تنهض بعض حكايات العائنين في المدونات الشعبية بدور وعظي قد يحاول التخفّي كما رأينا في حكاية (كسر عين الحاسد)، وقد يتجلّى صريحاً كما في نص (دعاء إبطال الحسد)، وهو نص حكائي موجز، أورده عبده خال، وتضمّن دعاءً يتعلمه المرء لصدّ نظرات العائنين. لكن النسبة الكبرى من الحكايات تركز على الدور الإمتاعي، فأغلبها تأتي في سياق الإمتاع والمؤانسة، ويحمّلها الراوي عناصر يؤمل أن تساهم في زرع الابتسامة على شفاه المتلقين. ولعل أكثرها انتشاراً: حكاية (الحاسد وصلاة الميت)، وحكاية (الحاسد وفقء العين)، وهما حكايتان شائعتان في أنحاء متفرقة من السعودية. وتحكي الأولى أن رجلاً صالحاً نصح عائناً «عاث فساداً في القرية بعينيه»، فاعتذر بأن عينه تسبق ذكر الله، فاقترح عليه الصالح أن «أن يكفن ويصلّى عليه ليتخلص من عادته، وعندما اجتمعوا للصلاة عليه أزاح الكفن وقال: «ول كل هؤلاء خرجوا لتشييعي فسقط ميتاً كل من سار في الجنازة»! أما الثانية فتحكي قصة عائن اسمه خالد استعان بعائن أكثر خبرة منه ليقضي على أغنام صديقه، وعندما أخبر خالد العائن الخبير بمجيء صاحبه تساءل: «أين فأنا لا أراه»، فيرد: «انظر هناك فهو قادم من أول الوادي»، وعندها يصرخ الخبير: «ول عليك شفته من كل هذا البعد»، ومباشرة انفقأت عين الحاسد خالد. ورغم ما تنطوي عليه الحكايتان من وعظ غير مباشر إلا أن غايتها الأساسية هي الإمتاع وتوليد الطرافة، ومن وسائلها تصوير الصراع الذي قد يدور بين العائنين أنفسهم. فإذا كان إضرار العائن الخبير في الحكاية السالفة بصاحبه الأقل خبرة جاء من غير قصد فإن الصراع بين العائنين خيرٌ لا بد منه، وهو أيضاً أمر حتمي لاسيما أن الحكايات تجمع بينهم بجعلهم أهل قرية واحدة، أو زوجين يجمعهم بيتٌ واحد كما في حكاية (حاسدان في بيت واحد)، وأورد خال عدداً من الحكايات العجيبة عن الزوجين اللذين «اجتمعا تحت سقف بيت واحد يتوازعان الحسد». وتخبرنا حكاية (العائن الأعمى وصديقه) عن صراعٍ جرى بين مؤذن المسجد الأعمى وصديقه، وقبل الإشارة إلى أسباب الصراع ونتائجه يمكن ملاحظة حرص الراوي على إضافة عنصر العجائبية باختيار صفات وعمل بطل الحكاية، فهو أعمى ومع ذلك يمتلك قدرةً لا يتملكها، عادةً، إلا أكثر المبصرين إبصاراً (العائنون)، ومن جهة ثانية هو نافعٌ للناس بدعوتهم إلى الصلاة، ولكنه لا يتورع عن إيقاع الضرر بهم لأتفه الأسباب. والسبب السخيف الذي كان شرارة المعركة هو أن صديقه أقام وليمة لم يدعه إليها، فغضب منه وذهب بمساعدة ابنه إلى مزرعة صديقه، وطلب أن يوقفه أمام مضخة الماء مباشرة، ويصور الراوي ما حدث فيقول: «فأشار الأعمى بعصاه إلى جهة الماكينة ووضع جزء من العصا تحت إبطه كأنه بندقية.. صوب العصا إلى الماكينة ثم أطلق من فيه صوت كأنه صوت بندقية». وبعد تدمير المضخة عاد الصديق العائن للانتقام من صديقه الأعمى. في الختام أقول إن حكايات العائنين، على اختلاف وظائفها واختلاف العناصر التي يوظفها الرواة فيها، من الحكايات الشعبية الجديرة بالتدوين والتأمل والدراسة، ولا شك أن ما دوّن منها قليلٌ من كثير لم يدون بعد.