جرى بيني وبين بعض الزملاء من اليابان، نقاش اشتكوا فيه خلاله، من أن المملكة تفضل التعامل مع السوق الصينية على حساب السوق اليابانية، الأمر الذي أدى إلى تجاوز حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين حجم التبادل التجاري مع بلدهم. فكان ردي عليهم، أن ذلك يحدث لأن السلع الصينية تتمتع بتنافسية comparative advantage أعلى من السلع اليابانية، ولذلك يقبل سكان المملكة عليها. بالفعل، فإن المملكة ليست هي البلد الوحيد الذي تأتي الصين على رأس قائمة شركائه التجاريين، فهناك الكثير من بلدان العالم، ومن ضمنهم اليابان، التي تأتي الصين في مقدمة الشركاء التجاريين لها. بل إن الصين قد تركت بقية منافسيها التجاريين مع اليابان بمسافات بعيدة وراءها. ففي عام 2021 صدرت اليابان إلى الصين 21.6 % من إجمالي صادراتها لبلدان العالم، في حين أن نصيب الولاياتالمتحدة من تلك الصادرات لم يتعد 18 %. كذلك استوردت اليابان من الصين في العام المشار إليه 24 % من إجمالي وارداتها، أما من الولاياتالمتحدة، فإن النسبة كانت 10.7 % فقط. وحتى الولاياتالمتحدة، رغم كل التقييدات التي صارت تفرضها على التجارة مع الصين، فإن هذه الأخيرة جاءت على رأس قائمة البلدان التي توجهت إليها الصادرات الأمريكية عام 2022، وبمسافة تفصلها عن المكسيك - ثاني بلد صدرت إليه الولاياتالمتحدة بعد الصين. ولذلك، فعلى الزملاء اليابانيين، وغيرهم- الذين يشكون من تحول الصين إلى شريك تجاري استراتيجي للمملكة- أن ينظروا إلى الواقع بموضوعية، وأن يلقوا نظرة ولو سريعة على إحصاءات التجارة الخارجية لبلدانهم قبل غيرها. فمنذ عام 2018 والصين هي أكبر بلد تجاري في العالم، عندما ارتفعت نسبة وارداتها وصادراتها من السلع إلى 77ر11 % من إجمالي التجارة العالمية - وذلك جراء إقبال العالم على ما تنتجه. وهذا التوجه سوف يستمر، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة المنتجات الأوروبية والأمريكية من ناحية وخصومات الأسعار التي تقدمها المصانع الصينية من ناحية أخرى. فالصين في اختلافها عن بقية البلدان الصناعية، سوف تواجه الدورة الاقتصادية، وفيض الإنتاج ليس من خلال إغلاق المصانع، وإنما عبر خفض أسعار ما تنتجه منشآتها الاقتصادية. ورغم أن خفض الأسعار يعتبر مخالفاً لمبادئ منظمة التجارة العالمية، فإن أحداً لم يعد يأبه برأي هذه المنظمة، التي أصبحت بلا حول ولا قوة، بعد الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين ابتداء من عام 2018، عندما تم رفع التعريفات الجمركية أكثر من مرة في خرق واضح لاتفاقية التجارة الحرة متعددة الأطراف. ولذلك، فإن حجم التجارة الخارجية للصين سوف يزداد في المستقبل، بعد أن سجلت الصادرات الصينية بداية هذا العام 2024 أرقاماً قياسية جديدة وارتفعت بنسبة 7 %.