حسن كتبي أديب مكتمل الأداء. وله مشاركات في حقل الثقافة العامة، وصاحب نزعة اسلامية يضطلع بها في كثير من البحوث والاستنتاجات..ولد بمكةالمكرمة سنة 1329ه وتلقى معارفه بمدرسة الفلاح، وفي سنة 1348ه سافر إلى الهند في بعثة لدراسة العلوم الدينية بمدينة بمبي على حساب المرحوم الحاج محمد علي زينل مؤسس مدارس الفلاح، وفي سنة 1352ه أتم دراسته ونال الشهادة وعاد إلى مكة.تولى أمر تحرير جريدة "صوت الحجاز" بعد عودته من الهند ثم لم يلبث أن استقال منها، وفي سنة 1353ه عين مدرسا بقسم تخصص القضاء الشرعي بالمعهد الاسلامي السعودي، وفي سنة 1354ه عهدت اليه مديرية المعارف أمر تنظيم مدرسة الطائف الحكومية حيث عين مديراً لها فنظمها على خير ما يرام، وفي سنة 1359 عين محررا بديوان الاوراق بوزارة المالية. ثم استقال واشتغل في الأعمال الحرة مع شقيقه السيد سامي كتبي. وفي سنة 1390 صدر ا لأمر الملكي بتعيينه وزيراً للحج والأوقاف وما يزال بها حتى الآن. وللأستاذ السيد حسن كتبي مشاركات فعالة في الأدب حيث أخذ يكتب في الصحف والمجلات ويمون شباب الجيل بأفكاره وآرائه في الأدب، وقد ألف كتابا بعنوان "الأدب الفني" كان له أعظم الوقع في انفس الادباء. ويسرنا أن ننشر له في الصفحات التالية بعض النماذج الأدبية. أثر المتنبي في الأدب العربي ظلت اللغة العربية وادعة أمينة لا تعرف التعمق في أعماق الحقائق ولا تتجاوز الفطرة الا بمقدار حاجة الفطرة عينها. ثم تطورت مع الأمة العربية، وكانت تتكلف أحياناً لمجاراة الحياة ولكنها تنشط بعد جهد وتقوى بعد ضعف وتسير مع الزمن سيرته بقدر وسعها فهضمت السياسة والرفاهة بجميع ألوانها في العصور الأولى، ودخل عليها من الاساليب الفارسية والرومانية ما صقل حواشيها وجعلها لغة حضارة اسلامية راقية، وفي العصر العباسي الثالث بدأت تجتاز عقبة أصعب من كل ما صادفت من قبل. تلك العقبة هي الفلسفة. فهي لا تحتكم للفظ بقدر ما تحتكم إلى الحقائق، والألفاظ لا تتسع بسهولة للمعاني الشاسعة التي لا نهاية لها أو التي تكون بعيدة المنال، والشعر لا تتسع القافية فيه لأكثر من الوزن، والشعراء يكونون عرضة للعنة التاريخ اذا لم يهذبوا أساليب الشعر ليكون صورة لعصره فكانت اللغة بحاجة شديدة لعبقري ناضج المواهب قوي النفس مصقول الحس بعيد الخيال معتلج العواطف نافذ النظر عليم بأساليب اللغة ضليع بها مضطلع بأعبائها. فكان المتنبي هو ذلك الفذ المنشود الذي استطاع وحده أن يبدأ تلك العملية الشاقة المضنية عملية ادماج الفلسفة في الشعر واشراب الشعر روح الفلسفة. وكان إلى جانب هذه المهمة القاصمة مهمة أخرى بيد أنها ثانوية في نظر علم الأدب وهي نقع غلة السياسة اللاهثة فقد كانت الدول الاسلامية مفتقرة لجيش لجب من الشعر الرصين تنتصر به الواحدة منها على الأخرى. فالدولة الفاطمية في مصر، والبويهية في العراق، والحمدانية في حلب تتنافس في مدائح الشعر وتجزل في عطاياهم ليرفعوا من رأسها على غيرها ويمجدوا من تاريخها، وكان الأمراء والوزراء مبتلين بما ابتلي به رؤساهم والغرض بذلك الثناء استدامة