رغم تباطؤ مؤشرات النمو الاقتصاد العالمي لعام 2023 وحالة عدم الاستقرار؛ نتيجة تحديات التوترات السياسية الراهنة وضغوط التضخم، وارتفاع معدلات أسعار الفائدة، والركود في عدد من الاقتصادات الكبرى، إلا أن قوة اقتصاد المملكة جعلته قادراً على مواجهة تلك التحديات، حيث حققت نمواً نسبته 2.5 % خلال النصف الأول من العام الجاري، كان اللافت فيها زيادة الأنشطة غير النفطية التي سجلت نموا 5.4 %، كما سجلت الأنشطة الحكومية نموا بنسبة 1.6 % خلال النصف الأول 2023، بينما تراجع القطاع النفطي 1.3 %. لقد مر العالم بأزمات عصيبة أطاحت باقتصاديات كبرى، واستمرت الأزمة من 2020م إلى تلك الفترة، ورغم ذلك حقق الاقتصاد السعودي نمواً قدره 8.7 % خلال عام 2022، وهو الأعلى منذ عام 2011 عندما نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 10 %، وجاء النمو خلال 2022 مدعوماً بنمو القطاع النفطي 15.4 %، وغير النفطي إلى 5.4 % كأعلى نمو سنوي منذ 2013 البالغ حينها 6.4 %، كما نما القطاع الحكومي 2.6 %، فكان الاقتصاد السعودي الأسرع نمواً في 2022 بين دول مجموعة العشرين وكبرى اقتصادات العالم. تلك المقدمة كانت المؤشر القوي لميزانية 2024، وأرقامها، فقدرت النفقات ب 1251 مليار ريال والإيرادات ب 1172 مليار ريال، وبعجز 79 مليار ريال، وكان اللافت للنظر الزيادات غير العادية للوزارات والقطاعات المختلفة، ففي ميزانية العام الماضي كانت مخصصات التعليم 151.86 مليار ريال، في حين بلغت مخصصات قطاع التعليم في 2024م 195 مليار ريال، وفي الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية العام الماضي 185.38 مليار ريال، وفي 2024م 214 مليار، وفي القطاع العسكري العام الماضي 173.54 مليار ريال، وفي 2024م 269 مليار ريال، تلك المقارنة كاشفة لرؤية المملكة وخططها الاستراتيجية التنموية في جميع القطاعات. إن القطاع الصحي بما يشهده من تطور وتحول كان في حاجة ماسة لتلك المخصصات غير المسبوقة، لينسحب ذلك على الإنسان في المملكة، وتحقيق أعلى معايير الأمن الصحي والأمن الدوائي، لتتحقق فلسفة جودة الحياة على أرض الواقع، وتستمر مرحلة التحول نحو المستقبل الذي تنشده المملكة، ويحقق آمال وطموحات المواطنين. وشهدت مخصصات التعليم في الميزانية رقماً كبيراً يعزز المرحلة الجديدة من تطوير المناهج، وتطوير البنية التعليمية تقنياً وإنشائياً، وتطوير أداء الكوادر العلمية في مراحل التعليم المختلفة، ليصب ذلك في ثروة الإبداع التي يمتلكها أبناء وبنات المملكة والاستثمار في قدراتهم، وتنمية مواهبهم، فتح آفاق جيدة أمام تحقيق الرؤى المستقبلية، لتصبح تلك الأجيال قادرة على تحمل المسؤولية بما يملكونه من قدرات ومؤهلات. وتظل المملكة صادقة في توجهها نحو الإصلاح رغم ما يخلّفه من آثار قد تعطل قطار التنمية، إلا أنها استمرت في إجراء الإجراءات الإصلاحية على الجانبين المالي والاقتصادي، والعمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي في ضوء المقومات والفرص التنموية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة في إطار رؤية المملكة 2030 لتمكينها من تحقيق طفرة اقتصادية يشهد لها العالم. إن الميزانية بأرقامها قادرة على تحقيق طفرة استثمارية لتعزيز البنية التحتية، والعمل على رفع جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين والمقيمين، والاستثمارات في القطاعات الصناعية، ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات السعودية غير النفطية، وهذا ما أكده سمو ولي العهد – يحفظه الله - . لقد رأينا زيادة في حجم الإنفاق، وهذا يرجع لحرص الحكومة على تطوير مستوى الخدمات، والتوسع في الإنفاق على استراتيجيات التطوير التي من شأنها رفع مستويات التصنيع المحلي، ومن ثم التوسع في التصدير، وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية، وتلك الخطوات ستساهم في تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتحفيزه للقيام بدوره في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتمكين سوق العمل من استيعاب المزيد من الكوادر السعودية، وخلق فرص وظيفية وخفض معدلات البطالة، وعلى أرض الواقع