في إحدى الحكايات الشعبية يُقرر التاجر الذي حُرِمَ من نعمة الإنجاب لسنوات طويلة قراراً غريباً، وهو أن يُدلّل ابنته، التي قدر الله أن تولد، دلالاً خاصاً يتناسب مع امتداد زمن انتظارها، إذ قرّر بأن تكون البنت «دلوعة أبوها»، وأن يترك لها الحرية المطلقة في اختيار كل ما تُحب، وأضاف: «حتى اسم ما راح أسمّيها، لمّن تكبر هيّ تسمّي نفسها». وبعدما كبرت البنت استغربت من وجود اسم لكل البنات سواها، وعندما سألت أخبرها أبوها بأنه قرّر أن تُسمي نفسَها بنفسِها، وبعد أيام من التفكير اختارت اسماً لا يقل غرابة عن قرار أبيها وهو: «إللي الهوا ما يلعب بعقلها، تلعب على الناس ما حد يلعب بها». وقد استغربت أمها قائلة: «كل دا اسم يا بنتي؟»، لكن التاجر بارك الاختيار ورأى أن لا فرق بين اسم طويل وقصير، ثم بدأت أحداث الحكاية بانتشار اسم البنت الذي استفز أحد الأمراء فعزم على السفر مُتنكراً لتأديبها والتلاعب بها في محاولة فاشلة لإبطال مضمون اسمها وتأكيد عدم مناسبته لها أو مناسبتها له. حكاية (إللي الهوا ما يلعب بعقلها) التي أوردتها الدكتورة لمياء باعشن في (التبات والنبات) نموذج مميز من نماذج عديدة لحكايات شعبية يكون لدلالة اسم الشخصية تأثير واضح في بناء الحكاية كاملة، أو يكون اختيار الراوي لاسم الشخصية اختياراً مقصوداً ومعبراً يولّد الصراع ويدفع عجلة الأحداث إلى الأمام، أو يكون للاسم وظائف تختلف اختلافاً تاماً عن وظيفة الاسم المعروفة التي تقتصر على دلالة تعيين الشخص وتمييزه بلفظ اسمه. ففي قصة (ضاع الإنصاف) التي أوردها الأستاذ مفرج السيد في (قصص وأساطير شعبية) يقوم الاسم مقام الدليل الذي يساعد في كشف جريمة قتل غامضة كان من الممكن أن يطويها النسيان وأن ينجو القاتل من عقوبتها نظراً لغياب الدليل أو شاهد العيان، وفي الحكاية أن صاحباً هدّد صاحبه بالقتل طمعاً في ماله وهما في طريق العودة لمدينتهما، فطلب المغدور من الغادر أن يوصل وصيته لزوجته الحامل بأن تُسمي ابنه: «ضاع الإنصاف»، وبعد قتل المغدور والاستيلاء على المال وصل الغادر ونقل للزوجة خبر موت زوجها ووصيته. لم تلحظ الزوجة وجود أي رسالة في الاسم الغريب وكاد موضوع الجريمة يمرَّ مرور الكرام، لكن والي المدينة هو من لاحظ وجود الرسالة، بعد سنوات، حين مرّ صدفةً على الصبيان وهم يلعبون وينادون أحدهم: «يا ضاع الإنصاف»، فسأل الصبي عن والده ليستفهم عن سر الاسم، فقال بأن والده مغتربٌ عنهم، فأُحضِرت الأم إلى الوالي وأخبرته بقصة الاسم، فاستُدعيَ صاحب زوجها للتحقيق معه، فاعترف بعد استجوابه والتضييق عليه بقصة غدره بصاحبه، فأمر الوالي بمصادرة المال الذي نهبه والقصاص منه. وفي حكاية اسمها (التركي وبنات الحطاب)، أوردها الأستاذ عبده خال، تكون استعارة بنات الحطاب لأسماء غريبة جزءاً من حيلة لانتقامهن من الباشا التركي الذي تسلط على أرزاق الباعة ومن بينهم الحطاب، فحين عرفن عن معاناة والدهن قررن على الفور التخلي عن أسمائهن الحقيقية وانتحال شخصيات وأسماء مزيفة. فقد ذهبن بكامل زينتهن إلى بيت التركي، فرحب بهن وسألهن عن أسمائهن، فقالت الصغرى: «اسمي ارقص»، وقالت الوسطى: «اسمي من مثلي»، وقالت الكبرى: «اسمي أنا فين». وبعد وعد خرج لجلب الطعام والشراب، فأحضرن الحمالين وأخذن جميع ما في بيته، فلما عاد ولم يجد شيئاً أخذ ينادي بأعلى صوته: «مين مثلي؟.. أرقص .. أنا فين؟»