلف السلطان عبدالحميد الثاني غير محمد سليم وعبدالكريم؟ - طبعاً، لقد خلف السلطان عبدالحميد ثمانية اولاد ذكور، وتسع بنات، تزوج معظمهم، ولهم سلالة مستمرة. عبدالناصر اعتقل عثمانياً * هل بقي احد من ابناء السلاطين الآخرين غير السلطان عبدالحميد؟ - لقد توفي السلطان محمد رشاد في الاردن في 24 رمضان سنة 1336ه 3/7/1918م. وما زالت سلالته هناك، حيث خلف محمد ضياء الدين في 3 رجب سنة 1290ه 25/8/1873م، وعمر حلمي ولد في 20 جمادي الاولى 1305ه 2/3/1888م، وقد اعتقل جمال عبدالناصر حلمي بن عمر نامق من سلالة محمد رشاد، ثم اغتيل في السجن. وما زالت سلالة السلطان محمد رشاد في الاردن كما يوجد بعض احفاد السلطان عبدالحميد في اميركا، وفي لندن توجد سلالة عمر نامق. وفي مارلو Marlow يقيم عثمان بن علي واصف ابن السلطان مراد الخامس وله بنت اسمها عائشة، وولدان هما مراد وسليم. ولا يوجد اتصال بيننا وبين ابناء الاسرة في استراليا، ومصر والهند. توجد في الشام مقبرة لآل عثمان في جوار التكية السليمانية، والمحظوظ من يقبر في ارض الشام. * هل قرأت ما كتبت كنيزة مراد في روايتها "من طرف الأميرة الميتة"؟ - نعم، قرأت ما كتبت، ولقد اخطأت بحق والدتها، وأساءت اليها، وما ترويه عن والدتها لا اساس له من الصحة، لقد توفيت والدتها، وعمر كنيزة ثلاث سنوات، لقد كذبت على لسان امها. هدفها من الكتابة جمع الاموال، وكتابها يسيء الى العائلة العثمانية، ويندرج في الحملة الظالمة على تراث خلفاء المسلمين العثمانيين، وهكذا شأن اعداء الاسلام. توجد في كتابها بعض الامور الصحيحة. ولكن الخيال اضعاف هذه الحقيقة.