أخذ الروائي بيتر هاندكه في قصته عن الموسيقى، بربط السرد بأفكارٍ تتوالد وتتنافى بلا انقطاع. كما كتب: «بما أنه لا يوجد شيء سوى الفكرة، فالفكرة هي كل ما أستطيع أن أخبرك عنه»، كاتب كرّحال. الذي ارتحل لسنين بلا مأوى. كان يتساءل دائمًا ما الشيء الغريب الذي يعتبر كأمر مهم للهاربين عن العالم؟ أولئك الذي يجلسون في المقاهي البعيدة عن المدينة، من أجل قراءة الصحف والأخبار بصمت. كانت الإجابة الجكسبوكس مشغل الأغاني المنقرض، الذي دفعه للسفر إلى مدينة سوريا الإسبانية للكتابة عنه. تبدأ القصة وهو يتوجه إلى محطة الحافلات. كان دائمًا مستعدًا للهروب. لكن هذه المرة الهروب من أجل الكتابة عن الجكسبوكس الذي بدأ بالانقراض. هكذا كان الأمر بالنسبة له، لكنّها ستكون دافعاً جاداً للتأجيل، كما اعتاد في كل مرة يؤجل فيها الكتابة. ليكون الكاتب الذي لم يكتب شيئًا بعد! لقد كانت له علاقة طويلة مع مشغل الأغاني، لربما تعود إلى نظرته المختلفة نحوه. كان يراه كائنًا حيًا، يستمع للموسيقى التي تخرج منه بوقارٍ لا يخرج منه، بتركيزٍ لا يدع لخياله يوارد له الأحلام. كان يعتقده بأنه آلة موسيقية إضافية تضفي على الموسيقى نغمتها الأساسية. لقد كانت تنساب من أغوار قلبه نشوة عندما يستمع للموسيقى من خلال مشغل الأغاني كنشوة الحب الذي شعر بها، ليتساءل هل هذا تخطٍ للحدود؟ أم تجسّد في شكل العالم؟ أسباب عدة تدفعه للبحث عنه، بالقرب من مناطق الآثار والكنائس، أو في مرافئ الصيد والحانات الموجودة بداخل المدن، أو في المتنزهات. في تحديد أماكن البحث، كان يعتقد أن هنالك حالة طقس معينة تتسم بها الأماكن التي يتواجد بها « لقد أراد فقط قبل أن يختفي الجهاز بعيداً عن ناظريه أن يقر ويؤكد، ما الذي يمكن أن يعنيه له شيء مثل هذا، وخاصة ما الذي يمكن أن يصدر من مجرد شيء مثله». في رحلة البحث عن مشغل الأغاني، حدثت له الكثير من القصص المتعرجة التي تأخذه بعيدًا عن الكتابة. في نهاية رحلته، شعر بالارتحال. بعد محاولات البحث التي أخذت منه أيامًا طويلة ليقضيها في مدينة سوريا؛ ليقول لنفسه كنوع من العزاء «لقد قمت بعملي الذي يشبهني». عن الموسيقى هي القصة الثانية لخماسية الروائي بيتر هاندكه التي يمكن وصفها بالفارغة، لكنها مليئة بالحياة. بلا فائدة، لكنها تحمل معاني آسرة. بنهاية وبداية غير محددتين، لكنها تحمل نكهة فلسفية عن سرمدية الزمن.