، ثم يدور حوار طريف بينه وبين الناس الذين جزموا أنّه فقد عقله، وفي نهاية الحكاية يُحمل الباشا التركي المتسلط إلى دار المجانين! رأينا في حكاية (التركي وبنات الحطاب) أن اختيار الأسماء يحقق غاية رئيسة للشخصيات وهي التمويه وإخفاء الهوية، إضافة لتأدية وظيفة ثانية، تهم الراوي، من الشائع أن تؤديها الأسماء في حكاياتنا الشعبية وهي وظيفة التندّر وإثارة الضحك. ففي حكاية (فارس بني كشران) التي وردت في كتاب (قصص وأساطير شعبية) ضاق العيش بصياد السمك فرحل إلى بيئة شديدة الاختلاف هي الصحراء، وحل ضيفاً على عقيد القوم، وبعد العَشاء أخذ كل فارسٍ من الفرسان يُعدِّد المعارك التي شارك فيها، ويتفاخر بعدد قتلاه من القبائل الأخرى، وحينها لم يكن أمام الصياد إلا محاولة مجاراتهم باستعراض شجاعته قائلاً: «قمت بغارة شعواء على بني بياض في منازلهم على ساحل البحر وقتلت منهم ستين فارساً وهرب الباقون، وفي العام قبل الماضي غزوت بني شعور وقتلت منهم مائة وعشرين فارساً، وقبل أن أرحل إلى هنا قمت بوقعة على بني حريد فقتلت منهم مائة وخمسين فارساً». ولأن فرسان البادية لا يعرفون أن «بياض»، و»شعور» و»حريد» من أنواع الأسماك خجلوا واستصغروا بطولاتهم أمام بطولاته! وتحكي قصة أخرى أوردها السيّد تحت عنوان: (قصة الصبي بعزقها) عن فتى شقي «عيار» مولع بحياكة الحيل وإيقاع كل من يعمل لديهم في المآزق، فعندما عمل عند رجل في سوق «القماشة» وسأله عن اسمه ذكر أن اسمه: «أشبر واقط»، وبعد خروج صاحب المحل أفسد جميع القماش بشبره وقصه عشوائياً. وعندما طرده عمل عند تاجر في سوق «الحبابة» (أي الحبوب) أخبره أن اسمه: «بعزقها»، وبعزق تعني بدّد الشيء أو فرّقه، وقد تعني خرّب. وقد تفاجأ صاحب المحل بتهور الصبي وخلطه «الأرز مع الحنطة مع العدس مع الشعير» فطرده من محله مباشرةً. وفي الجزء الأخير من الحكاية يعمل صبياً في منزل رجل قابله مصادفةً، واختار اسماً معبراً هو: «مليّم ومفرّق»، وقد احتال في المرة الأولى لتفريق صاحب المنزل عن زوجته، ثم احتال حيلةً ثانية ساعدت في لم شمل الزوجين. ففي هذه الحكاية نجد الصبي يختار في كل مرّة اسماً دالاً يتلاءم مع الحيلة أو نوع التخريب الذي ينوي القيام به. وكما نلاحظ فاختيار الراوي لأسماء الشخصيات في الحكايات الشعبية لا يكون اعتباطياً أو عشوائياً دائماً، بل قد يختاره قاصداً لتأدية وظائف متنوعة من بينها أن يكون اسم الشخصية وسيلة سردية تساعد على نمو الحكاية وتقدُّم أحداثها، وقد يكون الاسم مفتاحاً أو دليلاً لكشف جريمة، كما قد يكون أداة مساعدةً على الانتقام أو استعادة حق مسلوب كما في حكايتي: (التركي وبنات الحطاب)، و(ضاع الإنصاف). لمياء باعشن عبده خال مفرج السيد