عُرفت المجالس الثقافية في مجتمعاتنا منذ وقتٍ مُبكرٍ، وتستقبل هذه المجالس الأُدباء والشعراء والمفكرين ونحوهم، وتشهد سجالاتٍ فكريةٍ وثقافيةٍ أثرت بها على الساحة بشكل عام. ما رؤيتكم لأهمية هذه المجالس وإسهاماتها في تطور المشهد الثقافي لدينا؟ التواصل والتفاعل في البداية يشير عبد الحق هقي، كاتب وباحث جزائري مقيم في السعودية إلى أن الثقافة العربية كانت ولا تزال ثقافة جَمْعيةً قائمة على التواصل والتفاعل، وعلى التراكم المعرفي من خلال التبادل المعرفي بين المكونات والأنماط المختلفة، لذا شكلت المنتديات الثقافية بجميع أشكالها وأنماطها إحدى أهم المرجعيات الثقافية في عالمنا العربي، ولعل أقدم التجمعات التي يمكن الإشارة لها كأنموذجٍ للمنتديات الثقافية في الثقافة العربية هو: سوق عكاظ الذي تعود بدايته إلى 501 للميلاد. ويضيف: ومع ظهور الإسلام وتشكل الحضارات الإسلامية برزت عديد المنتديات الثقافية التي كان بعضها سلوكًا متأصلاً في دواوين السلاطين وبعضها في المؤسسة الدينية آنذاك "المسجد" وبعضها لدا الحركات الفكرية المتدافعة في المجتمع، ورغم التباين بينها من حيث المرجعيات والولاءات فقد شكلت مثالاً للتدافع والتفاعل في المجتمعات العربية الإسلامية الوليدة، ونموذجًا للحوار والتعايش وإثراء الحراك الفكري والمعرفي إنسانيًا. ولقد شكلت المنتديات الثقافية في المملكة العربية السعودية منذ نشأتها امتدادًا لذلك الحراك الحضاري في المجتمع العربي والإسلامي، وأضفت تلك المنتديات والصالونات والتجمعات الثقافية المهيكلة أو العفوية الدائمة أو الموسمية -إذ شكل موسم الحج فرصة لنشاط عشرات المنتديات التي تجمع المسلمين من كل العالم- نواة الحركة الثقافية في السعودية، وساهمت في تفعيل المشهد الثقافي والأدبي في عموم المملكة. ولا شك أن رؤية المملكة 2030 في بعدها الاستراتيجي الهادف إلى خلق مجتمع حيوي، يسعى في تنمية المساهمة السعودية في الفنون والثقافة سيعمل على تأصيل هذه المنتديات المنتشرة في المدن والقرى، ويعمل من خلال برامجه ومبادراته على تكريس فاعليتها في إثراء المشهد الثقافي وتعظيم أثرها المجتمعي، وترويجها كقوة ناعمة في التأثير الحضاري إقليميًا ودوليًا. ويختم قائلاً: ما تحتاجه هذه المنتديات الثقافية في الوقت الراهن بالإضافة إلى الجهود المبذولة في تنظيمها وهيكلتها تعزيز الوعي بأهميتها في المجتمع، وزيادة فاعليتها، ويبقى التحدي الأكبر تحويل بعض مناشطها ومخرجاتها إلى منتجات ثقافية قابلة للتداول لضمان استدامتها المالية من جهة وإسهامها من جهة أخرى في رفع مساهمة الثقافة في الناتج المحلي كما هي مستهدفات الرؤية. الحراك الأدبي وتؤكد الدكتورة لطيفة سعود العصيمي، شاعرة وناقدة وصاحبة صالون ثقافي أن المجالس الثقافية تسهم في إثراء الحركة الأدبية والمنجز الثقافي بما تقدمه من لقاءات وحوارات فهي نافذة على الثقافة عامة والأدب خاصة، ولعل أبرز آثارها هو ربط الأجيال الأدبية ببعضها والتواصل الفعال مع المهتمين بالشعر والأدب. والراصد للحراك الأدبي في الصالونات الثقافية يجد تطوراً ملحوظاً في إدارتها واهتماماتها بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث، فأصبحت هناك مجالس ثقافية افتراضية مما وسع عمل الصالون الثقافي وتنوعت الشرائح المجتمعية التي يستهدفها، وأصبحت هناك مجالس نسائية مختصة ذات طابع خاص يهتم بعضها بأدب الطفل وإشراكه في هذا الحراك الفعال، ونأمل من وزارة الثقافة أن ترعى هذه الجهود وتنظم عملها لتستمر كل حين ولا تتوقف بتوقف أصحابها. التعايش الفكري ويقول أ. مشهور بن محمد الحارثي، رئيس جماعة رؤية بنادي مكة الثقافي الأدبي مدير المنتدى الثقافي للشيخ محمد صالح باشراحيل -رحمه الله-: المجالس الثقافية هي بمثابة ثقافة وحياة تقوم على إبراز الجانب الثقافي للمجتمع المحلي من حيث نشر الوعي والفكر وتبادل الرأي والمعرفة وتلاقح الأفكار وممارسة الحوار الفاعل والإيجابي وقبول الرأي الآخر والتعايش الفكري والثقافي وتعميق الوحدة الوطنية فقد أضحت هذه المجالس حاجة مجتمعية، فهي كالنوافذ التي من خلالها تنطلق ملامح الفكر والثقافة لأفراد المجتمع، إضافة إلى أنها مكون أساس تتوازى في سيرها مع رؤية المملكة لتحقيق أهدافها التنموية الشاملة والمنشودة. وقد أحسنت هذه المجالس الثقافية عبر برامجها وفعالياتها المتنوعة سواء المنبرية أو عبر تكريم الرموز القيادية والفكرية والثقافية كذلك دعم المواهب الشابة وتحفيز المبدعين منهم. لذا نجد هذه المجالس تلعب دوراً مهماً مع مؤسسات الدولة الحكومي منها والخاص في توعية المجتمع لكل ما يستجد من مظاهر حضارية يتم توجيه الأفراد إليها والعناية بها أو ظواهر سلبية تستوجب معالجتها والبحث عن حلول لها. الاهتمام المشترك وتشارك رباب محمد عضو نادي حياة للقراءة قائلة: تكتسي المجالس الثقافية صبغة أدبية تتأثر بالطابع العام بالمجلس والبيئة المحيطة به. وكما نعرف أن تلك المجالس الأدبية وما توفره من تعاطٍ خاص ودافئ وحميم للمستجدات الأدبية نراها أيضاً تضطلع بتنفيذ مهامها الرئيسة المتعلقة في خدمة الثقافة والأدب وتبادل الأنشطة مع الجهات ذات الاهتمام المشترك. وتأتي هذه المجالس في صباحات رائعة تمتزج بها الأحاديث الثقافية مع رائحة البن والهال أو يكون بعضها في موعد في مساء مؤتلق وأنيق. ولا يخفى الدور الكبير الذي تقوم به هذه المجالس نظراً لأنها تعتبر من أهم منابر التواصل بين مثقفي المجتمع وكتّابه وشعرائه، كما تعد وسيلة فاعلة لمناقشة القضايا الأخرى في قالب ثقافي مبهر. وهذه المجالس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود بيئة محبة للفكر والأدب لدى صاحب المجلس مع وجود شغف كبير بجمع الكتب واقتنائها وإقامة اللقاءات والحوارات بين المهتمين في مكان بعيد عن الرتابة. وقد شهدت هذه المجالس إحدى أنصع التجارب الدالة على دور الأفراد في صنع الثقافة وتأهيلها. ويأتي ذلك في إطار تعزيز الحركة الثقافية من منطلق الواجب نحوها كوسيلة لصناعة الرقي الفكري والذائقة الأدبية. وهذا كان له أكبر الأثر في صياغة مشروعات ثقافية أخرى مثل أندية القراءة والمنصات المعرفية عبر الإنترنت والمساحات الصوتية وغيرها. وعملت هذه المجالس في إبراز الدور الكبير لدى المملكة العربية السعودية وتكريم المميزين فيه، مما يكشف ثراء وتجدد المشهد الثقافي السعودي. كما تعمل المجالس بصفة عامة على الاستفادة من وسائل التقنية في نشر المعرفة ويشمل ذلك إيصال رسالة الثقافة السعودية ضمن رؤية 3020 وذلك عبر نطاق واسع. كما تجسد المجالس الثقافية تأثير المبادرات الفردية التي يقوم بها الأفراد في تشكيل الفعاليات الثقافية. وهي بصفة عامة تحتاج إلى الإيمان بأهميتها وتفردها كنمط خاص يفضله بعض المثقفين وتتيح لهم التفاعل الفكري بصورة وطريقة أكثر عفوية. وتعكس المجالس الأدبية إثراء واسعاً في الحركة الثقافي في المملكة العربية السعودية من خلال التنوع في الطرح والكثافة حيث منها الأسبوعي والشهري، ويتم فيها التطرق للنواحي الأدبية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما توفر للمتخصصين والمبدعين في المشاركة من خلال قنوات أرحب وأكثر. مشهور الحارثي عبد الحق هقي