قالت شركة عالمية بمجال الاستشارات المالية للشركات، في أحدث تقاريرها حول مشهد التجارة والصفقات الدولية، إن الصفقات العابرة من المملكة المتحدة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظت على مرونتها رغم التحديات العالمية في عام 2023. ويشير التقرير إلى أن المنطقة تشهد نقلةً نوعية استراتيجية في مجال الصفقات، تتمثل في تزايد التوجه نحو صفقات الاستحواذ والحصول على رأس مال كبير للنمو، مما أدى إلى ارتفاع عدد الشركات الرائدة في المنطقة وتعديل الاستراتيجيات العالمية للشركات، كما حققت منطقة الشرق الأوسط إنجازاً ملحوظاً خلال عام 2023 بعد أن أصبحت جهةً مُصدرة للابتكارات، وتقود مبادراتٍ وبرامج واسعة في مجالات الطاقة المتجددة والتحوّل الرقمي، ويشير تقرير " لومينا" إلى أن المنطقة ستحافظ على مكانتها مركزاً للتعاملات التجارية الحيوية خلال عام 2024، بالتزامن مع انتعاش مشهد عقد الصفقات عالمياً. كما بين التقرير أن هناك آفاقا واعدة لمشهد الاستثمار الإقليمي خلال عام 2024 بعد ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمستويات قياسية في السعودية والإمارات، حيث واصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفاعها في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية حتى وصلت لمستوياتٍ غير مسبوقة خلال عام 2023، ولكن هذه الاستثمارات في السعودية تجاوزت نظيرتها في الإمارات لأول مرة على الإطلاق، حيث ارتفع معدلها في المملكة بواقع 71%، مؤكداً المكانة المتنامية للسعودية بوصفها وجهةً رائدة للاستثمار على مستوى المنطقة. وجاء ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير النفطية بدعمٍ من المناطق الاقتصادية الخاصة والإصلاحات التنظيمية المستمرة - تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة ركيزةً للخطط الحكومية في المنطقة، وستواصل تدفقها من خلال مبادرات تحوّل الطاقة المتعددة. وسيعتمد تحقيق التوازن بين تقييمات المخاطر والعوائد على المناطق الاقتصادية الخاصة والإصلاحات التنظيمية في المملكة العربية السعودية، كما ستثمر الاستراتيجيات الوطنية الموجهة في كل من السعودية والإمارات وعُمان عن تنفيذ مجموعة من مشاريع الهيدروجين الأخضر، ومع المضي قدماً في تطوير مشاريع البنية التحتية المادية وغير المادية، ستبرز الحاجة إلى التعاون بين الشركات الإقليمية والعالمية وتعزيز الابتكار لتنفيذ هذه الخطط الطموحة بنجاح. ومن أبرز ما جاء في التقرير، أن الشركات العامة المحدودة البريطانية أداءً مبهراً عام 2022 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ارتفعت عوائدها بصورةٍ ملحوظة ولا سيما في القطاعات المتوافقة مع مبادرات تحوّل الطاقة المتزايدة إقليمياً، كما حافظت على جاذبيتها أمام الشركات المدرجة على مؤشر فاينانشال تايمز، التي ساهمت عوائدها في رفع حصة عوائد منطقة الشرق الأوسط إلى 20.9% من المبيعات العالمية (مقارنةً مع 20.1% في العام السابق). ويضم مؤشر فاينانشال تايمز 250 تحت مظلته 27 شركة تسجل أعلى العوائد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها 21 شركة أعربت عن ارتفاع عوائدها تماشياً مع النمو المتسارع في قطاعات النقل والتكنولوجيا والصناعات. ويتزامن هذا الازدهار مع الخطط الطموحة لإنجاز تحوّل الطاقة في المنطقة، والتي توفر فرصاً هائلة للاستثمارات والأعمال محلياً. نمو القطاعات غير النفطية وتعليقاً على هذا الموضوع، قال أندرو نيكول، الشريك لدى لومينا كابيتال أدفايزرز: "تسجل المنطقة نمواً مذهلاً في القطاعات غير النفطية، وخاصة قطاعات الصناعات والرعاية الصحية والنقل والتكنولوجيا، مما يؤكد أهمية الالتزامات الإقليمية بمشاريع الطاقة المستدامة، ودورها في إرساء بيئة حيوية قائمة على الابتكار. ومع مواصلة الاستثمارات في مبادرات الطاقة النظيفة والتقنيات الخضراء في المنطقة، نتوقع ارتفاعاً مستمراً في عوائد الشركات البريطانية، مع ترسيخ مكانة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوصفها مركزاً محورياً للاقتصاد العالمي وقيادة مساعي الاستدامة". ومن المتوقع ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة والاستثمارات البريطانية تحديداً في الشرق الأوسط خلال عام 2024، مدفوعة بمجموعة من المشاريع الرئيسية المرتقبة في المنطقة؛ أبرزها يتمثل في مشاريع تطويرية كبرى/عملاقة متعددة الاستخدامات مثل نيوم، المدينة الضخمة القائمة على أحدث التقنيات والمقرر إنشاؤها في إطار رؤية المملكة 2030، بتكلفة تقديرية تبلغ 500 مليون دولار أمريكي؛ ونخلة جبل علي وبرج خور دبي في دولة الإمارات، كما ستقدم مشاريع البنية التحتية مساهماتٍ اقتصادية ملحوظة وتُسهم في تعزيز الربط والنقل في المنطقة، بما فيها مطار الملك سلمان الدولي ومسار الخط الأزرق لمترو دبي.