الدولة وتوسيع سلطتها، واستمالة القلوب اليها، فكانت السياسة كاللغة محتاجة إلى العبقري عينه ليفي بحاجة التنافس ويرفع ويخفض ويعز ويذل ويقدم ويؤخر في الشعر، فيرجع صدى ما يقوله كل أديب وعالم وتابع وعامي ويختلف فيه الجميع باختلافهم في نزعاتهم وأهوائهم. فكان المتنبي هو ذلك العبقري الناضج الذي يقول في مدح سيف الدولة: ورب قافية غاظب به ملكا ويصف وقع شعره ومقامه بين شعراء عصره: ان هذا الشعر في الشعر ملك سار فهو الشمس والدنيا فلك فاذا مر بأذني حاسد صار ممن كان حيا فهلك فكان المتنبي اماما للفلسفة الشعرية وكان قائداً للحملات السياسية في الشعر يتصل بسيف الدولة فتتوجه اليه نفوس الملوك غيره، ثم يفارقه فيتحبب اليه الحسن ابن صغج وطاهر العلوي وكافور فيدل بنفسه وشعره عليهم. واذا كان الملوك في التقرب اليه يعلمون شيئاً الاسباب والاساليب، فكيف بالمتنبي بين العامة ممن يغبطونه ولا يسمون اليه، ومن يعتدون بنفوسهم ولا يفوزون بمثل ما فاز به، فنشأ من هذا الانقسام اللازم بضرورة الحال، فكان الناس فيه بين مادح مغال وقادح مفرط، وكذلك كان أثر المتنبي من الأدب العربي أثر التجديد القوي والتوجيه السديد، والادباء وراءه يشقون طريقه التي يسلك لهم إلى حيث أرادت به ملكاته القوية وأدبه الراسخ المكين، وبلغ من اثر شعر المتنبي في أدب المتأدبين من معاصريه ومن خلفهم اجيال بعد أجيال أن لا تجد أديبا من بينهم لا يحفظ الشيء الكثير من شعره ويتنغم به في خلوته ويتشبه باسلوبه ويقتبس من معانيه ويأخذ المعنى الواحد فيضم اليه سوابق ولواحق ليزين به مقاله ويفاخر به بين كلمه، ومن الامثلة التالية يتبين مقدار شغف الادباء بمعاني المتنبي وانكبابهم على دراسته فقد اخذ الصاحب البيتين من شعر المتنبي: حتى أتى الدنيا ابن بجدتها فشكى اليه السهل والجبل تذكرت ما بين العذيب وبارق مجر عوالينا ومجرى السوابق وجلها في وصف قلعة افتتحها عضد الدولة فقال: واما قلعة كذا فقد كانت بقية الدهر المديد، والأمد البعيد، تعطس بأنف شامخ من المنعة، وتنبو بعطف جامح على الخطبة، وترى أن الايام قد صالحتها على الاعفاء من القوارع وعادتها على التسليم من الحوادث. فلما اتاح الله للدنيا ابن بجدتها وابا بأسها ونجتها، جهلوا بون ما بين البحور والانهار، فظنوا الاقدار تأتيهم على مقدار، فما لبثوا أن رأوا معقلهم الحصين ومثراهم القديم تهزه الحوادث وفرصة البوائق ومجر العوالي ومجرى السوابق". وكتب أبو العباس الضبي إلى أبي سعيد الشيبي: "وقد أتاني كتاب شيخ الدولتين فكان في الحسن روضة حزن بل جنة عدن، وفي شرح النفس وبسط الأنس برد الاكباد والقلوب وقميص يوسف في أجفان يعقوب" وهو من بيت أبي الطيب: كان كل سؤال في مسامعه قميص يوسف في أجفان يعقوب وحل أبو بكر الخوارزمي بيتي أبي الطيب: تنشد أثوابنا مدائحه بألسن ما لهن أفواه اذا مررنا على الأصم بها أغنته عن مسمعيه عيناه فقال: "وكيف أمدح الأمير بخلق ضن به الهواء، وامتلأت من ذكره الأرض والسماء، وأبصره الأعمى بلا عين، وسمعه الأصم بلا أذن". وكقوله: "ولقد تساوت الألسن حتى حسد