كثيرة هي التقارير والدراسات والأبحاث التي تُشير إلى أن المجتمعات والبيئات، سواء المتقدمة أو النامية، تُعاني وبشكل كبير جداً من طغيان وتغول شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تستأثر بنصيب الأسد في فضاء الإنترنت، ما جعل هذه المجتمعات والبيئات تتأثر وبشكل كبير وواضح بالشبكات العنكبوتية التي تُسيّجها من كل الجهات. ما تُحدثه هذه الشبكات التسونامية الهائلة، لم يكن يخطر على بال أكثر المتفائلين بتطور الحياة، فهي الآن تُسيطر تقريباً على كل مفاصل/تفاصيل حياتنا. والكتابة عن تأثيرات وتموجات الإنترنت، ممثلاً بمواقع التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب وإكس والفيس بوك وإنستغرام وسناب شات وغيرها من التطبيقات والوسائط، بحاجة لمساحات واسعة وفضاءات مفتوحة، ولكنني سأحاول قدر المستطاع أن أجيب على السؤال/العنوان أعلاه: ماذا تُريد منّا شبكات التواصل الاجتماعي؟ قبل هذا الطوفان الكبير من هذه التطبيقات والبرامج، كانت المجتمعات بمختلف أشكالها ومستوياتها، تتمتع بقدر لا بأس به من الاهتمام والحرص أثناء تعاطيها مع العلوم والمعارف والخبرات والتجارب والفنون والآداب والثقافات، وكانت تُقاوم كل مظاهر الكسل والتراخي التي تُصيب نخبها ومكوناتها. قبل ظهور هذه الشبكات المثيرة، كانت تُعاني كل المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة طبعاً، من تدني نسب القراءة والمطالعة والاهتمام والجدية في تناول العلوم والمعارف، فما الحال الآن، وسط هذا الزحام الشديد من هذه الشبكات والتطبيقات؟ الآن، أصبحت العناوين والصور واللقطات التي تبثها بشكل لحظي شبكات التواصل الاجتماعي، هي المصادر الأولى التي نستقي منها أخبارنا وقناعاتنا، والتي تؤثر بشكل كبير على قراراتنا وأحكامنا، وهنا تكمن الخطورة، فمواقع التواصل الاجتماعي هي من تُشكّل ذائقتنا وهي من ترسم خريطة ثقافتنا، هي الآن من تقودنا، من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم. في هذه المرحلة الحديثة والمثيرة، لم يعد الكتاب أو التلفزيون أو الإذاعة أو المصادر الأخرى الرصينة، هي التي تُرضي شغفنا وتروي ظمأنا، بل هي تُعاني وتتعرض للكثير من الضغوطات والتحديات، بل وإلى الكثير من الإقصاءات والتحولات. كل مجتمعات العالم، تعيش تأثيرات وتداعيات هذه الشبكات والتطبيقات، الأمر الذي جعلها في سباق محموم وسط كل هذا الكم الهائل من الضخ والتأثير، وما جعلها تدور في فلك هذه الأدوات/الشبكات التي لا مفر منها. لم نعد نملك القدرة الذهنية التي تُساعدنا على قراءة كتاب من عشرات الصفحات، بعد أن كنا نلتهم المجلدات والموسوعات. لم نعد نملك الصبر لمعرفة تفاصيل الأشياء التي تؤهلنا للحكم بعقلانية عليها. لم نعد نُمارس العمق الذي يُتيح لنا الفرصة لفرز واختيار الأفكار والقناعات التي نؤمن بها. كل ذلك وأكثر، بسبب تنامي وطغيان هذه الشبكات والتطبيقات الاجتماعية التي أفقدتنا التوازن والحكمة والوعي والهدوء. لقد استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي، أن تُغرقنا في بحر من السطحية والتسرع والسذاجة، فأصبحت حياتنا مجرد مرور سريع على لوحة مفاتيح مغرية ومثيرة، تُلهينا أكثر، بل تأخذنا إلى متاهات وفضاءات لا تنتهي. مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، واقع جميل لا يمكن القفز من حوله، ولكنه يحتاج إلى الكثير من الذكاء والكفاءة، لكي نستفيد من كل تلك المنصات والتطبيقات التي تتمظهر وتتكثف في كل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة. مواقع التواصل الاجتماعي، هي دليلنا الجديد لحياتنا الجديدة، فقط نحتاج لأن نعرف كيف نستخدمها بكل ذكاء وحكمة، لا أكثر.