قال سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة ضياء الدين بامخرمة إن الوجود العسكري الأجنبي في بلاده قائم وفق اتفاقيات ثنائية مبرمة مع هذه الدول، التي لها قواعد محددة بفترات زمنية ومحكوم نشاطها وفق ما تمليه المصالح السياسية والأمنية لبلاده، مشيراً إلى بعض الدول التي لديها رغبة في تأسيس قواعد عسكرية أخرى. وأشار في حوار ل» الرياض» إلى أن التعاون بين المملكة وجيبوتي ما زال دون الطموح، وأنه يأمل أن يكون الوجود الاستثماري للمملكة في جيبوتي على وجه التحديد والقرن الإفريقي على وجه العموم، كبيراً إلى الحد الذي يوازي وينافس الوجود الآخر لاستثمارات عديد من دول العالم الآسيوية والأوروبية. فإلى نص الحوار: *بعد 37 عاما من العلاقات بين جمهورية جيبوتي والمملكة، وبعد سنوات عدة من وجودكم كسفير لبلادكم، كيف تقيمون العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين؟ - كما ذكرتم فإن العلاقات الجيبوتية – السعودية، تمتد ل 37 سنة وهي سنوات عمر جيبوتي بعد الاستقلال، إلا أن العلاقة بين الشعبين ليست بهذا القدر من السنوات بل هي ممتدة امتدادا قديماً بفعل الجوار الجغرافي والإنتماء المشترك الى الأمة العربية والإسلامية، وبيننا من الروابط الوثيقة الكثير والكثير. فقبل استقلال جيبوتي، كان للمملكة دورٌ تاريخي في دعم جيبوتي لتنال استقلالها الناجز، وبعد الاستقلال كانت المملكة هي الداعم الأول لجيبوتي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً، وظل هذا الدعم قائما إلى ساعتنا هذه دون تردد أو انقطاع، وهذا أمر نقر به نحن الجيبوتيين صغيراً وكبيراً ونقول به على رؤوس الأشهاد تقديراً وعرفاناً وحباً لهذه الدولة، التي لها أيادٍ بيضاء على كل دول العالم، من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، وتحديدا الدول العربية والإسلامية. فعلاقات البلدين كانت دائماً وأبداً في ازدهار ونماء وتطور وتوافق في المواقف السياسية تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، نتيجة لتطابق الرؤى المبدئية في خدمة وبناء البلدين ورقي الشعبين، دون تدخل في شؤون الآخرين، ودون إلحاق الضرر بمقدرات واختيارات الشعوب الأخرى. بل وفي الآونة الأخيرة وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفخامة السيد اسماعيل عمر جيله رئيس الجمهورية، ارتقت هذه العلاقة إلى مستوى التعاون والتنسيق السياسي الاستراتيجي سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي والدولي. *في قمة الكويت الأخيرة قدمت "دول الخليج" دعماً تنموياً لجيبوتي، مامدى أهمية ذلك على مستوى الاقتصادي لبلادكم؟ - علاقتنا بكافة دول مجلس التعاون الخليجي متميزة وهي في تطور ونماء، ونحن نثمن لهم دعمهم الدائم لنا سياسياً واقتصادياً، سواء من خلال الصناديق التنموية الخليجية أو من خلال الدعم الحكومي مباشرة، فقد أسهموا في بناء وتنمية بلدنا على مدى العقود الأربعة الماضية، ومؤخراً قدمت دول المجلس مجتمعة دعماً اقتصادياً هاماً لجمهورية جيبوتي. * أين وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين والاستثمارات؟ - مازال التبادل التجاري والاستثمارات مع الأسف دون الطموح المنشود، ولكن مازال يحدونا الأمل في تحريك هذا الأمر، ورفع مستواه في أن يكون الوجود الاستثماري للمملكة في جيبوتي على وجه التحديد والقرن الإفريقي على وجه العموم كبيراً إلى الحد الذي يوازي وينافس الوجود الآخر لاستثمارات عديد من دول العالم الآسيوية والأوروبية، التي تتنافس لتكون سباقة في جيبوتي، كون بلادي بموقعها الاستراتيجي الهام على مدخل باب المندب عند جنوب حوض البحر الأحمر تمثل بوابة آمنة للقادم بحراً من الجنوب إلى الشمال أو العكس أو القادم من الشرق إلى الغرب أو العكس، إضافة لكون جيبوتي بفضل ومنة من الله تعالى هي القنطرة التي تربط الجزيرة العربية بالقارة الإفريقية من مدخلها الشرقي، وهذا ما جعلها اليوم غاية هامة تستقطب أهل الشرق والغرب ليكون لهم موطئ قدم في هذا الموقع الاستراتيجي الهام من العالم اقتصادياً . *ماذا عن الوجود العسكري الأجنبي في جيبوتي؟ - الوجود العسكري الأجنبي في جيبوتي قائم وفق اتفاقيات ثنائية مبرمة مع هذه الدول، التي لها قواعد على أرضنا محددة بفترات زمنية ومحكوم نشاطها وفق ما تمليه مصالحنا السياسية والأمنية، وهو مبني على محورين أساسيين: الأول؛ المشاركة الجيبوتية في أداء واجبها الدولي بحماية الأمن والاستقرار العالمي في منطقتنا بمراقبة ومكافحة الإرهاب والقرصنة من خلال منح المجتمع الدولي هذه التسهيلات اللوجستية. والثاني؛ المنفعة اقتصادية على بلدنا الصغير بحجمه والبسيط بثرواته الاقتصادية. فالقاعدة الفرنسية العسكرية الموجودة منذ ما قبل استقلال جيبوتي عندما كانت مستعمرة لجيبوتي، ثم تلاها منذ بضع سنوات وجود القاعدة الأميركية، التي جددت اتفاقيتها مؤخراً بعد الزيارة الاخيرة، والناجحة جداً لفخامة السيد إسماعيل عمر جيله رئيس الجمهورية لواشنطن منذ حوالي شهرين، وتلتهما اليابان بوجود عسكري رمزي، إضافة الى استخدامات القوات الألمانية والإسبانية والإيطالية للموانئ الجيبوتية كدعم لوجستي لبواخرها العسكرية لمكافحة القرصنة في المنطقة. إذن، نحن هنا مشاركون في أداء واجبنا الدولي تجاه الأمن والاستقرار العالمي في منطقتنا، ونحقق أيضاً فائدة اقتصادية وأمنية لشعبنا من ذلك، دون إضرار بسيادتنا الوطنية وفي إطار التعاون الدولي لمكافحة القرصنة والإرهاب الذي أصبح يتفاقم كالسرطان في جسد العالم. * هل صحيح أن دولاً أخرى غير فرنسا وأمريكا واليابان، ترغب في أن يكون لها تواجد عسكري في جيبوتي؟ - الموقع الاستراتيجي الهام لجيبوتي جعلها مرغوبة في خطب ودها في الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهذا وارد جداً في أن يكون للجميع رغبة بالتواجد حماية ورعاية لمصالحهم، ونحن منفتحون على الجميع وفق المصلحة المشتركة دون إضرار بسيادتنا وأمننا الوطني. * كيف تقرأون مجريات الأحداث في جارتيكما اليمن والصومال؟ - اليمن ليست دولة جارة فقط فنحن نرتبط بها بوشائج قربى ونسب وعلاقات تاريخية وإنسانية ودينية فرضها الجوار الجغرافي، فنحن نتأثر بأحداث اليمن إيجاباً أو سلباً، ولذا نأمل أن يوفق إخوتنا اليمنيون لتجاوز هذه المرحلة بأمن وسلام وتأخذ العجلة السياسية والاقتصادية دورتها الطبيعية في البلد. كما لا يفوتني في هذا المقام من الإشادة بالدور البناء الذي قامت به المملكة وبقية أشقائها قادة دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، والجهد الكبير الذي بذله الدكتور عبداللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون. بقيادة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لحل الأزمة اليمنية معه. وهنا أود التذكير بأن فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله، رئيس جمهورية جيبوتي هو رئيس الدولة الوحيد الذي زار اليمن منذ التغيير أي منذ تولي الرئيس عبدربه منصور هادي لمسؤوليته، للمشاركة في حفل التوقيع على وثيقة الحوار الوطني في اليمن، وهذه دلالة على خصوصية العلاقة بين البلدين. أما الصومال الشقيق فينطبق عليه ما ينطبق على اليمن من قربى ونسب ودين ووشائج إنسانية عميقة، إضافة إلى اللغة والثقافة المشتركة، فنحن تأثرنا وعانينا أكثر من غيرنا من تفاقم الأزمة الصومالية، وعملنا على مر تاريخ أحداث الصومال التي تجاوزت العقدين من الزمان الكثير لرأب الصدع الصومالي وتسوية الأزمة منذ بداية اندلاعها؛ فاحتضنت جيبوتي المؤتمر الأول والثاني للمصالحة الصومالية ومن ثم مؤتمر "عرتا" في جيبوتي الذي حقق المصالحة العشائرية واستمر لأربعة اشهر متواصلة حضره ما تجاوز الأربعة آلاف صومالي، انتخب على أثره الرئيس الأسبق عبدي قاسم صلاد، ثم ظلت جيبوتي مساهمة في المحاولات الإقليمية والدولية لحل الأزمة الصومالية حتى ساعتنا هذه، ونحن اليوم لدينا قوة عسكرية على الأرض الصومالية مقدرة بحوالي ألف جندي سيتم تعزيزها بألف آخرين، يقومون بحماية وتطوير التعاون مع أبناء منطقة "هيران" حيث يتركز تواجد القوات الجيبوتية في تحسين الوضع الإنساني وتحقيق المصالحات وتدريب وتأهيل أبناء المنطقة، ليقوموا بدورهم في حماية وبناء بلدهم، وذلك طبعا في إطار القوات الإفريقية المتعاونة لدعم ومساندة الاستقرار والأمن في الصومال. وجدير بالإشارة هناأن القوات الجيبوتية في الصومال هي القوات العربية والإسلامية الوحيدة في الصومال. إلا أننا نرى أن الوضع في الصومال مازال صعباً ومعقداً اذا لم تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لدعم ومساندة الحكومة الحالية أمنياً وسياسياً واقتصادياً لتحقيق قوة الدولة وهيبتها في بناء جيشها ومؤسساتها الأمنية والسيادية، فأمن واستقرار وخير الصومال له انعكاس عظيم لا محالة على كل دول المنطقة، بما فيها الدول العربية التي تعتبر الصومال دولة عضوا وأساسية في منظومتها المشتركة. * أين وصل نزاعكم مع جارتكم اريتريا؟ - لا تقدم يذكر منذ سنوات، فهناك وساطة سمو أمير قطر، التي لم تحقق شيئا بسبب المماطلة الإريترية في التجاوب مع عناصر الوساطة القطرية، إلا أننا موعودون مؤخراً من قبل الأشقاء في قطر لتحريك هذا الملف حتى نطوي هذه الصفحة مع هذه الدولة الجارة، التي عكرت بتصرفاتها هذه أجواء السلام والوئام بين الجيران. * الملحوظ أن علاقاتكم بإثيوبيا في تقدم كبير خلال الآونة الاخيرة؟ - علاقاتنا بإثيوبيا إستراتيجية وكلانا يعرف أهمية الآخر بالنسبة له، فنحن بوابة إثيوبيا ورئتها وثغرها نحو العالم الخارجي من جهة البحر شرقاً، وهي بالنسبة لنا الجارة الكبرى التي تربطنا بها وشائج ومصالح عدة لا غنى لنا عنها كما لا غنى لها عنا، لذا منذ زمن بعيد ونحن نتعايش ونتعاون ونعمل في كل مرحلة تاريخية على تطوير علاقاتنا الاقتصادية والسياسية والانسانية بما يحفظ مصالحنا المشتركة ويعززها. وأخيرا هناك الربط الكهربائي بين جيبوتي وإثيوبيا وتطوير وتحسين خط السكة الحديد التاريخي الذي يربط ميناء جيبوتي حتى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مدى ألف كم كما أن هناك مشروعا دوليا هاما لبناء أنبوب لنقل النفط من ميناء جيبوتي حتى إثيوبيا، إضافة إلى العديد من المشاريع الاقتصادية التي ستعزز من هذا التعاون الاستراتيجي الهام. * ماهو انعكاس موقع جيبوتي الجغرافي على اقتصادها؟ - ساهم الموقع الجغرافي الجيبوتي في تنمية التجارة المعتمدة على الموانئ، فقد تم إنشاء 3 موانئ جديدة متخصصة صناعية وتجارية وبترولية، بالإضافة إلى ميناء آخر لتصدير المواشي؛ وكل هذه ليس لخدمة الاقتصاد الجيبوتي فحسب بل لخدمة الاقتصاد العالمي في منطقة الشرق والقرن الافريقي. ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لجيبوتي كبوابة للشرق الإفريقي، وعلى هذا الأساس نرى اليوم الاهتمام العالمي المتزايد بجيبوتي وتحديدا الصين الشعبية التي شرعت بتنفيذ عديد من المشاريع المهمة في جيبوتي في الموانئ والسياحة والتصنيع وغيرها. * أنتم عميد السلك الدبلوماسي في السعودية، كيف ترى الحياة الدبلوماسية هنا؟ - الرياض واحدة من أهم العواصم في العالم، هناك 108 سفارات و 25 منظمة إقليمية ودولية بين الرياضوجدة، إذن الإجمالي يزيد عن 130 بعثة دبلوماسية، فان تكون عميداً لهذا العدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية، لابد أنه أمر هام مما يجعل التجربة الدبلوماسية مفيدة وثرية والعلاقات عديدة وواسعة حيث المناشط الدبلوماسية، لا تتوقف ليل نهار في بلد كالمملكة يتمتع بأهمية استثنائية كونه مهد الإسلام وقبلة المسلمين ودولة ذات ثقل اقتصادي، وجيو - سياسي هام عالمياً، فأنا سعيد بوجودي بين إخوتي في هذا البلد العزيز أخدم العلاقات بين البلدين الشقيقين لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد. وحقيقة التعاون من قبل المسؤولين في المملكة أمر مشكور ومقدر وأعضاء السلك الدبلوماسي يمارسون عملهم بكل أريحية وأمن وأمان وطمأنينة.