أكد السفير الجيبوتي وعميد السلك الدبلوماسي لدى المملكة العربية السعودية، السيد ضياء الدين سعيد بامخرمة، في حوار خاص مع «الرياض» أن العلاقات السعودية - الجيبوتية تاريخية وأخوية، منذ أن استقلت بلاده في العام 1977م ومنذ ذلك الوقت، تشهد العلاقات تطورًا متناميًا في جميع المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين. كما أكد، أن التنسيق السياسي بين قيادتي البلدين مستمر وعلى أعلى مستوياته، وهو ما عكسته الزيارات الرسمية المتبادلة والمستمرة خلال السنوات الأخيرة بين البلدين. وقال: تتمتع جمهورية جيبوتي والمملكة بعلاقات دبلوماسية خاصة، تتميز بالأخوة والتواصل المستمر، والثقة الوطيدة والعلاقات التجارية. ولدينا كثير من المصالح المشتركة، أبرزها الالتزام بحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب والقرصنة. وقد عبر السفير الجيبوتي في بداية حديثه، عن إعجابه بما حققته المملكة خلال السنوات الأخيرة، واصفاً ما يحدث في السعودية من تغيرات ثقافية واجتماعية بأنها « حضارية» بكل المقاييس، وجاءت متوافقة مع قيم وعادات الشعب السعودي الأصيلة. وتطرق أيضاً، إلى العديد من الموضوعات التي تهم البلدين، نتناولها في تفاصيل الحوار التالي: موانئنا ستكون البوابة السعودية نحو القارة الإفريقية * سعادة السفير، ما تقييمكم لمستوى العلاقات الجيبوتية - السعودية ، والى أي حد وصل التنسيق بين البلدين خصوصاً في الجانب السياسي؟ العلاقات بين البلدين الشقيقين، هي علاقات أكثر من متميزة ولله الحمد في كافة المجالات، ودلالة ذلك هو عدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين في مجالات عدة تجاوزت 30 اتفاقية، إضافة إلى 5 لجان ومجالس مشتركة، هي اللجنة الحكومية المشتركة، واللجنة العسكرية واللجنة الأمنية ومجلس رجال الأعمال، ولجنة التشاور السياسي، وجميعها تعقد اجتماعاتها الدورية بشكل منتظم، لبحث كافة القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، في سبيل تطوير العلاقات والارتقاء بها. وكل ذلك أساسه بطبيعة الحال التنسيق والتفاهم، والتوجيهات الحكيمة للقيادتين الرشيدة في البلدين الشقيقين، متمثلة بفخامة السيد إسماعيل عمر جيله، رئيس الجمهورية، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله- حيث أن التفاهم والتنسيق بين القيادتين هي أساس هذا النجاح الباهر، فيما وصلت إليه العلاقات بين البلدين الشقيقين ولله الحمد. وقعنا مع المملكة 30 اتفاقية ولدينا 5 لجان مشتركة * عقدت قبل أشهر القمة السعودية الأفريقية، ما أهم مخرجاتها برأيك، وهل تم تفعيل أي مبادرات استثمارية من خلالها؟ كانت القمة السعودية الإفريقية ناجحة بكافة المقاييس ولله الحمد، من حيث التنظيم ومستوى الحضور، وكذلك المخرجات الاقتصادية والاستثمارية التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي رأس القمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، ومن تلك المخرجات مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية في إفريقيا، وذلك بتدشين مشروعات وبرامج إنمائية في دول القارة، بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى عشر سنوات، وضخ استثمارات سعودية جديدة في مختلف القطاعات بالقارة، تزيد على 25 مليار دولار، وتمويل وتأمين 10 مليارات دولار من الصادرات، وتقديم خمسة مليارات دولار تمويلاً تنموياً إلى إفريقيا حتى 2030، كما كشف عن عزم المملكة زيادة عدد سفاراتها في القارة إلى أكثر من 40 سفارة. وهناك تحركات فعلية مهمة للجهات الاستثمارية والتجارية السعودية نحو دول القارة الإفريقية بدأت بشكل جيد، وعلى سبيل المثال استقبلنا في جمهورية جيبوتي مؤخراً وفدا مكونا من حوالي 80 رجل أعمال سعودي، برئاسة رئيس مجلس اتحاد الغرف التجارية السعودية، وبحثوا مع نظرائهم تعزيز سبل التعاون والعلاقات التجارية، وأنشؤوا موقعاً للصادرات السعودية ومعرضا دائما لها في المنطقة الحرة في جيبوتي، وذلك لتشجيع الصادرات السعودية نحو القارة الإفريقية، كما زار الوفد نفسه إثيوبيا التي تعتمد على موانئ جيبوتي كبوابة لصادراتها ووارداتها. ونحن نتطلع إلى مزيد من الربط والتعاون الاقتصادي بين موانئ جيبوتي العديدة والمتخصصة، مع موانئ المملكة وتحديدا الأقرب إلينا جغرافيا وهو ميناء جازان، ونعمل مع الجهات المعنية في المملكة ليكون هذا الميناء هو البوابة السعودية نحو جيبوتي والقارة الإفريقية. * ما حجم التبادل الاقتصادي والاستثماري بين المملكة وجيبوتي؟ التبادل الاقتصادي والاستثماري بين المملكة وجيبوتي حاليا لا يرتقى إلى مستوى الطموح، ولكن إشارة إلى إجابتي على سؤالكم السابق، فإن الطموحات والآمال اليوم كبيرة، ونتوقع تحقيق نمو كبير خلال الفترة المقبلة في التبادل الاقتصادي والاستثماري بين البلدين الشقيقين يعود بالنفع والفائدة، بالذات مع إنشاء منظمة لوجستية سعودية في المنطقة الحرة في جيبوتي، لتكون بوابة نحو جيبوتي والقارة الإفريقية. * تقع جيبوتي على بعد 25 كيلومترا من الجزيرة العربية، وهذا يجعل منها جسراً هاماً يربط بين أفريقيا ودول الخليج. كيف يمكن استغلال ذلك في تنمية العلاقات الخليجية - الأفريقية، وحماية الأمن القومي العربي عموما؟ إذا أخذنا الجانب السياسي والأمني، فهناك تنسيق كبير مع المملكة ومع بقية دول الخليج العربي والتعاون مستمر ومطرد، وعلى هذا الأساس كان موقف جيبوتي الدائم، في دعم إنشاء تجمع للدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، لتحقيق مزيد من التنسيق والتعاون. نحن في جيبوتي، نؤمن بأن القرن والشرق الإفريقي كان عمقاً استراتيجياً للجزيرة العربية، والمملكة هي القائدة لمجموعة الدول العربية، وهي قلب الجزيرة العربية والثقل الأساسي بها، ويعد التنسيق والتعاون أمرا جوهريا للمصالح المشتركة وحماية للأمن القومي العربي، ولأمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره؛ فالبحر الأحمر ممر مائي مهم جدا للعالم كله، يمر عبره حوالي 16% من اقتصاد العالم، وعندما يتأثر أمن هذه المنطقة، يكون انعكاس ذلك كبيرا على جميع الدول، ليس فقط دول منطقتنا بل العالم، وهذا ما نشهده اليوم مع ما يحدث من هجمات على الملاحة في البحر الأحمر، لذلك فإن جيبوتي كانت ملتزمة بقرارات الإجماع العربي والإسلامي والإفريقي بل والعالمي، الداعي إلى الأمن والاستقرار والتعاون لمكافحة الإرهاب والقرصنة وغيرها، مما يشكّل أضرارا على الأمن والاستقرار العالمي. * دعمت جيبوتي كثيراً من المبادرات ومنها «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» وغيرها من المبادرات الرامية إلى مكافحة التغير المناخي والاحتباس الحراري وغيرها. كيف ستنعكس مثل هذا المبادرات في رأيك على المنطقة والعالم عموماً؟ هذه المبادرات رائدة لإنقاذ الكرة الأرضية، بمكافحة التصحر والاحتباس الحراري والتغير المناخي وغيرها، وهي مبادرات رائدة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتحسب للمملكة لكونها دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي، يسمح لها بأن تتصدر المشهد القيادي لأمر كهذا عالميا. ونحن في جيبوتي قد عملنا منذ سنوات في إطار القيادة الرشيدة لفخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله، في دعوة دول منطقتنا وتحديدا دول منظمة IGAD وهي منظمة تجمع ثماني دول بشرق إفريقيا، ومقرها في جيبوتي. وعندما جاءت المبادرات الأخيرة للمملكة أيدتها جيبوتي بقوة، حرصا من حكومتنا على أهمية العمل المشترك لإنقاذ كوكب الأرض، مما يشكل خطرا على سلامته وبيئته التي أصبحت مهددة بسبب التغير المناخي، ذات الأبعاد الخطرة على حياة الإنسان، ونحن منخرطون في مختلف هذه المشاريع والمبادرات بكل جدية. * مع التطورات الأخيرة في باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، وبحكم قرب جيبوتي من هذه المنطقة المتوترة، كيف يمكن أن تساهم بلادكم في تأمين وتذليل العقبات أمام حركة التجارة الدولية، والحفاظ على أمن وسلامة الملاحة؟ كما تعلمون فإن جيبوتي تمثل واحة أمن وسلام واستقرار في منطقتنا، التي كانت وما زالت تشهد كثيرا من التوترات على مر السنين والأيام، ودور جيبوتي - ولله الحمد- عامل إيجابي نحو السلام والاستقرار، وقد قامت جيبوتي بمبادرات عديدة مع عديد من الأشقاء في المنطقة، لتحقيق التوافق وآخرها الجهود التي بُذلت لحلحلة ما يحدث في السودان، من خلال رئاسة جيبوتي لقمة دول إيغاد، كما كانت جيبوتي مساهما في كافة المراحل نحو الدعوة والمشاركة، فيما من شأنه أن يكون دافعا لإحلال السلام في المنطقة. وما زالت وستظل جيبوتي تجتهد في ذلك، لأن حكومتنا ترى أن النمو الاقتصادي والتنمية وتحسين مستوى الشعوب، لا يكون إلا بالاستقرار والأمن؛ ولذلك نحن على تنسيق مع دول المنطقة والمجتمع الدولي، للوصول إلى ما يمكن أن يحقق للجميع الاستقرار. المنطقة اللوجستية ستزيد حجم التبادل التجاري بيننا * سعادة السفير، كيف تنظرون إلى التحولات الأخيرة التي حدثت في المملكة، في النواحي الاجتماعية والثقافية؟ تحول مهم وكبير في زمن قصير، أطلق به سمو ولي العهد ربان سفينة التغير والتحول، العنان لقدرات ومواهب الشباب السعودي، لينجز ويحقق نمواً جديداً، وتحولاً اجتماعياً واقتصادياً متوافقاً مع مقتضيات وتطورات وحاجة العصر، تكنولوجيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، دون الإخلال بطبيعة الحال بمنظومة السلوك الحضاري العربي الإسلامي للشعب السعودي؛ ومن هنا ينبع ذكاء القائد محمد بن سلمان وفطنته، المتوافقة مع قدرة الشباب الذي يشكل ثلثي الشعب السعودي، والقادر على تحقيق التحول. فسمو ولي العهد يعلم ماذا يريد الشباب لحاضرهم ومستقبلهم، فتتجانس الخطط والبرامج مع الأهداف المرجوة، لمستقبل أكثر إنماء وإشراقاً واستقراراً وتقدماً. المملكة تشهد اليوم في الشهر الواحد ما يزيد على 30 ملتقى ومؤتمراً عالمياً وثقافياً واقتصادياً، وهناك سباق كبير من مختلف دول العالم، للحاق بركب إنجازات الرؤية السعودية 2030 التي أقول عنها أنا بأنها، رؤية عالمية وليست فقط سعودية، لأن المملكة العربية السعودية دولة رائدة ومؤثرة ومهمة عالمياً؛ ولذا فإن رؤيتها وتطورها انعكاس عالمي كبير. المملكة قلب الجزيرة العربية، ورأس العرب وقبلة المسلمين، وهي ذات تأثير جيواستراتيجي عالمي كبير.. وفي الحقيقة، ما أقوله أنا هنا ليس رأيي وحدي، ولكنه رأي مختلف السفراء وغيرهم ممن يتابعون هذا التحول والتطور في المملكة. * ما الدور الذي تتوقعون ان تلعبه الدول المطلة على البحر الأحمر في الأزمة الحالية، وهل آن الأوان لإنشاء مجلس يضم هذه الدول، ليواكب هذه التحديات والمخاطر؟ كما ذكرت لكم سابقاً، فإن مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، أصبح بحاجة ملحة اليوم أكثر من قبل، ونحن في جمهورية جيبوتي وقعنا ميثاق الإنشاء، وصادقنا عليه ودعمناه بقوة، لأننا نراه منصة مناسبة للتنسيق السياسي والأمني والبيئي والاقتصادي بين الدول المطلة، المعنية بالدرجة الأساسية بأمن البحر الأحمر أولا، وهي المهددة قبل غيرها من حالة عدم الاستقرار فيه، وطبعا هذا لا يعني أن بقية دول العالم غير معنية بأمن هذه المنطقة، بل هي معنية أيضاً لأنه ممر دولي مؤثر في اقتصاد العالم؛ ولذا فإن وجود هذا المجلس سيكون معززا لخدمة التعاون الإقليمي للدول المطلة، ومن ثم التعاون الدولي للحفاظ على المصالح العامة المشتركة لدول العالم. * على أراضي جيبوتي قاعدة أمريكية وأخرى صينية، كيف استطعتم الجمع بين هذين النقيضين في مكان واحد؟ بالحكمة والكياسة والتوازن السياسي، وحفظ المصلحة الوطنية للشعب الجيبوتي أولا، من خلال اتفاقيات تنظم آلية التعامل الوطني مع مختلف هذه الدول، ونحن مستفيدون من ذلك، ومصلحتنا بالدرجة الأولى هي الهدف. * كلمة أخيرة تحب توجهها سعادة السفير من خلال (الرياض). أشكر صحيفة الرياض على هذه الاستضافة؛ فالرياض جريدتي المفضلة، ولي بها مقالات عديدة، وهي تواكب التطور والتغير الإعلامي المتسارع، مع الحفاظ على خطها ومكانتها المتميزة، في إطار هيئة تحريرها الحالية، التي يرأسها الصديق أ. هاني وفا، كما أنها تحمل اسم المدينة الأهم اليوم الرياض عاصمة العواصم، التي أصبحت أيقونة التطور والنمو والحضارة الإنسانية، التي ننظر إليها بكثير من الفخر والاعتزاز، كما أوجه تحية محبة وتقدير من خلالكم، إلى المملكة ملكاً وولياً للعهد وشعباً عربياً مسلماً أبياً، نحبه ونعتز بأخوته ووفائه. السفير الجيبوتي ضياء الدين بامخرمة (عدسة/ بندر بخش)