تعهدت عدة دول غربية العام الماضي بتقديم مساعدات لأوكرانيا بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار من تبعات الحرب الروسية على البلاد. والسؤال المطروح هو: كيف يمكن إنفاق هذه الأموال على الوجه الأمثل لضمان تحقيق الازدهار للأوكرانيين؟ يقول المحلل السياسي دوج إيرفنج في تقرير نشرته مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية (راند) إن خبراء الاقتصاد في أوكرانيا احتفظوا بحصيلة قاتمة منذ بدأ الجيش الروسي اجتياح حدودهم في أوائل عام 2022، إذ بلغ عدد المنازل الخاصة التي دمرت في السنة الأولى من الحرب 66 ألفا و618 منزلا، إلى جانب ثمانية آلاف و746 كيلومترا من الطرق الرئيسة التي أتت عليها جنازير الدبابات، والمتفجرات الشديدة. ويتتبع الاقتصاديون عدد المدارس التي تحولت إلى أنقاض والتي بلغت 434 في السنة الأولى من الحرب، وأيضا عدد محطات الطاقة الكهرومائية التي تضررت، أو دمرت، وتبين أن جميعها قد نالها نفس المصير. وهم يعرفون عدد مستعمرات النحل الزراعية التي تم القضاء عليها في عام واحد من القتال، والتي بلغت 86 ألفا و902. وتعطي أرقامهم فكرة عن ضخامة جهود إعادة الإعمار اللازمة عندما يتوقف إطلاق النار. لكنها مجرد البداية. ودرس الباحثون في مؤسسة راند عبر عقود من جهود التعافي، من أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد إعصار كاترينا الذي ضرب مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا الأمريكية، لتوضيح ما تتطلبه إعادة إعمار أوكرانيا. ولم يكن هدفهم إعادة بناء المنازل وفتح المدارس فحسب، بل ضمان "مستقبل أكثر حرية وازدهارا وأمنا" للأوكرانيين وللغرب. زيلينسكي يحذّر من عواقب «تردّد» الغرب في توفير المساعدات وقال هوارد شاتز، وهو خبير اقتصادي بارز في مؤسسة "راند" شارك في إعداد التقرير: "قد يكون هذا أكبر مشروع تعاف في التاريخ الحديث. لن يكون مثل العراق أو أفغانستان. لا يوجد تمرد هنا. لقد وحدت الحرب الأوكرانيين، ولم تقسمهم. سيكون هذا أشبه بما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أو سقوط جدار برلين". ويقول المحلل إيرفنج إن أوكرانيا كانت أفقر دولة في أوروبا حتى قبل غزو روسيا، وكانت بنيتها التحتية في حالة سيئة لدرجة أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي قال ذات مرة قبل الحرب إنه يأمل في أن يذكره التاريخ كقائد بنى طرقا جيدة. وكانت سمعة أوكرانيا في مجال الفساد أسطورية. وأشار تقرير أمريكي إلى حالة قاضية تم القبض عليها وهي تقبل رشوة بقيمة 12 مليون دولار ورغم ذلك تمكنت من الاحتفاظ بوظيفتها. ويضيف أنه من أجل إعادة إعمار ناجح، ستحتاج أوكرانيا إلى الخروج من الحرب على مسار جديد. والآن هو الوقت المناسب للبدء في التفكير في الشكل الذي سيبدو عليه ذلك، وكيفية تحقيق ذلك. وربما لا تنتصر أوكرانيا، ولا روسيا، في هذه الحرب بشكل مباشر. وقد يتخذ السلام، عندما يحل، بدلا من ذلك شكل وقف إطلاق النار أو الهدنة. وستحتاج أوكرانيا إلى سبيل ما لضمان أمنها ضد أي تهديد بهجوم روسي آخر، ومنح المستثمرين الثقة. وانضمام البلاد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) هو أحد الخيارات، لكنه خيار واحد فحسب. ويمكن للولايات المتحدة وحلفاء آخرين، بدلا من ذلك، الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة والتدريب لبناء دفاعاتها الخاصة، كما يمكنهم التهديد بإرسال قوات حال عبرت روسيا الحدود مرة أخرى. وعندئذ يمكن لأوكرانيا، الأكثر أمنا، أن تتحول إلى مهمة إعادة البناء الطويلة والمكلفة. ويقدر خبراء اقتصاد أن الحرب تسببت في أضرار بأكثر من 150 مليار دولار، فقط للبنية التحتية المادية. لقد كان الدمار كاسحا وكاملا لدرجة أنه في بعض الأماكن يشبه وقوع كارثة طبيعية. ويقود هذا إلى السؤال المهم التالي: من أين ستأتي الأموال؟ كانت الدول الغربية جمدت نحو 300 مليار دولار من الأصول الروسية. لكن ليس من الواضح على الإطلاق أن الاستيلاء على هذه الأصول واستخدامها لإعادة البناء سيكون أمرا قانونيا بموجب القانون الدولي. ولكن بدلا من ذلك، ونظرا لحجم التحدي، دعا العديد من المعلقين إلى وضع خطة مارشال جديدة لأوكرانيا. وقدمت خطة مارشال الأصلية مليارات الدولارات للمساعدة في انتشال أوروبا الغربية من حطام الحرب العالمية الثانية. ووفرت المساعدات، وتأسيس الناتو في نفس الوقت، الاستقرار الذي احتاجته أوروبا لإعادة البناء. ولكن ما يتعرض للتجاهل في كثير من الأحيان هو أن الاستثمار الخاص، وليس المساعدات الدولية، هو الذي مول التعافي في الأساس. ولم تبدأ المحركات الاقتصادية لأوروبا مرة أخرى حتى بدأت التجارة الدولية في التدفق. وقد تشكل أوروبا الوسطى بعد سقوط سور برلين سابقة أقرب لأوكرانيا. وهناك، جاءت بعض المساعدات الأمريكية في شكل صناديق مشروعات استثمرت في شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. وأعادت هذه الأموال تنشيط المصارف، وبناء الصناعات لمساعدة البلدان التي تلقتها، مثل بولندا والمجر، على الانضمام في نهاية المطاف إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. وهذا هو الهدف المعلن لأوكرانيا أيضا، ويجب أن يكون لإمكانية حصول البلاد على عضوية الاتحاد الأوروبي "قوة جاذبية" لجهود التعافي. ويخلص إيرفنج إلى أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ زمام المبادرة، في إدارة التعافي الاقتصادي، مع تحديد أوكرانيا للأولويات. ويتعين على الولاياتالمتحدة أن تأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بالأمن. كما يجب على جميع الشركاء الرئيسيين تعيين ممثلين خاصين لتنسيق دعمهم وضمان تلبية احتياجات أوكرانيا، حتى إزالة الأنقاض. ومع احتمال تدفق مليارات الدولارات إلى البلاد، يتعين على أوكرانيا أن تعين مفتشا عاما مستقلا لضمان إنفاق الأموال بشكل جيد وشفافية العملية.. الى ذلك حذّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء، من أن "تردّد" الدول الغربية بشأن توفير مساعدات إلى كييف، يشجّع فلاديمير بوتين الذي يرغب في "احتلال" كامل أراضي أوكرانيا، على مواصلة عملياته. وقال زيلينسكي خلال زيارة إلى فيلنيوس "علينا التنبّه لخطاب بوتين. هو لن يتوقف. يريد احتلال كامل أراضينا". وتابع "إنّ تردّد حلفائنا في توفير المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، يتسبب أحياناً في زيادة تجرؤ روسيا وقوّتها". وأشار خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الليتواني غيتاناس نوسيدا، إلى أنّ بوتين لن يوقف أعماله العسكرية ما لم تضع أوكرانيا وحلفاؤها حدّاً له. ورأى أنّ هزيمة أوكرانيا من شأنها تعريض الدول المجاورة الأخرى لروسيا لخطر الغزو. وتابع "علينا أن نفهم أنّ ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا ومولدوفا قد تكون الضحايا التالية في حال لم نصمد". وأكد زيلينسكي أنّ بلاده "تفتقر بشكل كبير" إلى أنظمة الدفاع الغربية المضادة للطائرات، لمواجهة القصف المكثّف الذي يطال البلاد خلال الأسابيع الأخيرة. وقال "ضربت روسيا خلال الأيام الأخيرة الأراضي الأوكرانية ب500 قذيفة دمّرنا 70% منها".