بعد سنوات طويلة من استخدام ومراقبة مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها وألوانها، وبكل ما تحتويه من إيجابيات وسلبيات، وتلك طبيعة كل الأشياء والأمور، أستطيع أن أكون شاهداً مطلعاً على كل تلك الزوايا والخبايا لهذا العصر الفضائي/الافتراضي الذي يُسيطر على فكرنا ومزاجنا منذ أكثر من عقدين. لقد تحوّلت شبكات وتطبيقات السوشيال ميديا إلى مصادر جذب ومتابعة، تنقل وتنشر الأخبار والأحداث، بل وتُصيغ وتُشكّل الأفكار والقناعات. هذه المنصات والمنابر العابرة لكل الأزمنة والأمكنة، بل ولكل الثقافات والاتجاهات، تُمارس كل ألوان وأصناف التأثير والتغيير في كل الأجيال والمستويات. الآن، وبعد كل هذه الخبرات والتجارب في فضاءات ومواقع التواصل الاجتماعي، أجدني قادراً على فرز وانتخاب أهم وأقوى الرسائل والدروس والأفكار والثقافات والمظاهر التي تعلمتها من هذه المنصات الرائعة، ولكنني سأكتفي بخمسة دروس فقط، أكتبها باختصار وهي: الدرس الأول: وهو "المباشرة" في الكتابة، بل وفي كل الأشياء والأمور، وهي ليست مجرد صفة جيدة يجب أن يتحلى بها الإنسان في كثير من الأحيان، ولكنها تستحق أن تكون منهج حياة وأسلوب تعامل. الدرس الثاني: وهو "الواقعية الحديثة" أو ما يُعبر عنها ب"الواقع الافتراضي" الذي تصنعه هذه المنصات والشبكات، أصبح أهم بكثير من ذلك "الواقع الحقيقي" الذي لم يعد يُقدم ما يُغري ويُثير. الدرس الثالث: وهو البحث الدائم عن "الاختصار" وسط هذا الطوفان الهائل من شهوة الكلام والكتابة والاستعراض. تعلمت من هذه المواقع، كيف أصل بسرعة ودقة إلى خلاصة القول وزبدة الفعل. الدرس الرابع: وهو "تكوين الصداقات" التي توفرها بشكل كبير ومفيد هذه الشبكات التي لا يحجمها سقف ولا تحدها سماء. لقد أصبح عالم هذه الشبكات مزدحماً بالصداقات والعلاقات من مختلف الفئات والمستويات، الكثير منها أكثر فائدة ووفاء من الكثير من الأصدقاء الذين تعرفهم منذ سنوات طويلة وتلتقي بهم في كل يوم. الدرس الخامس: وهو بروز مصادر "التعدد والتباين" التي تتمظهر في فضاءات وسماوات هذه الشبكات والمنصات. كتابات وحكايات متباينة ومختلفة، بل ومتصارعة ومتواجهة، ولكنها تصنع بيئة صالحة لقبول الاختلاف ونشر التسامح. طبعاً، لم أكتب عن سلبيات ومشكلات هذه المواقع الاجتماعية التي نعرف جميعاً خطورتها وتأثيراتها، وذلك لأنني فضلت الكتابة في هذا المقال عن الجوانب الإيجابية فقط.