يبدو أن الكتابة عن شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي ما زالت مادة دسمة ورائجة، رغم مرور أكثر من عقدين على تسللها لكل تفاصيل وملامح حياتنا، هذه المنابر والشبكات هي الأكثر تأثيراً وتموّجاً، ولكنها رغم كل ذلك الزخم الهائل من الكتابات والمقاربات، ما زالت تُمثّل هاجساً مقلقاً للكثير من العاشقين لها ومن المرتابين منها، فهذه الشبكات الاجتماعية المؤنسة تُلامس العديد من المحاور والقضايا الشائكة والعالقة التي لها ارتباطات وثيقة بحياتنا وعلاقاتنا، ولعلّ أحد تلك المحاور الشائكة والمعقدة التي تستحق التأمل والدراسة، يكمن في حقيقة التشابه أو الاختلاف بين مواقع التواصل الاجتماعي من جهة وبين المستخدمين والمدمنين لها، أو يمكن صياغة هذه الإشكالية المعقدة في هذا السؤال المعقد: هل تعكس منصات وشبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومستوياتها واقع المجتمع الذي تتمظهر وتتكثف فيه؟. مواقع التواصل الاجتماعي وهي الأدوات والتطبيقات والبرامج الصغيرة والبسيطة والمؤنسنة، تُمثّل الآن، بل منذ أكثر من عقدين، الأسلوب الحديث للحياة والنمط العصري لحركة الأفراد والمكونات في كل مجتمعات وشعوب العالم النامية والمتقدمة، شبكات التواصل الاجتماعي هي النافذة الكبيرة والعالية التي تطل منها وإليها الأفكار والآراء والمعارف والآداب والفنون والثقافات، وهي الآن من تتشارك في صياغة وتشكيل الأفكار والآراء والقناعات لدى الأفراد والمجتمعات وتقود. ولعل الأرقام والإحصائيات والنسب الفلكية لعدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في كل أنحاء العالم، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الوسائل والوسائط الاجتماعية والإنترنت بشكل عام هي الشغل الشاغل لكل البشر بمختلف أشكالهم ومستوياتهم، خاصة الأطفال والشباب الذين يستخدمون هذه المنصات والتطبيقات بشراهة وإدمان. فهناك أكثر من 5 مليارات من سكان العالم والذي تجاوز ال8 مليارات نسمة يستخدمون الإنترنت وخاصة مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، والأمر في ازدياد وتوسع بشكل لحظي. وفي المجتمع السعودي الذي يُعدّ من أكثر المجتمعات ولعاً وشغفاً بهذه المنصات والشبكات الاجتماعية، يستخدمها 70 ٪ من السكان أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والشباب، ولمدة تزيد على ثلاث ساعات في اليوم. ويتصدر اليوتيوب التطبيقات والشبكات الاجتماعية الأكثر زيارة في المجتمع السعودي بأرقام ونسب قياسية وفلكية، ثم تأتي بقية المنصات ك «X» والواتساب وسناب شات وإنستغرام. ولم يعد مقبولاً عند الكثير من الخبراء اتهام هذه المنصات والشبكات بأنها مجرد حزمة من الواقع الافتراضي الذي لا وجود له إلا في خوارزميات هذه المواقع والشبكات، فهي الآن تحتل واقعاً حقيقياً يُلامس كل تصرفاتنا وسلوكياتنا التي تماهت وتناغمت مع أدوات ومتطلبات هذه المواقع والمنصات. ويبقى السؤال: ما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على واقعنا؟.