يلتحفني الدجى بقلقه في مضجعٍ يجمعني بأُسرتي، في حجرةٍ طينيةٍ متربعةٍ في سطحنا المهترئ، رغم جهود أمي في ترميمه بالطين في كل مناسبة عيد، ترتعد مفاصلي خوفاً من حدة النقاش بين أبي وأمي، وقد دنا من الليل نصفه، أبت مشاعري أن تعتاد هذا الضجيج، رغم تكرره منذ أن اقترن والدي بامرأةٍ أخرى، أغمضتُ جفني تنصلاً من ذاك الوجع، نبضاتي المتسارعة تعاند هروبي، يجود لي النوم ببعض من كراماته، ومن غفوة لم تطل تيقظت على مخاض أمي بحملها الخامس، بعد ثلاث من الإناث وذكر، ولأني أَسْبَقهم إلى الحياة وأفهمهم لأقدارنا فكثيراً ما تخنق الأحداث طفولتي وترمد نشوتي، تقافز الجميع على أنين منزوٍ في السطح ذي الجدران القصيرة المتهالكة، مكان قصي لأمي حتى لا تزعج أبي، تعودت أن تكون حاجز صدٍ له من عوائق الحياة وإن امتلأت روحها أشواكاً، كان يعني لها الحياة فوسدته ذاتها، وتعني له الإنجاب والشموخ فقدر ذلك إنفاقاً وشحت عاطفته حين اشتد بها المخاض، أرسلتني وأخي لجارتنا أم عامر تلك العجوز المباركة التي تشرف على ولادة نساء الحي بخبرتها وحنكتها دون مقابل، تهرول معنا إلى حيث أمي، تضع عباءتها وتشمر عن ساعديها وتومئ لنا أن نذهب لنكمل نومنا، افتعلتُ النوم وقلبي مضطرب بأحداث السطح، وماهي إلا ساعات وإذا بها تحمل المولود وتبشر أبي: : مبروك يا ولدي أبشر برجال. تتركه مترنحاً في دهشته لتكمل عملها في رعاية أمي، ومع بصيص يوم مختلف، خرجتُ وأخي كعادتنا لخباز الحي نحضر الفول والتميس وجبتنا في أغلب الصباحات، ويبقى مشوار المساء للحقول النائية ذات الطريق المموج بالخضرة، نحضر نصيب اليوم من الرطب طازجاً، يخرفه الفلاح من النخلة المحجوز ثمرها مسبقاً كعادة أهل القرية، حماسنا اليوم أكبر، هناك كائن زادنا عدداً ويوم يداعبه فرح، زلفة الليل وانتهاء المهام، ودلة القهوة والرطب تحلق بنا حول أمي، انبهاراً واحتفالاً بضيف يشبهنا، ننتظر تكتمل الحلقة بأبي ونختار اسماً لأخي، أبي لم يعد، غادر القرية مع زوجته وبقي أخي بلا هوية. * قاصة سعودية