ما زال الجدل حائماً بين اللغويين حول استعمال كلمة (ترند)، وتعريبها، وهي مرادف لرائج، أو سائد، وقد أجازت لجنة الألفاظ والأساليب بمجمع اللغة العربية في القاهرة، في يوم السبت التاسع من سبتمبر (أيلول) 2023، استخدام لفظ (التِّرِنْد)، وجمعها (ترندات)، ولا ريب فإن هذا المجمع اللغويّ يسعى من خلال هذا التعريب إلى الحفاظ على سلامة اللغة العربية، وجعلها «وافية بمطالب العلوم، والفنون، والحفاظ عليها من الضياع، والعبث. والعمل على وضع معجم تاريخيّ لغويّ يُعنى بدراسة اللهجات العربية الحديثة في مصر، وغيرها من البلاد العربية»، وقد عرّف المجمع كلمة (الترند) بأنها: «موضوع ساخن جديد يُثار على منصّات التواصل الاجتماعيّ، فينتشر بسرعة في فترة زمنية قصيرة، ويهتمُّ به الجمهورُ، ويتداولونه بالحديث فيه، والتعليق عليه، ويتبادلون الأخبار عنه بكثرة». وقد ظهر في مقابل هذا الرأي جمهور آخر يرى عدم تقبّل هذه الكلمة، وأن اللغة العربية أوسع من أن تعرّب مصطلحاً أجنبيّاً، لكن الحقيقة أن الكلمة أصبحت رائجة، ومنتشرة؛ لذلك كان من المنطقي محاولة تعريبها؛ لأن في ذلك أيضاً قوة أخرى للغة العربية التي هي قادرة على الأمرين معا: استحداث كلمة تقابلها، أو تعريب الكلمة الأجنبية ذاتها، ولسنا مع هؤلاء، ولا أولئك، وإن كنا -نحن معشر الأدباء- أكثر تقبلاً وانفتاحاً؛ ولهذا سنبتعد عن تفاصيل الرأيَين؛ لندخل في خضم آخر، وهو حضور أشكال (الترند) قديماً في الأدب العربي. إننا حين نتأمل قول الشاعر قديماً: «إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذامِ» يتبادر إلى أذهاننا كيف صنع هذا البيت شكلاً من التلقي لدى الأقدمين، شعراء وكاتِبين، حيث تتابع الذين يتناقلونه، ويردّدونه، حتى صار اسم (حَذامِ) مضرب مثلٍ عندهم، وصاروا يتخذونه شاهداً على صحة القول، ودقة النقل؛ ولذلك أورده أبو عبيد القاسم بن سلام (224 ه) في كتابه (الأمثال): «القول ما قالت حذام ..»، كما أورده غير واحد ممن جمع أمثال العرب. بل راح بعضهم يلقّب من اعتُمد قولُه في نقل الآراء العلمية ب(حذام المذهب)، وكان ابن الأثير (637 ه) صاحب المثل السائر، يقول عن أبي تمام: «وكان قوله في البلاغة ما قالت حذامِ»، ثم صار الشعراء، والأدباء، والنقّاد يتناقلون هذا الشطر (فإن القول ما قالت حذام)، في كثير من المواضع، حتى صار في كثرة تداوله وتناوله أشبه ب (الترند) في زمننا هذا. وإذا ذهبنا إلى شاعر العربية الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، فإننا واجدون في كثير من أبياته لوناً من الذيوع، والشيوع، يجعلها رائجة وسائدة، حتى لقد كانت شكلاً من (الترندات) في زمانه، وبعد فوات أوانه، واللافت للانتباه ليس هذا الانتشار والإشهار الذي يتلقاه فيها بنو عصره، بل في ذلك الإحساس الذي يدركه المتنبي في رواج أبياته، وانتشارها؛ ولهذا -بعيداً عن العجب والغرور- تراه يقول: «أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمَى إلى أَدَبي وأَسمَعَتْ كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ» ويقول: «أَنامُ مِلءَ جُفُوفي عن شَوارِدِها ويَسْهَرُ الخَلْقُ جَرَّاها ويَختَصِمُ» وقد راجت هذه الأبيات في زمنه وسادت، ولهذا يصرّ المتنبي على أن يكون (ترنداً)، فيقول في قصيدة أخرى: وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَصائِدي إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّراً وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا