الانتخابات البرلمانية التي جرت في أوروبا سوف تمهد الطريق لتقليص الفوارق، أو بالأصح، الخلاف بين القارة العجوز وأمريكا. فقد سمعنا العديد من المرشحين أثناء الحملة، وهم يرددون شعار أوروبا أولاً. فالأوروبيون خلال الأعوام الأربع الماضية - أي بعد انتخابات عام 2020 في أمريكا - توجهوا على نحو يجعل العلاقات مع الولاياتالمتحدة مريحة. وهذا التوجه قد لا يتناسب مع نتائج انتخابات الرئاسة القادمة في أمريكا. ولذلك تغير أوروبا توجهها من جديد لتبقى صديقة مع البلد الذي عمرها وحماها بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن هذا التوجه السياسي له أبعاد اقتصادية. فكما هو الحال في الولاياتالمتحدة، هناك في أوروبا صراع بين تيار العولمة وتيار المصالح القومية. وعودة ما يطلق عليهم اليمين سوف تؤدي إلى اتخاذ سياسات اقتصادية تحت عنوان: أوروبا أولاً. ومثلما رأينا، فإن الاستعداد لهذه الانتخابات قد أخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي المتردي، حيث تم قبل ما يقارب من ثلاثة أسابيع رفع التعرفة الجمركية الأوربية على السيارات الكهربائية التي تصدرها الصين للقارة بنسبة 38 ٪. وأول الغيث قطر، كما يقول المثل. فارتفاع نسبة ممثلي التيار القومي في البرلمان الأوروبي، سوف تكون لها تداعياتها - رغم أنهم لم يحصلوا على الأغلبية. فالوضع الاقتصادي في أوروبا يسير من سيئ إلى أسوأ، بعد أن حرمت هذه القارة نفسها من المواد الخام الرخيصة التي تستوردها من روسيا. وبالتالي اتسع الفارق بين تنافسية المنتجات الصينية والمنتجات الأوروبية. وهذا سوف تكون له تكلفته السياسية والاقتصادية. وإذا كانت أوروبا لا تستطيع تسويق ما تنتجه في السوق الخارجية بالإجبار، فإنها سوف تحاول عمل ذلك في السوق الأوروبية، وذلك من أجل تصريف بضائعها مرتفعة التكلفة - وإلا فإن الكساد سوف يلوح في الأفق. ولهذا فمن المتوقع تصاعد نبرة الحماية الأوروبية ورفع التعرفة الجمركية على الواردات، حتى لا تغلق المصانع أبوابها وتؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة. فتردي الوضع الاقتصادي من شأنه أن يرفع أسهم التيار القومي ويفتح المجال أمامه للفوز، ليس فقط في الانتخابات البرلمانية كما هو حال فرنسا، وإنما في الانتخابات الرئاسية، التي سوف تجري في كل بلد أوروبي خلال الأعوام المقبلة. ولذلك فعلينا ألا نستغرب، إذا ما ترافق ارتفاع التعرفة الجمركية مع تغليظ الإجراءات، الموجهة للحد من هجرة الأجانب إلى أوروبا. ولكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج الأوروبي المرتفعة أصلاً، وصعوبة تصريف المنتجات في السوق الداخلية والخارجية - لأن تكلفة اليد العاملة المحلية أعلى من الأجنبية. ولذلك، فإن خيارات أوروبا كلها تقريباً سيئة، ولن تؤدي إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية. خصوصاً، إذا ما واصلت أوروبا سياستها النقدية الانكماشية من جهة من خلال رفع سعر الفائدة والتوسعية من جهة أخرى عبر طباعة النقود غير المغطية، التي سوف تؤدي إلى التضخم وارتفاع أسعار ما تنتجه القارة، وبالتالي مزيد من فقدان التنافسية في الأسواق الخارجية.