في ظل استمرار الحكومة السعودية انتهاجها لسياسات إصلاح اقتصادي ومالي قوية وصارمة تحقيقاً لمستهدفات رؤيتها الطموحة 2030، وبغية تنمية وتنويع اقتصادها والرفع من معدلات النمو، فقد عَكس البيان التمهيدي لميزانية الدولة للعام المالي القادم 2024، سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي عبر إطلاق العديد من المبادرات والاستراتيجيات الرامية إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وجذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات والرفع من نسبة المحتوى المحلي والصادرات السعودية غير النفطية. كما وهدفت الميزانية العامة للدولة، إلى تقوية المركز المالي للحكومة من خلال الحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرة المملكة على التعامل مع الصدمات الخارجية. كما وقد كَشفت أرقام الميزانية عن استمرار الحكومة في انتهاج سياستها التوسعية في الإنفاق بهدف الاستمرار في دعم البرامج والمبادرات التنموية، بما في ذلك دعم جهود الدولة الرامية إلى المساهمة في زيادة الوظائف في سوق العمل، وتنفيذ الاستراتيجيات القطاعية والمناطقية التي تحقق معدلات نمو اقتصادي إيجابية خلال العام القادم وعلى المديين المتوسط والطويل كذلك. ومن هذا المنطلق أتت الميزانية بتوقعات إيجابية طالت الاقتصاد الوطني للعام 2024 امتدادًا للتطورات الإيجابية للأداء الفعلي للاقتصاد السعودي منذ بداية العام 2021، إذ تشير التوقعات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4 % في العام القادم، مدعوماً بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية مع توقع استمرار القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي في المملكة. كما أنه من المقدر أن يؤدي الانتعاش الملحوظ والمتوقع في اقتصاد المملكة إلى تطورات إيجابية على جانب الإيرادات على المدى المتوسط حيث يتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات للعام 2024 نحو 1,172 مليار ريال وصولاً إلى نحو 1,259 مليار ريال في عام 2026. إن استمرار الحكومة السعودية في استكمال تنفيذ المبادرات والإصلاحات الهيكلية على الجانبين الاقتصادي والمالي، سيسهم في تحقيق الاستقرار والاستدامة للميزانية العامة للدولة، وتمكين الحكومة من تبني سياسات إنفاق توسعية لدعم النمو الاقتصادي في المملكة. لعله من اللافت أيضاً أن سياسة الإنفاق التوسعية على المشاريع والمبادرات والبرامج التنموية، لم تُغفل دعم برامج الحماية الاجتماعية لاحتواء ارتفاع الأسعار، ووضع حد أقصى لأسعار البنزين والتأكد من وفرة المخزون الغذائي، إلى جانب السيطرة على معدلات التضخم، حيث تشير التوقعات الأولية إلى محافظة المملكة على معدلات تضخم منخفضة للغاية مقارنة بمستويات المعدلات العالمية، حيث على سبيل المثال لا الحصر، يتوقع أن يسجل التضخم لكامل عام 2024 معدل 2.2 % وأن ينخفض تدريجياً عبر الأعوام القادمة ليصل إلى 1.9 % في عام 2026. أخلص القول؛ إنه رغم التحديات التي تواجهها معظم اقتصادات دول العالم، بما في ذلك اقتصادات الدول المتقدمة، بسبب التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، حيث وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي في عامي 2023 و2024 بنحو 3.0 % مقارنة بنمو أعلى في عام 2022 بنحو 3.5 %، وايضاً رغم انخفاض متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية العام وحتى شهر أغسطس من العام 2023 بنسبة 22.2 % ليسجل المتوسط نحو 80.8 دولارا للبرميل مقابل 103.8 دولار للبرميل خلال الفترة نفسها من العام السابق، إلا أن الحكومة السعودية مستمرة في استكمال مرحلة التحول من خلال استمرار تنفيذ المبادرات والإصلاحات الهيكلية على الجانبين الاقتصادي والمالي سعياً لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، بما يحقق النمو الاقتصادي المستدام وتجويد الخدمات العامة، والتحسين من مؤشرات سوق العمل وخفض معدل البطالة بين السعوديين، والرفع من نسبة المحتوى المحلي وتحفيز الصادرات الوطنية، مما سيعزز من مستويات النمو الإيجابية للاقتصاد السعودي والتعزيز من مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.