نحت جداري على واجهة جبلية، نصف بارز "ريليف"، بمقابر جوار مَحلب الناقة بالعُلا شمال الحجاز المملكة العربية السعودية، أربعة أسود تحرس المقبرة، منذ مملكة دادان ولحيان 700 ق.م، عمل نحتي معماري يستحق الدراسة والتأمل والتحليل، فالمنطقة غزيرة بالآثار. هل تتخيّل من قرون بعيدة، كان لدينا نحات يصيغ ويعالج ويبدع في ابتكار شكل للأسد بأسلوب تصميم وتشكيل فني هندسي تكعيبي بنائي بسيط وبديع، يعتمد فيه النحت والحذف لتكتيل شكل الأسد على تجريد أو تلخيص خطوط تشكيل الكتلة والفراغ على الخطوط المستقيمة، والاستغناء قدر ما أمكن عن الخطوط الدائرية والمنحنية، بالاعتماد على قدرات الخطوط الرأسية والأفقية على التشكيل والتمثيل والتجسيد، مع إلغاء أكثر التفاصيل التي تضر المعنى ودون المساس بكيان الأسد وهيبة وجوده. بأسلوب فطري بدائي في منطقة محيّرة بين صفر العدم والشكل الطبيعي برع النحات أيضًا على حساب مستويات البُعد الثالث في الفراغ والخلفية، بحيث يتفاعل ويلعب نور الشمس الطبيعي مع الظل في مناطق الغائر والبارز داخل إطار بشكل يلفت المشاهد. تطور فن النحت كثيرًا من فنون فجر التاريخ للفنون المعاصرة، حيث نجد منحوتات جدارية نصف بارزة ومجسمة قديمة في أطراف الجزيرة العربية لها سمات وقواسم مشتركة في الشكل والأسلوب والتنفيذ، في العراق والشام ومصر هناك آثار تاريخية من مختلف الأجيال والعصور، تصنّف بعضها من روائع الفن العالمي ومن عجائب الدنيا، حرص المستعمرون ومن تلاهم على اقتناءها بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة لقيمتها الحضارية التي يصعب تقديرها بالمال. هذا يدعونا للتفكّر والتأمل كيف نحافظ على هذا التراث المحلي والعربي الضخم ونستفيد منه اجتماعيًا وثقافيًا وحضاريًا، وكيف نطوّر التاريخ ونضع بصمتنا عليه؟ سيما وهناك مشاريع مبانٍ حالية ومستقبلية حكومية وتجارية وسكانية يغيب فيها فن النحت الجداري والمجسّم دون أسباب مبررة!. إن الفلسفة التشكيلية التجريدية التي صنعها أجدادنا من فناني الأمس، حاضرة بقوة في فلسفة فنوننا المعاصرة اليوم، منذ بذرها الرسام الحداثي الفرنسي سيزان (1839-1906م)، هي فكرة ثورية تطلب من الفنان إعادة رسم الأشياء حسب حجومها الهندسية، المكعب، الهرم، المخروط، الكُرة بعد إدراك الشكل جيداً للتعبير عنه مبنىً ومعنى. كان لهذه الفلسفة دورًا كبيرًا في تطور الفنون الحديثة في كل القرن العشرين، في فنون الرسم والنحت والعمارة والتصوير والفنون الرقمية وكل البصرية. يرى مؤرخو الفن أن ما قام به سيزان ومرحلة ما بعد الانطباعية حدّثت الفن والفلسفة والجمال، وأدت لظهور حركات واتجاهات فنية كالتعبيرية والمستقبلية والتكعيبية والتجريدية بمذاهبها المتعددة والتبسيطية وغيرها من حركات فنية وموضات تصميمية أثرت المشهد الإنساني والحضاري في حياتنا اليوم.