الأبكم، وأفسد الشعر حتى أحمد الصمم" من قول أبي الطيب: "قد أفسد القول حتى أحمد الصمم" وليس تهافت الكتاب على انتحال معانيه وتزيين كتاباتهم بها بأعظم من سرقات الشعراء لها وادماجها في شعرهم، وهو دون الحصر، ولا يبلغه العد، وكيف يمكن أن نحصر سرقات الشعراء وهم يفاضلون بتراث المتنبي ويدعون فيه الاختصاص بهم دون غيرهم، غير أن الذي يلفت النظر في ذلك هو أن يكون اللفظ عين اللفظ والمعنى عين المعنى من غير تصرف الا ما يقتضيه التركيب ولا يؤثر في روح المعنى الذي أراد المتنبي كقول الببغا: يا من يحاكي البدر عند فراقه ارحم فتى يحكيه عند محاقه من قول أبي الطيب: وقد أخذ التمام البدر فيهم واعطاني من السقم المحاقا وكقول الصاحب: تجشمتها والليل وحف جناحه كأني سر والظلام شمير من قول أبي الطيب: وكنت اذا يممت أرضا بعيدة سريت فكنت السر والليل كاتمه وقول الصاحب: لبسن برود الوشى لا لتجمل ولكن لصون الحسن بين برود من قول أبي الطيب: لبسن الوشى لا متجملات ولكن كي يصن به الجمالا ولو انتهينا لجمع هذه السرقات لاعيانا الاستقصاء ولا ندعي أنها معان لا يعلق لها مثيل، ولكن المتنبي فتح بأسلوبه وتصرفاته فتحا مبينا حتى نمق من الافكار العادية والتشابيه المبتذلة ما يصلح لأن يحلى به جيد الزمن. وقد كان المتنبي يغير على غيره، ولكن اغارته تلك اغارة المتفضل يطالع الناس بمقدرة ابتكاره وتقليده كقوله: ما زال كل هزيم الودق ينحلها والشرق ينحلني حتى حكت جسدي مسروقا من قول مخلد الموصلي: يا منزلا ضن بالسلام سقيت ريا من الغمام ما ترك الدهر منك الا ما ترك الشوق من عظامي. وكقوله : تتبع آثار الرزايا بجوده تتبع آثار الاسنة بالقتل من قول أبي نواس: ولكن بالدهر عينا غير غافلة بجود كفيك تأسو كلما جرحا وكقوله: شاعر المجد خدنه شاعر اللف ظ كلانا رب المعاني الدقاق من أبي تمام: غربت خلائقه واغرب شعره فيه فأبدع مغرب في مغرب فاستعانته بمعاني الشعراء ليس استعانة المعوز الذي لا يجد من ثروته الذاتية ما يستقل به وانما هي تفنن وبر بالفن. كان المتنبي عظيم الأثر في الأدب العربي على الوجه الذي قدمنا من الابتكار والتحسين والاختراع ، وليس هذا كل ما يشرف المتنبي، وان الذي يشرف به حقا هو سموه في الكثير من شعره إلى ذرى الفلسفة وارسالها في صدى موسيقى ملحن يدعو للغبطة ويسمو بالنفس إلى آفاق المعرفة في الحياة العامة.ولعل أعظم ما كان يرفع من قدر المتنبي لدى الملوك والامراء هو ابتداعه في هذا الفن وتأليفه بما لم يسبقه أحد إلى مثله حتى لقد هم بعطفهم بالتوفيق بين فلسفة المتنبي وارسطو. وجاء في كتاب لأبي علي الحاتمي من شعراء العربية: "لما رأيت أبا الطيب قد أتى في شعره على اغراض فلسفية، ومعان منطقية أردت الموافقة بين ما توارد به في شعره مع ارسطو في حكمه لانه ان كان ذلك عن فحص ونظر فقد اغرق في درس العلوم، وان يكن ذلك منه على سبيل الاتفاق فقد زاد على الفلاسفة في ذلك وهو في الحالين على غاية الفضل" وليس ببعيد أن تكون فلسفة أبي الطيب نتيجة درس متقدم وبديهة حاضرة، والنظر الفلسفي متى قويت ملكاته واستقام طبعه لم يعد يتقيد بالدرس والتقليد، وقد كان يتمثل بابطال الفلسفة اليونانية في شعره: من مبلغ الاعراف أني بعدهم شاهدت رسطاليس والاسكندرا وسمعت بطليموس دارس كتبه متملكا متبديا متحضرا ولقيت كل الفاضلين كأنما رد الاله نفوسهم والاعصرا ونسرد شيئا من شعر المتنبي الفلسفي لمدلل على مبلغ نجاحه في فنه ومقدار سبره لاغوار الحقائق كقوله: وكلام الوشاة ليس على الاحباب سلطانه على الاضداد انما تنجح المقاله في المر اذا صادفت هوى في الفؤاد وقوله: واسرع مفعول فعلت تغيرا تكلف شيء في طباعك ضده وقوله: ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى عدوا ما من صداقته بد وقوله: تبخل أيدينا بأرواحنا على زمان هي من كسبه فهذه الارواح من جوه وهذه الاجسام من تربه وفكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه وقوله: وغاية المفرط في سلمه كغاية المفرط في حربه وقوله: ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر وقوله: أرى كلنا يبغى الحياة بسعيه حريصا عليها مستهاما بها صبا فحب الجبان النفس أورده التقى وحب الشجاع النفس أورده الحربا وقوله: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والاقدام قتال وقوله: قد قضت الايام ما بني أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد وكل يرى طرق الشجاعة والندى ولكن طبع النفس للنفس قائد هذه الوان شتى من فلسفة المتنبي في الحياة العامة والطبيعة والانسانية والعلاقات البشرية والاخلاق والحقائق الوجودية وليست هي بحاجة الان بشرحها شارح الا اذا شاء ان يحملها الى جزئياتها الدقيقة ويركب عليها من فسلفتها فلسفة تقوم عليها ولا يفوتنا ان يلاحظ التعمق الذي كان يصاحب نظرياته في تكوينها على شكل قضايا مبرهنة لا يضيق بها المنطق الصحيح والتعليل المعقول واكثر ما كان يستمد البرهان من الحقيقة ذاتها والواقع المحسوس لذلك كانت حكمه على الالسن وفي الصدور ولا تجد عاميا من العوان لا يستشهد لك بالكثير من حكم المتنبي. وبعد - فأثر المتنبي في الادب العربي هو ما يصفه المتنبي نفسه: وما الدهر الا من رواة قلائدي اذا شعرا أصبح الدهر منشدا ودع كل صوت بعد صوتي فإنني انا الصالح المحكي والآخر الصدى الادب العربي القديم الادب العربي الجاهلي هو المادة الاصلية الفنية للادب العربي في جميع اطواره والعربي اوجد هذا الادب وساهم في تكويت مادته واشفاقاته النفطية وتركيبات جمله ووضع الاسماء للمسميات ووضع الصياغات للمعاني كان يمتاز بالاحساس دقيق صاف قوي واضح معبر ينتقي الجرس اللفظي للمسميات كما تقع تحت احاسيسه وللمعاني كما تنطبع في نفسه. وان توقف الانتاج اللفظي بعد تطور الامة العربية التطور المدني وتوقف احداث الاسماء العربية المسميات والالفاظ المستجدة المعبرة تجلي لالاسلوب العربي الاصيل للمعاني المستجدة واللجوء الى تعريب الالفاظ والاسماء والتعابير انما هو راجع لانعدام الموهبة الفطرية الخلاقة في الناطقين باللغة العربية بعد انقراض العرب الذين كانوا يتمتعون بتلك الموهبة. فكل ادب عربي اصيل انما هو مستند من ذلك التراث الخالد الذي تركه العرب القدماء كما انه يستثنى من ذلط النبع الفياض ولن تجد ديباجة مكشرقة في ادب عربي في اي عصر من عصور الادب العربي الا اذا كانت تستمد اشراقتها من رشاقة الالفاظ العربية في الادب الجاهلي وكذلك موسيقاها واسلوبها وكذلك موسيقاها واسلوبها ونستثني من ذلك بعض التعابير واللفاظ الجافة التي هي وان كانت من صميم الادب الجاهلي غير انها ليست النموذج الذي يحتذي به منه وفي سبيل الايتشهاد على تلك الموهبة الفطرية في الانسان العربي الاصيل نذكر حادثة عتبة بن ربيعة العبسشمي من بني عبد شمس بن عبد مناف حين ذهب موفدا من قريش الى الرسول عليه السلام فقا له يا ابن اخي انك انك منا حيث قد علمت من خيارنا حسبا ونسبا وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت احلامهم وعبت ألهتهم ودينهم وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع مني اعرض عليك أمور تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها - فعرض عليه أن كنت تريد مالا وان كنت تريد شرفا.. إلى آخر ما عرض فقال عليه الصلاة والسلام فقد فرغت يا أبا الوليد فاسمع مني فقرأ أول سورة فصلت: بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون.. إلى قوله تعالى: فلو شاء ربنا لانزل ملائكة فأنا بما ارسلتم به كافرون. فأمسك عتبة بغيه وناشده الرحم أن يكف عن ذلك وقد بهره الروعة والاعجاز فلما رجع إلى قومه قال لهم - والله لقد سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة ولا بالسحر فوالله سيكون لكلامه الذي سمعته نبأ فقالوا لقد سحرك "محمد". تلك هي الموهبة الخلاقة المدركة بالفطرة لروعة الاسلوب واعجازه في قلب الانسان وذوقه وفهمه. والأدب العربي الجاهلي يمتاز بأنه سجل للحياة العربية من حيث البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية والصور الاخلاقية وآداب الأسرة وآداب القبيلة والتغني بالأمجاد التي تقوم عليها حياة القبيلة والعشيرة والجوار كالكرم الذي تفرضه حياة الطبيعة القاسية حين يقطع المسافر الصحاري الواسعة المنقطعة التي تفني الزاد والراحلة فيجد من يباهي باستقباله ويبالغ في اكرامه وازالة ما علق به من جوع وتعب وحرمان ويرد عليه القدرة على مواصلة سفره واحتمال ما سيلاقيه من صعوبات السفر وقسوة الطبيعة كل ذلك في سبيل العزة والفخر والتباهي بالكرم. ولذا فان الادب الجاهلي قد ترك صورة مشرقة قوية تتدفق بالحيوية وتتفجر بثابقيتها.. بالاحاسيس العربية والمعاني التي كانت تعيش في نفوس العرب والصور التي كانت عليها حياتهم العامة واعتقد أن الادب الجاهلي بواقعيته وحده تعبيره واخيلته والصور التي كانت عليها حياتهم العامة التي تبعد كثيرا عن واقعه هو أصدق أدب يصور فترة من حياة أمة من الأمم أو جيل من الأجيال واعتقد ايضا انه اذا لم يحفظ التاريخ آثار العرب هذه الفترة من سكان الجزيرة العربية تعبر عن مدنيتهم وعلومهم وفنونهم واساليب حياتهم وآدابهم وحروبهم وغير ذلك فإن ما تركه من شعر ونثر كفيل بتصوير حياتهم تصويرا أغزر مادة واعظم وضوحا مما تصوره الآثار التي حفظت عن غيرهم من الأمم مع ملاحظة الفوارق بين مجالات كل أمة فاذا كانت مجالات بعض الامم في التقدم الفني فان مجالات العرب القدماء في الصفاء الروحي والذهني وادراك المعاني الكريمة السامية باساليب ترفع من مكانتهم وتعلي من شأنهم. أما الادب الاسلامي فلقد شاد صروحه على أسس هذا الادب الذي كان في أوج اكتماله آنذاك وكان اكتماله سر التحدي الذي جاء به القرآن الكريم حيث تحدى فصحاء العرب واساطين البيان ان يأتوا بسورة من مثله في سمو روعته وفصاحته واعجازه. والتحدي من القوي لا يكون للعاجزين ولكن يكون للأقوياء الذين هم أهل للتحدي في نفس الموضوع الذي تقوم عليه التحدي فكان هذا التحدي من القرآن للعرب الجاهلية هو برهانا على اكتمال فصاحتهم ونضح أدبهم. ولقد جاء الادب الاسلامي بصور جديدة كل الجدة على الفكر العربي الجاهلي والتصور العربي الجاهلي وان يكن جديدا على الاسلوب والتعابير والاشتقاق والصياغة ولكنه سما بهذه العناصر وهذبها وروض من صلابتها وسكب فيها من نور التعابير القرآنية ما ارهفها وشففها ورقق حواشيها ثم اتسع الادب العربي الاسلامي وتنوعت صوره بمقدار ما انضاف اليه من فيض الروح الاسلامية والنظام الاسلامي والفتح الاسلامي وبالتنوع الذي طرأ عليه بتنوع الذهنيات غير العربية التي دخلت في الاسلام وعبرت عن ذلك بلغة عن ذات نفسها. وفي هذه الفترة بدأ الأدب العربي يتحول من أدب في حدود الاطار العربي إلى حدود اوسع فأوسع حتى كان العصر الذهبي فكانت صور الادب الاعشى وكتابي الاغاني ونفح الطيب عن الجاحظ وفي مثل موسوعة صبح العربي تتسع في مثل حدود ما نقل وما شاكلها فكان أدبا عربيا بلغه ولكنه نسيج فارس او روماني أو غير ذلك من العقول التي دخلت في الاسلام وانصهرت في الامة العربية ونطقت بلغتها وهكذا كانت التطورات تطرأ على الادب العربي بتطور الاشخاص الذين نطقوا باللغة العربية واتخذوا منها مادة لصياغة معانيهم الادبية وصورهم الفكرية واخيلتهم وافكارهم الادبية ثم جاء تاريخ الادب فوزع ذلك التطور إلى عصور ليحدد حركة التطور كيف بدأت وكيف تمت ومن شارك فيها. أما المصادر التي تأثرت بها في أدبي: فهي القرآن الكريم فانني احس لحلاوة لفظه ولطفه وسمو اساليبه ما لا يمكن أن يوجد في غيره وانك لتجد اللفظة المستعملة في القرآن الكريم حين تستعمل في مثل جوها وبيئتها من التعابير الادبية تعكس اشراقة وبهجة على جميع الجمل المحيطة بها والواردة مفي سياقها وسباقها ولكن الاقتباس من الاسلوب القرآن والتعابير القرآنية ليس من اليسير والسهولة بحيث يمكن الاخذ كيفما اتفق بالاقتباس الادبي من القرآن تستدعي اخراج اللفظ او الجملة من قرآنيتها إلى السياق والسباق الذي يرد فيه في المقال وهذا يستدعي خلق الجو الصالح حتى يستقر اللفظ القرآني أو الجملة القرآنية في الجو البياني الصالح وحتى يتوفر التناسق والجرس في التعبير. أما أحب الادباء والشعراء إلى فهم: زهير بن أبي سلمى وطرفة وعمر بن ابي ربيعة والمتنبي.. وابلغهم أثرا في نفسي أبو العلاء المعري والجاحظ وابن خلدون.