، وتواصل مشاريع الطاقة المتجددة انتشارها في المنطقة، وعلى رأسها مشروع مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، الذي سيصبح أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم؛ ومحطة الشعيبة الثانية للطاقة الشمسية التي ستوفر الكهرباء النظيفة لمئات آلاف المنازل في السعودية، وتسهم هذه المشاريع مجتمعةً في تمهيد الطريق أمام مشهدٍ واعد للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العام المقبل. وقد تغيّر مشهد عقد الصفقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورةٍ جذرية خلال عام 2023، فتراجعت صفقات مشاريع رأس المال المغامر في مراحلها المبكرة، في حين حافظت صفقات الاندماج والاستحواذ والمشاريع المشتركة التي تتراوح قيمتها بين 30 و200 مليون دولار أمريكي على استقرارها. وفي المقابل، انخفضت صفقات الاندماج والاستحواذ والأسهم الخاصة إقليمياً بواقع 15%، قياساً مع انخفاض صفقات الاندماج والاستحواذ عالمياً بنسبة 27%؛ كما سجلت المنطقة عدداً من الصفقات الضخمة بقيادة صناديق الثروة السيادية. ومن جانبه، قال جورج تروب، الشريك الإداري في شركة لومينا كابيتال أدفايزرز: "لاحظنا خلال عام 2023 تزايد الصفقات التي تقودها شركات القطاع الخاص، وانتعاش نشاط الأسهم الخاصة، لا سيما في عمليات التخارج وجمع رأس المال. وتعكس هذه التغيرات المشهد المتغير لسوق عقد الصفقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". شهد مطلع عام 2024 بداية التحول في المشهد المالي، فازداد التوجه نحو الأسهم الخاصة والائتمان الخاص بوصفها فئات أصولٍ رئيسة للشركات الراغبة في زيادة رأسمالها، مقارنةً بعام 2023. ويتم دفع هذا الاتجاه بسبب الجودة والحجم المتزايدين لصفقات رأس المال الخاص والائتمان الخاص، لا سيما بعد سعي الصناديق الإقليمية لجمع أموالها من مصادر متعددة، بما فيها الصناديق المحلية والعالمية وصناديق الثروة السيادية. ومن المتوقع أن تحل الأسهم الخاصة والائتمان الخاص محل رأس المال المغامر، وتصبح المصدر الرئيسي لتمويل نمو رأس المال. وتساهم مجموعة من العوامل في تعزيز جاذبية الأسهم الخاصة والائتمان الخاص؛ أولها انخفاض أسعار الفائدة ودورها في خفض تكلفة تمويل الصفقات؛ وثانياً الاعتماد المتزايد على المستثمرين المتمرسين لما يقدمونه من قيمة في جوانب النمو والوصول والدعم وصفقات الاستحواذ الصغيرة، ودورهم في وضع تقييمات معقولة؛ كما تشهد السوق ارتفاع عدد الصفقات لا سيما تلك التي تتراوح قيمتها بين 30 و200 مليون دولار أمريكي، والتي تُعد خياراً مثالياً للعديد من الشركات الإقليمية؛ وأخيراً، تحظى صفقات الائتمان الخاصة باهتمامٍ متزايد بوصفها بديلاً أرخص عن الأسهم. وفي الوقت نفسه، تعجز معظم الشركات اليوم كلياً عن الحصول على تمويل من البنوك لإنجاز صفقات الاستحواذ، مما يعزز جاذبية الائتمان الخاص بوصفه مصدراً حيوياً للتمويل في ظل السوق المتغيرة. توقعات 2024 وتوقع التقرير مرونة في عقد الصفقات بحجمٍ أكبر وطابع متمرس خلال عام 2024 - تتسم آفاق قطاع الصفقات بالمرونة، مع زيادة ملحوظة في حجم الصفقات وتعقيدها، والذي يرجع إلى ارتفاع مشاركة الأطراف الدولية في الصفقات العابرة للحدود، وتحول المشهد الإقليمي بعيداً عن تداولات رأس المال المغامر التقليدية. وبالتالي، انتقلت المنطقة من مجرد مناقشة مبادرات الطاقة المتجددة إلى قيادة مساعيها خلال عام 2023، وبدأت تستقطب صفقاتٍ أكبر من شركاتٍ عالمية. ويتركز النمو الإقليمي المتزايد في قطاعات تحوّل الطاقة، والرعاية الصحية، والسياحة والسفر، والألعاب، والهندسة، وإدارة المشاريع، وبالتالي يمهد الطريق نحو مشهدٍ متنوع ومتمرس لعقد الصفقات. عودة التمويل المنتظر - تشير التوقعات إلى أن الأسهم الخاصة والائتمان الخاص، اللذين يشملان الاستثمارات المباشرة والثانوية، سيصبحان أسرع فئات الأصول نمواً في المنطقة، مدفوعين بارتفاع التمويل من مصادر متعددة تشمل الصناديق المحلية والعالمية وصناديق الثروة السيادية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع عدد صفقات الأسهم الخاصة والائتمان الخاص.