سبحانك ربي تمر ساعات الإنسان سريعاً فتنقضي الساعة تلو الساعة، وتمر الأيام تلو الأيام، والأسابيع تلو الأسابيع، وشهر ننتظر فيه الراتب، وينقضي وشهر يبتدئ وهكذا تدور الدائرة. وفجأة حتى يقال إن العام قد انقضى وابتدأ عام جديد! مضى عام كامل بأيامه ولياليه وساعاته ودقائقه وثوانيه، مضى عام كامل بأفراحه وأتراحه وآلامه وآماله مضى وانقضى بما فيه، وطويت أيامه وصحائفه بما استودع فيه من الأعمال سواء كانت أعمالاً صالحة أو غير ذلك، وأتى عام جديد لا يعلم المسلم ما قدر الله فيه ولم يخطط كيف يقضيه. فكيف يرى الناس العام الذي مضى وذاك الذي سوف يأتي، نسير إلى الآجال في كل لحظة، وأعمارنا تطوى وهُنّ مراحل ترحل من الدنيا بزاد من التقى، فعمرك أيام وهن قلائل وما هذه الأيام إلا مراحلُ. فسبحان الله مع مضي الأيام سريعة. قيل لنوح عليه السلام، وقد لبث مع قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: "كيف رأيت هذه الدنيا؟" فقال: "كداخل من باب وخارج من آخر". فيا من متعك اللّه بالصحة والعافية، فأنت تتقلب في رغد العيش والملذات، تفطن لسني عمرك، فربما يفاجئك الأجل وأنت في غفلة عن نفسك فتعض أصابع الندم، ولات حين مندم، لذلك ليست العِبرة في كمِّ السنوات التي نُراكمها، بل العِبرة بكمِّ الأعمال التي نُبادرها ونكسب بها الحسنات، ونعلو بها الدرجات. ولذلك كان أحد السلف يقول: ما حزنت مثل ما حزنت على يوم نقص فيه عمري ولم يزد عملي؛ فالمسلم يأخذ من ما مضى من تلك الأيام والاستعداد للعام الجديد بعزيمة تدفعه للعمل الصالح والإعداد للقاء الله عز وجل. وأن هذه الدنيا لو دامت لغيرك لما وصلت إليك. وإنك في زمن الإمهال، فماذا أنت عامل؟ وكما جاء في الأثر: إن الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسوف يتخطى غيركم إليكم. فالعاقل يحاسب نفسه محاسبة الصادق معها فيعرف ما قدم في نهاية هذا العام ويستعرض أعماله الصالحة والسيئة، فيحمد الله على ما قدم من عمل صالح رشيد ويسأل الله قبوله ولا يغتر به أو يصيبه الغرور أو العجب، فذلك إمارة الهلاك، وبالمقابل ينظر نظرة عميقة تأملية فيما حصل منه من سيئات وتقصير، ويسعى في إصلاح ذلك بالمبادرة إلى التوبة النصوح المبنية على الإقلاع عن الذنب والندم على ما مضى من التفريط فيه، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى. مع رد المظالم إلى أهلها، لتكون له صفحة بيضاء بإذن الله تعالى، وليكثر من الاستغفار وسؤال الله الجنة والنجاة من النار ويعقد العزم على أن يبدأ عامه الجديد بنية صالحة والإعداد للقاء الله عز وجل، فوالله مع تسارع الأيام ومع موت الغفلة فإن أحدنا لا يدري متى يفجأه الأجل، «وما تدري نفسِ ماذا تكسب غداً وما تدري نفسِ بأي أرض تموت». فاللهمّ اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، واجعل آخر كلامنا في الدنيا "شهادة ألاّ إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله" وكل عام وأحبتي بخير. همسة إِنَّ لِلَّهِ عِباداً فُطَنا تَرَكوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا نَظَروا فيها فَلَمّا عَلِموا أَنَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنا جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا