سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
روايتها المقبلة تعالج الاغتراب بأسلوب تغلب عليه السخرية والطرافة . داعية إلى التمسك بالجذور اللبنانية والعربية في مواجهة العولمة إميلي نصر الله : أرفض تحطيم اللغة وصوت المرأة هو دائماً صوت الداخل
"إن كل ما ورثناه من لغة وفكر وعادات متجذرة في حياة الجدود، وأنا كتبت عن هذه الأمور من منظور حديث، وغير تقليدي"، هكذا تختصر إميلي نصرالله تجربتها، وتبرّر ارتباط أدبها بمناخات الريف اللبناني وأجوائه، موضحة أنّها تأثّرت بميخائيل نعيمة ومارون عبود وتوفيق يوسف عواد، "والكبار الذين أرسوا قواعد الرواية والقصة، وأصّلوها، وجعلوها مرتبطة ببيئتها وحقيقتها وجذورها". وتردّ على النقاد الذين يتعاملون مع ابداعها بطريقة اختزاليّة، لافتة إلى أن روايتها تبعت مسار حياتها: "كتابتي عن القرية تبدلت، فهي مختلفة في "طيور أيلول" حيث طبعها الحنين، عنها في "الجمر الغافي" حيث التعامل الواقعي جداً مع القرية". وتستدرك الكاتبة التي ترجمت قصصها ورواياتها إلى لغات عالميّة عدّة : "حين نكتب أدباً صادقاً معبراً عن أعماقنا بحرارة وبإخلاص، يصل الى الآخر حيثما وجد، حتى لو عبّر عن خصوصيتنا لأن التجربة الانسانية متشابهة". وتذكّر الكاتبة بأن "كلام المرأة يشبه أصوات الشعوب المقهورة التي تنطلق من الأعماق"، كما تقسو في حكمها على "الرواية الجديدة": لا تكون التجارب أدباً الا حين تنضج، أنا مع الحفاظ على البنية الكلاسيكية للرواية لا يجب ترك القارئ وسط كلام مفكك عليه تركيبه ثم فهمه". تبدو إميلي نصر الله، في صورة عائلية التقطتها كاميرا قديمة، فتاة نحيلة لا تتجاوز السادسة، يميزها عن أشقائها كتاب تمسكه بين يديها الصغيرتين. رافق الكتاب إميلي طفلة، وشدّها حب التعلم باكراً. قبل بلوغها السادسة، كانت الطفلة تذهب للتنصت على التلاميذ والأساتذة مختبئة تحت نوافذ الصفوف، تستمع الى الشرح وتحفظ الدروس غيباً بلا أقلام ولا ورق ولا كتب! وعلى الرغم من تلقيها التربية القروية التقليدية و"بعصا من حديد"، لم تتوقف ابنة "الكفير" عن تحدي بيئة الضيعة التي تحدّ من طموح الفتاة العلمي، فتمردت وثارت على التمييز من دون خوف ونجحت. ولم تتقبل إميلي قرار أهلها حين اختاروا أخاها الأصغر ليتابع دراسته الثانوية في حين انها الكبرى، متذرعين بالخوف من اسكانها وحيدة بعيدة عن العائلة، فتمردت وأرسلت إلى خالها المغترب تخبره برغبتها في اكمال دراستها وممانعة أهلها لها، فتدّخل لصالحها وغطّى نفقات دراستها. هكذا، لم تضحِّ إميلي نصرالله بعلمها في سبيل ارضاء جو القرية، وما لبثت ان انتقلت الى بيروت لإكمال دراستها حيث عملت في الصحافة طيلة 15 عاماً في "دار الصياد". هذه البيئة القروية المحدودة دفعت الروائية اللبنانية الى المناداة بالانفتاح، فقفزت فوق سياجات عالية من التقاليد البالية وفكّت قيودها عبر الكتابة الأدبية. وقد ظهر الأمر جلياً في رصيدها الذي يتضمن 6 روايات منذ العام 1962 "طيور أيلول"، "شجرة الدفلى"، "الرهينة"، "تلك الذكريات"، "الإقلاع عكس الزمن" و"الجمر الغافي"، إضافة إلى 8 مجموعات قصصية هي "جزيرة الوهم"، "الينبوع"، "المرأة في 17 قصة"، "الطاحونة الضائعة"، "خبزنا اليومي"، "محطات الرحيل"، "الليالي الغجرية" و"في البال" الى مؤلفات للأولاد منوعة بين الرواية والقصة. يمثل أدب نصر الله جزءاً مهماً من أدب القصة اللبنانية، فهي تستلهم الواقع لتنسج منه شخصيات محليّة، لكن منفتحة بتجاربها الانسانية الصميمة على العالم أجمع. وقد ترجمت رواياتها وقصصها الى لغات عدة منها الإنكليزية، الألمانية، الدانماركية، الهولندية، السويدية، النروجية والإيطالية. في أسلوبها البسيط العفوي ومثاليتها العاطفية وصلت نصر الله الى قلوب الجميع حتى في الغرب، وأخيراً، ترجمت لها قصة "بيت ليس لها" من كتاب "خبزنا اليومي" الى اللغتين السويدية والنروجية، وهي تتحدث عن شعور المرأة المهجرة، وقد تمّ ادخالها في أنطولوجيا سويديّة عن القصة العربية. كما أدرجت قصة "انفجار" من المجموعة ذاتها، في أنطولوجيا أميركية عن القصة العربية في الولاياتالمتحدة، وهي تروي تجارب ضحايا الحرب والتهجير والإبادة. وقريباً تصدر الترجمة الإنكليزية والهولندية لكتاب "يوميات هر". وبعد رحلة طويلة في عالم الأدب، تعيش إميلي نصر الله اليوم في صفاء تام همّها الوحيد الاهتمام بعائلتها وحديقتها، ونثر الزهور والخضار على الشرفات. "الوسط" التقتها وسط مملكتها وأجرت معها الحديث الآتي: لِمَ برأيك تم اختيار أدبك وتضمينه في أنطولوجيات عالمية؟ - لقد سهّل التواصل عبر الإنترنت التعريف بنا، وحظي ما كتبناه عن بيئتنا وعن الحرب باهتمام العالم. كتبت عن الحرب وضحاياها معتبرة ان لا منتصر فيها البتّة، سوى الضمير الإنساني. أنا لا أؤمن ان العنف هو الوسيلة لحل أي مشكلة، بل يكمن الحل في الحوار عبر الكلمة التي تصل وحدها الى الآخر، وعندي ان لا عدوّ للإنسان البتّة بل ثمة انسان آخر لا أعرفه فقط. هذه الأفكار التي حملتها في أدبي تشمل الإنسانية جمعاء من هنا الاهتمام بها في العالم. بِمَ تتميز رواية إميلي نصر الله عن سواها من الروائيين والقصاصين اللبنانيين، وكم أنت قريبة من مارون عبود، توفيق يوسف عواد، فؤاد كنعان، يوسف حبشي الأشقر وسواهم؟ - ألتقي مع هؤلاء في خصوصيتهم اللبنانية، وهذا ما أكده باحثون ودارسون كتبوا عن أعمالي، وقد كتب أحد المستشرقين ان رواياتي هي امتداد للمدرسة اللبنانية. هذا الأمر يؤكد ان العالم يعترف ان الأدب اللبناني له ما يميّزه على الخريطة العربيّة : هناك شخصية لبنانية لها عاداتها وتقاليدها وبيئتها القروية التي هي في أساس جذورها. ان كل ما ورثناه من لغة وفكر وعادات متجذر في حياة الجدود، وأنا كتبت عن هذه الأمور من منظور حديث، وغير تقليدي. لقد جددت من خلال اللغة والفكر الى درجة دفعت احدى الناقدات الأميركيات الى القول ان إميلي نصر الله تكتب القصة مثلما نكتبها نحن. هذا يبرهن ان أسلوب قصتي يشبه طريقة الغربيين في الكتابة، غير انني كتبت عن الانسان اللبناني وبيئته كمصدر وحي لي. هل تأثرت بالأدب الغربي؟ - بالطبع. قرأت في بداياتي للكلاسيكيين وتأثرت بالقصة الروسية عند تولستوي وسواه، وأحببت الروايتين الانكليزية والأميركية عند شتاينبك وأرنست همنغواي اللذين قرأناهما في الخمسينات والستينات... والى ذلك لفتني أسلوب فيرجينيا وولف. لكنني لا أقلد أحداً، أدخل فقط الى عوالم هؤلاء الكتّاب وأرصد تطوير لغتهم وأدبهم وأتعلم منهم خصوصاً ان الغربيين سبقونا في كتابة الرواية. ان الرواية فعل جديد في لغتنا العربية باعتراف أحد كبار الرواية العربيّة، أي نجيب محفوظ الذي تأثر في بداياته ببلزاك. وقد تأثرت بمن سبقني من كتّابنا مثل ميخائيل نعيمة ومارون عبود وتوفيق يوسف عواد والكبار الذين أرسوا قواعد الرواية والقصة، وأصّلوها، وجعلوها مرتبطة ببيئتها وحقيقتها وجذورها. هناك من يعتبر أن الرواية اللبنانية، ومثلها القصّة، بقيت ريفيّة أساساً، حتّى الجيل الذي برز في الحرب اللبنانيّة. - إن معظم أدبنا ريفي لا سيما ما برز منه. نحن الروائيين نكتب ما نعرفه عن الحياة القروية التي نشأنا فيها، وبقيت في جذور أعمالنا. إن القرية هي عالم متكامل، وتحتوي كل العناصر التي من الممكن ان تبني عليها عملاً روائياً. تبقى القرية مسرح الرواية الأهم لديكِ، ألا تتوقين للخروج منها وخوض مواضيع وتجارب جديدة؟ وكم يمكن للحنين الدائم ان يخنق الرؤية الأدبية التي تتطلع الى المستقبل؟ - آسف لكون بعض النقاد يستمر في لومي على أني كتبت عن القرية فقط. ليس الأمر صحيحاً، لقد تطورت الرواية مع حياتي. تضمنت "الرهينة" شخصية بنت المدينة والريف. ولا تتحدث رواية "الاقلاع عكس الزمن" عن القرية فقط بل عن المهجر، كما كتبت عن الحب والمرأة. لقد تبعت الرواية مسار حياتي، حتى كتابتي عن القرية تبدلت، فهي مختلفة في "طيور أيلول" حيث طبعها الحنين، عنها في "الجمر الغافي" حيث التعامل الواقعي جداً مع القرية. الواقع أنك غادرت القرية منذ العام 1953، لكنك لا تزالين ملتصقة بها جداً في رواياتك، حتى الجديد منها، لا سيما في "الجمر الغافي" كيف تشرحين هذا الأمر؟ - لقد تعمدت ادخال القرية وحياكتها في هذه الرواية، لأنني شعرت ان الحرب أحدثت شرخاً بين الجيل القديم والجيل الجديد الذي نشأ بعيداً عن الجذور، في المهاجر او في المدن. أحببت ان أعرّفهم على لغة الأمثال والقرية والحياة، وأن أنسج فيها "الحجر الغافي". كانت هذه الرواية نوعاً من إشارة تماثل للغة القرية التي تنسجم مع حياة الناس أجمعين. لقد ركزت على هذه اللغة بكل وعي، ايماناً مني أنني أنقل رسالة الى الأجيال الجديدة. لكن كم تخاطب روايتك هذا الجيل الشاب الذي يجد نفسه في غربة عن أجواء القرية ومصطلحاتها؟ وكم هو معني بها؟ - كانت ابنتي الكبيرة منى وهي مهندسة معمارية أول من قرأ الرواية. وعلى الرغم من الحس النقدي الحاد والمتجرد الذي تتمتّع به، قالت لي إنه لا توجد كتب كثيرة ممتعة بهذا الشكل. لقد كتبت رواية "الجمر الغافي" خصيصاً لهذا الجيل الذي قطعته الحرب والهجرة عن بيئته وجذوره. الوصول إلى القارئ الغربي ترجمت رواياتك الى لغات عدة، هل ترين انها تصل الى القارئ الغربي؟ وهل تجدين فيها أموراً تخاطبه؟ - في أول ترجمة ل "طيور أيلول" الى الألمانية تساءلت بيني وبين نفسي عما يجعل الألمان يهتمون برواية تدور في أجواء القرية اللبنانية الى هذا الحد؟ أتاني الجواب عندما دعيت الى مؤتمر أدبي في برلين، وقدمتني المستشرقة الدكتورة دوريس كيلياس قائلة: "إن منى في "طيور أيلول" هي أنا، الفتاة الألمانية، فقد عرفت كل تجاربها التي عاشتها في القرية". هذا يعني ان ليس للأدب حدوداً. حين نكتب أدباً صادقاً معبراً عن أعماقنا بحرارة وبإخلاص، يصل الى الآخر حيثما وجد، حتى لو عبّر عن خصوصيتنا لأن التجربة الانسانية متشابهة، تتغير البيئة واللغة لكن الانسان يبقى نفسه أينما كان. هل من الممكن في عصر العولمة ان ينحسر الأدب الذي يعبّر عن خصوصيات معينة؟ - أخشى ذلك. لكنني أؤثر التركيز على الخصوصيات. اذا صرنا جميعاً متشابهين تحدث كارثة. ان تعددية الثقافة والحضارات هي غنى للتجربة الانسانية. صحيح ان العولمة تجلب لنا حسنات التواصل والتعرف على الجديد من الاكتشافات والحضارات، لكن لا نريد ان تمحونا. هنا أذكّر بقول لغاندي مفاده: "أرحّب برياح الحضارات تهبّ عليّ ولكن أربأ بواحدة منها ان تقتلعني من جذوري". نريد ان تبقى الجذور اللبنانية والعربية معبّرة عن أصالتها كي لا نفقدها. الرواية النسائية انتهت المرأة حاضرة دوماً في أدبك، الى أي حد تشبهك المرأة التي تكتبين عنها في رواياتك؟ - يكمن في كل امرأة جزء مني، وشخصياتي النسائية تعبّرن عن حقيقة ما مرّت في حياتي. اذا لم يتداخل الكاتب مع شخصياته يبقى خارجاً، كأنه يكتب ريبورتاجاً صحافياً. يؤخذ على امرأة إميلي نصر الله أنها لم تتغير، فهي دائماً المرأة الصامتة المقهورة الخجلة البسيطة الثورية الهادئة، ولم تقترب يوماً من عالم المحسوسات او الرغبات الأنثوية المباشرة، لمَ هذا القالب الجامد لامرأتك؟ - يوجد في هذا الكلام بعض الإجحاف في حقّ أعمالي. لقد عبّرت في قصصي عن المرأة في كل حالاتها، لكن طريقة تعبيري عن حميميات الشخصيات هي مبطنة غير فاضحة وغير مباشرة وهذا فن من فنون الكتابة. لكن بعض الكاتبات مثل غادة السمّان تجرأن على وصف مشاعر المرأة بوضوح تام، هل تجدين الأمر معيباً؟ - هذا هو أسلوبهن والمسألة، تتعلق بذوق كل شخص، كما في اختيار الملابس! أنا مثلاً لا أحب ارتداء الملابس الفاضحة بل التحفظ. حين أكتب بالتالي أعطي المرأة حقوقها حسب الشخصيات والأدوار التي تلعبها أو البيئة التي تنتمي اليها. في "البحر الغافي" كتبت عن موضوع شائك جداً في أسلوب ناعم لأنه أسلوبي... وأنا أشمئز من الأسلوب المباشر. ما رأيك بالرواية النسائية الراهنة؟ - أعتقد ان الرواية النسائية قد انتهت، لقد قالت المرأة ما عندها، وحكت عن خصوصياتها، واحتجت على واقعها وأبرزت مواقفها رافضة التدجين ورافضة جعلها أداة وسلعة، لكن اليوم، مع التقدم العلمي بات الرجل والمرأة يواجهان المشاكل عينها ولم تعد هناك مشاكل خاصة بالمرأة وحدها، يوجد الانسان ومصيره الكوني والاجتماعي. بعدما دخلنا في عصر الخريطة الجينية والاستنساخ لم يعد باستطاعة المرأة حصر نفسها في دائرة صغيرة بينما أمامها مجالات وأبواب واسعة تمنعها من البقاء فقط في حدود أنوثتها. حتّى لو انفتح الأدب النسائي على العالم، ألم تعد له خصوصية برأيك؟ - بالطبع للأدب النسائي خصوصياته. وأنا أقول دوماً : حين تتحدث المرأة أصغوا اليها لأن صوتها هو دائماً صوت الداخل. ان كلام المرأة يشبه أصوات الشعوب المقهورة والعبيد التي تنطلق من الأعماق. هذه خصوصية أدب المرأة علماً ان التكرار لا يجوز بل ينبغي البحث عن منطلقات جديدة. يقول بعض النقاد ان لغتك بقيت ضمن الأدب المدرسي من حيث السهولة والبساطة، ما رأيك؟ - أنا لم أحطّم اللغة، ثمة كتّاب حاولوا تحطيم اللغة، فنقرأ من دون ان نفهم. ينبغي التنبه كيف ينظر العالم الى أدبنا. قالت لي إحدى الطالبات الأميركيات التي تحضّر أطروحة الدكتوراه، "حين نقرأ قصصك نفهمها اذ لا تزال تحتفظ ببنية القصة المعروفة وببناء لغوي نستفيد منه في بناء لغتنا". لا أريد ان أحطّم لغتنا بل أطمح الى تجديدها من ضمن اللغة ذاتها، فإلى أين نصل حين نقرأ عبارة من دون ان نفهم شيئاً؟ اللغة وسيلة للتفاهم وليس للتباعد، لغتي أنا أجددها، لكن في أسلوب خاص سلس وسهل. أحياناً يصل الكاتب الى وقت تستحيل فيه لغته الى موسيقى، هذا الأمر خطر على العمل الأدبي الروائي والقصصي. يجوز الانطلاق بهذه اللغة في الشعر، أنا كنت واعية لهذا الأمر ولجمت نفسي ولم أدع الانطلاقة الموسيقية اللغوية تجرفني، لأنني أريد ان أبقى في مدار الرواية والقصة. ما رأيك بالرواية الجديدة التي تقطع مع البنية الكلاسيكية المعروفة؟ - انها نوع من الكتابة الأوتوماتيكية. أنا أؤيد التجريب في الكتابة. لكن العلماء يجربون في المختبرات، وعندما يكشفون عن تجاربهم يكون العمل قد أصبح ناضجاً وكاملاً. الأمر سيان في الكتابة، حيث يجب ان تجري التجربة في مختبرنا الداخلي، لا تكون التجارب أدباً الا حين تنضج. أنا مع الحفاظ على البنية الكلاسيكية للرواية لا يجب ترك القارئ وسط كلام مفكك عليه تركيبه ثم فهمه. معظم ما ينتج تحت شعار "الرواية الجديدة" هو نوع من الكتابة الأنانية التي تشبه اللعب والعبث. عندما أكتب أحترم ما أنجزه ولا أرغب في اللعب. من يعجبك من الروائيين اللبنانيين والعرب؟ - يعجبني عدد كبير من الروائيين ولا يمكنني تعداد الجميع. أقرأ لحسن داوود، وأحب أعماله المتجددة ويهمني الاطلاع على أعمال الجيل الطالع. كما أقرأ لرشيد الضعيف، وتعجبني طرافته وإمساكه خط الغموض ليجعل القارئ يتبعه. أتوقف أيضاً في مصر، عند رواية سلوى بكر التي تعجبني لغتها وتجديدها في العمل القصصي. وتلفتني أيضاً بعض أعمال اعتدال عثمان والمقالات النقدية التي تكتبها. ومن أهم نقاد المسرح في العالم العربي صافيناز كاظم التي تعجبني كتابتها رغم انها ليست روائية. ما هي علاقتك بالشعر ولمَ لم تكتبيه؟ - أقرأ الشعر مثلما أسمع الموسيقى أي أنني مستهلكة أكثر مما أنا منتجة، أقرأ الشعر كي أرتاح. قرأت الشعراء الكلاسيكيين ويلفتني من المجددين سعيد عقل، وهو بنى قلعة شعرية. أما في الشعر الحديث فأحب شعر أنسي الحاج، ذات المنحى الروحي، وشعر شوقي أبو شقرا ومحاولته التجديدية وأسلوبه الظريف. ماذا عن نزار قباني؟ ماذا عن أدونيس؟ - قرأته من زمان وأعجبت به. أما أدونيس فقد تابعته في أعماله الأولى فقط، وتوقّفت بعد ذلك. ليس أدونيس شاعراً فقط بل مفكر، لكنه ابتعد عن جوّه لينتقل الى جوّ عالمي بعيد، وهذا ما أبعده عن التواصل مع بيئته. هل تعملين على رواية جديدة؟ - عملي الروائي المقبل يتناول قضية الإغتراب. أحضّر لهذه الرواية منذ عشر سنوات، وهي تابعة لرواية "الاقلاع عكس الزمن" لكنها منفصلة تماماً عنها ولا تعالج موضوع الاغتراب بهذه الجدية، بل بأسلوب طريف يحاذي السخرية. تجري أحداث الرواية بين لبنان وكندا، وقد بدأت الشخصيات تولد وأشعر انها بدأت تعيش معي، وبتّ أستطيع ان أراها اليوم وأضحك. أما البطل فهو رجل أعمى، ولن أفصح أكثر من ذلك