علينا أن نغادر حين تصبح الأماكن ضيقة، وحين نتسمم بالتهميش والإقصاء، وحين نكتشف أن سنوات العطاء لم تكن سوى مواسم ضعيفة قطَفتها الرياح، علينا أن نغادر عندما نفقد المكان والمكانة، وعندما تغتالنا الخيبة الأولى ويُدمينا الوخز الأول. علينا أن نغادر عند شعورنا بأن الحكاية قد شارفت على الانتهاء، وأن النوافذ صدئت، وأن الباب أغُلق، فلا جدوى من الوقوف على العتبات المهزوزة، ولا جدوى من التمسك بالأشياء والأماكن والتفاصيل الضبابية. فحين تبدأ بوادر الوجع بالظهور تأكد أن وقت رحلتك قد حان، وأن هناك ضفةً أخرى بانتظارك وأن الحياة ليست عالقة في مدينة أو شخص أو حكاية. لا تحشر نفسك في الأمنيات الضيقة، ولا تسمح بأن تكون في القائمة المنسية، ولا في الخيارات البعيدة ولا على حواف الاحتمالات، وكن على يقين بأن الأشياء المناسبة لا تتضاءل، والأشخاص الجيدين لا يرحلون. لا تعتقد أيضًا أنك كنت مع الشخص الخطأ أو في المكان الخاطئ، بل هي التجارب والدروس العميقة، المهم ألا تفقد الوِجهة، تضامن مع أوجاعك واعبر بها من الحقول الشائكة، وتأكد أننا نختار حياتنا ولو بأبسط الإمكانيات، نختار أن نُجرح أو أن يستمر الجرح، نختار الوقوف أو السقوط، نختار الرحيل أو البقاء. أعرفُ أن كل الأشياء المتعلقة بالرحيل مؤذية وضارَّة ولكن هي أخفُّ حدةً من الغربة بين الأشياء التي نحب.